يحتاجُ العالمُ، يا صديقي، إلى قصّةِ حبِّنا كي ينسى العنفَ والدمَ والموت فلنكنْ حكايةَ عشقٍ تتناقلُها الألسنُ لعلّها تنسى لغةَ الشتائم فلنكنْ حديثَ السهراتِ لعلّ الأعينَ تُطبِقُ أجفانَها على وعدِ الألوهة، بعدما أطبقَ على الصدورِ وعيدُ عبدةِ ذواتِهم فلنكن حلمًا يداعبُ مخيّلاتِ الناسِ، الناسِ الذين أتلفت نفوسَهم مشاهدُ الرجم والذبح والتهجير! لا يحتاج عالمُنا يا صديقي العابرَ العجوز إلى عرسٍ هوليوديٍّ يجرحُ الكراماتِ ببذخِه! ولا إلى مسلسلٍ يجترُّ آلامَ المسحوقين وينشرُ فضائحَ الفساد ولا إلى أغنيةٍ ينتهي أثرُها قبلَ نغمتِها الأخيرة ولا يحتاجُ قطعًا إلى زعيمٍ أو قائدٍ أو رئيسٍ أو حزب... يحتاجُ إلينا، يحتاجُ إلينا، هذا العالمُ الملعونُ بخطيئةٍ أصليّةٍ وأصيلةٍ اسمُها الموت إلى حكايتِنا النابتةِ في تربةٍ مجبولةٍ بالدم والعَرَق والدمع، والمعربشةِ على حيطانٍ نخرَها الرصاص، والممتدّةِ على أسطحٍ هجرتها العصافير إلى لقاءاتِنا المسروقة وقد حوّلناها مواعيدَ للشمس إلى طفولتِنا المغدورة وقد عمّدناها باسمِ آخرِ طفلٍ قضى ظلمًا إلى مراهَقتِنا الثائرة وقد استقينا منها ماءً لصحراء الزمن إلى شبابِنا المقهور وقد خبّأنا فيه أحلامَ الأجيال الآتية إلى عمرِنا المهزوم وقد صيّرناه شلّالَ غضب إلى رغبتِنا الجامحة وقد انصاعت لها الأصنامُ الصمّاء إلى قصائدِنا الهادرةِ والهامسة وقد جعلَها الحبُّ أناشيدَ حياة وصلاةَ زُهد إلى قبلاتِنا النهمة ولمساتِنا الصارخة وصراخنا العابث... يحتاج العالم إلى قصّة حبّ لا تتوقحنُ إلّا على الجبن ولا تتمرّدُ إلّا على الخبث، ولا تتحرّرُ إلّا من الحقد يحتاج العالم إلينا يا صديقي العابرَ العجوز فدعنا نلهي الناسَ بنا ... لتهجرَهم كوابيسُ الرعب ولنجعلْ كلَّ قبلةٍ من قبلاتِنا مدرسةً في الحبّ وكلَّ مداعبة من مداعباتِنا نمطَ حياة وكلّ عناقٍ من عناقاتِنا مصدرَ إلهام... تعِبَ العالمُ يا صديقي من الحرب فلننجبْ له حكايةً حكايةً... ينتظرُ اللهُ نفسُه أن يعرفَ نهايتَها! ماري القصّيفي - أشبهكَ كدمعتين