فاطمة نزال قادتني خطاي حيث لا أدري، فتحت الباب، وسارت بي تحملني مسرعة، قطعت الشارع، كنت أنظر إليها وهي تتسابق، وراقتني حركتها الراقصة، كانت تعدو بشكل غريب. السماء تنهمر تغازلها بالمطر، وهي تلهو غير عابئة، ثمة شيء يشغلها . لا أدري كم قطعت قدماي من مسافة، كل ما أعيه أنها ضربت موعدا مع قدميك التي وقفت تحمل جسدا مرتعشا وعقلاً مثقلا بالهواجس والأسئلة. مكثتَ هناك تنتظر، تتململ، تمشي بضع خطوات جيئة وذهابا، تتوه عيناك وهي تبحث بين وجوه الغاديات، لم تتأخر قدماي، لكن الانتظار يهمس لك بنبرة تشكيك لن تأتي، يصدقه عقلك والمنطق، ويكذبه قلبك المجنون، وتؤمن روحك بأن روحي إليك مهاجرة تعانق طيفك وتطمئنك بأنني هنا بالقرب منك، بيننا بضع خطوات، أراك ولا تراني تسرع خطاي تحتضن خطاك وتتشابك أصابعي بأصابعك باحثة عن حضن كف ما زال دفئها يسري بأوردة يدي. ابتسامتانا ونظراتنا، وكل تعبيرات ملامحنا واختلاجات روحينا تداخلت وامتزجت فانصهرت وتبخرت سكنت نقطة من مطر لم تسقط بعد، ما زالت تمارس رحلة هبوطها بشقاوة، تغازل نسمة باردة تلفح محياك . هناك... ما زلت تنتظر، تدخل المصرف القريب، تقف قبالة ذلك الرجل من خلف الزجاج، تنظر إليه يبتسم لك ويسألك فلا تجيب، فقط تسارع أصابعك بالتقاط القلم تدون رقما على ورقة صغيرة وتمتد إلى جيب (سترتك) تخرج بطاقة هويتك وتناوله إياها، ينقدك مبلغا من حب وورد وقبلات ودفء. تخرج، تتأبط طيفي، نقطع الطريق معا تتقافز فرحاً، المطر يتساقط رذاذا خفيفا، ولكننا نستمتع بالمشي، نتأمل واجهات العرض في المحلات التجارية، تلتقي نظراتنا... وبصمت، ندخل أحدها، وفي لحظة جنون جميلة، نبدأ باختيار بنطال وقميص شتويين، تدخل غرفة القياس، وأنتظرك... أسأل البائع عن أحزمة وملابس داخلية وجوارب، أختار ما بناسب مقاسك وأضعها جانبا، يعجبني معطفا جلديا، أتناوله، تخرج لي... أتأملك وأنت تستعرضها بفرح طفولي، أُلبسك المعطف وأختار لفحة تناسب الطلة، ألفها حول عنقك وأنظر إليك بحب، تقبِّلك روحي، كم كنت شهيا وسيما أنيقا. تنقد الرجل حبا وابتسامات، ونخرج هناك على الجانب الآخر محل أحذية.. أنظر إليك تسرع أقدامنا باتجاهه، تقع أنظارنا على الأحذية المعروضة، نلتقط ذات الحذاء نحملق ونضحك...!! نحمل أشياءنا وتأخذنا أقدامنا إلى مقهى قريب. نجلس نرتشف قهوتنا نبتسم ونثرثر ونحكي نكتا تافهة ونضحك... تخرج وحيدا من ذلك المقهى، تتأبط ذراع الجنون الذي يسكننا، وتعود محملا بالكثير منه... ومن الخيال والحب والقبلات...