الحقيقة أن الشكوك عصفت بالجميع بعد حالتي الوفاة المباغتتين لوالدة " تيموثي " وشقيقتها لكن ما من أحد كان لديه دليل يدين أحد أو يبرئ ساحته .. فبقي الأمر معلقا واستقر الولد ، الأخ ، الصغير تحت رحمة خمسة من النسوة الكارهات له ! لكن المستغرب حقا أن الأخت " ديميلزا " كانت تبدي عطفا وحنانا غريبا نحو من يفترض أنه أخاها الصغير .. سلوكها بمفرده كان مستهجنا من بقية القطط لكن الأخت الكبرى كانت تشعر بالدهشة .. لما تصر الأخت الرابعة علي إبداء كل هذا العطف نحو الطفل الذي لم تكن تطيق رؤية وجهه منذ بضع أيام ! بدأت الشكوك تساور " دوروثيا " لكنها لم تفعل شيئا حتى فوجئت بما لم تتوقع حدوثه أبدا .. فلقد استيقظت ذات يوم مبكرا جدا لتضبط أختها تتسلل خارجة من غرفة الصغير وعلي وجهها علامات التوتر والقلق .. دوهمت الأخت برؤية أختها الكبرى وتلعثمت محاولة تبرير موقفها لكن وصية العائلة شعرت بأن شيئا شريرا أو غريبا يجري هنا .. أسرعت إلي داخل الغرفة لتجد " تيموثي " يتلوي من الألم باكيا مستغيثا ! هرعت تفحصه لتعرف ما به لكنه كان يتلوي ويصرخ فحسب ولا يستطيع أن يصف شيئا مما يحس به ولا أن يجيب عن أية أسئلة .. غادرت " دوروثيا " الحجرة المسرعة وذهبت لتأمر بإحضار الطبيب .. كانت الأخرى لا تزال واقفة هناك وعلي وجهها شحوب مخيف .. حاولت تبرير موقفها قائلة : " لقد سمعته يبكي فجئت لتفقد الأمر ! " رمقتها أختها غير مصدقة وتجلي الاتهام في عينيها ولاح الرد المفحم دون حاجة إلي كلام .. إن حجرة " ديميلزا " في نهاية الرواق فكيف سمعت صوت " تيموثي " ولم تسمعه " دوروثيا " التي تلاصق حجرتها حجرته ؟! عادت الأخرى تقول مؤكدة بلهجة تبرير ومدافعة واضحة : " إنها " ميراندا " .. كانت تمر بقرب حجرته لتحضر لي شيئا فسمعت صوته يتألم فأتت وأخبرتني ! " " ميراندا " هذه هي وصيفة الدوريا الرابعة .. لكن الأخت الكبيرة لم تصدق حرفا ! لكنه ليس وقت المواجهة ولا تبادل الاتهامات الآن .. جاء الطبيب أخيرا لينهي المناقشة ففحص الصبي وأعلن أنه يعاني من تلبك معوي روتيني ! جميل ! أي اتهام يمكن توجيهه في عرض كهذا مع العلم أن الصبي أكل كميات هائلة من الكعك المحلي بالأمس ؟! أي اتهام يمكن توجيهه .. لكن " دوروثيا " شعرت بأن شيئا يجري خلف ظهرها .. قررت أن تقطع الشك بالحماية ، ففرضت حراسة علي الصبي من وصيفتها الهمامة " زوي " التي صارت ،تنفيذا لأوامر سيدتها ، تلازم الصبي في غدوه ورواحه وتنام ليلا خارج بابه ! لكن الصبي تعافي سريعا في اليوم التالي وزال الألم من أمعائه والشحوب من وجهه .. ما الذي يثبته هذا ؟! إن هذا لا يثبت شيئا ولا ينفيه .. لأن الألم أخذ يعاوده ويراوحه ويذهب ويعود ! ثارت شكوك الوصية وظنت أن وصيتها تفرط في أداء واجباتها كحارسة مناوبة علي الصبي .. لكن سرعان ما ظهر أمر آخر لفت أنظار الأخت الكبرى بعيدا عما يحدث للطفل الخاضع لوصايتها ! فقد بدأ الخدم وعمال الإسطبل والحراس يتحدثون عن أشياء غريبة .. إنهم يتناولون حكاية غير معقولة عن امرأة تغطي وجهها تطوف حاملة شمعة طوال الليل في حديقة القصر وتحوم حول الإسطبل وتظهر لبعض القائمين بالخدمة الليلية في مواضع مختلفة من القصر ! لم تصدق الدوريات كلهن حرفا في البداية .. ثم حدث ما غير آرائهن كلهن عدا كبراهن التي اعتصمت بتكذيبها الحاسم لما يقولون كلهم .. لقد شوهدت المرأة ذات الحجاب الشفاف علي وجهها بواسطة احدي الأخوات الخمس .. فلقد رأتها " ديميلزا " بالقرب من باب غرفة التيوليب في الحديقة الصغرى ! " ديميلزا ".. " ديميلزا " كل شيء يبدأ عند " ديميلزا " وينتهي عندها ! ما الذي يحدث هنا بالضبط .. مزيد من التعقيد والتشابك لكن ليلة غريبة الحوادث حملت مزيدا من الغموض ! فلقد أتت " زوي " إلي سيدتها ذات ليلة وأيقظتها بدون لباقة وهي تصرخ أن الصبي فقد من غرفته ! كانت تنام خارج بابه ، كما روت وهي تلهث فرقا ، واطمأنت إلي أنه في فراشه .. ثم صحت علي هواء بارد يحيط بها وهي تنام خلف الباب الخارجي لجناحه الصغير ، وأمام بابه الداخلي ، فصحت .. ذهبت للاطمئنان علي الولد فوجدت فراشه خاويا وباردا ! كيف فراشه بارد وهو كان نائما فيه منذ قليل ؟! هرعت المرأتان تصرخان علي الحرس الليلي فصحت بقية الأخوات وأتين ليستفهمن عما يحدث .. ظهر الخوف علي وجه " دريدا " و " دولوريس " و" ديزموندا " بينما اعتصمت التوأم الرابعة بصمت مريب ! خرج الرجال للبحث عن الصبي فشاهدن المرأة المغطاة الوجه تحوم في الحديقة بالفعل لكنها اختفت تماما وبغتة بمجرد ظهور حرارة البشر الأحياء في المكان ! ثبت الحق الآن وأتضح أن الأخت المدعية ليست كاذبة .. لكن من تراها تكون المرأة الغامضة وماذا تريد من القصر وساكنيه ولما تحوم هنا ؟! البحث عن الصبي الآن أكثر أهمية من التفكير في إجابات أسئلة لا قيمة لها .. لكن سرعان ما وجدوا الولد نائما بالقرب من الإسطبل ! كان فاقدا الوعي في الحقيقة ، لكنه بدا نائما متكورا علي نفسه من البرد الشديد .. حملوه داخلا ولفوه بالأغطية الدافئة .. أفاقوه ثم أعطوه شرابا ساخنا ثم سألته الوصية عليه عما حدث .. قال الولد كلاما لا يصدقه عاقل ! أدعي أن خالته " إليزابيث " جاءت إليه وأخذته من فراشه ! خالته " إليزابيث " .. التي ماتت منذ أسابيع ؟! نظرته أخته الكبرى بتفهم ثم أمرت " زوي " بحمله إلي فراشه .. كان الأمر محسوما بالنسبة إلي المرأة العاقلة الحكيمة .. فالولد يهذي ويتخيل بسبب مرارة فقد أمه وخالته تباعا في بضعة أيام ! أنتهي الأمر بالنسبة لها وحسم عقلها كل الأمور ! لكن ما القول عندما أختفي الولد ثانية من فراشه في الليلة التالية برغم أن الوصيفة لم تنم خارج بابه تلك المرة .. بل كانت تنام في فراش ملاصق لسريره ؟! كيف حدث ذلك ؟! تحيرت " دوروثيا " وبدأت تشعر بالسوء .. ثمة سر خفي يحدث هنا وشيء فوق طبيعي .. إذن .. فهذا وقت طلب المساعدة من الكاهن ! ... حضر الكاهن العجوز وحصن الصبي بدعوات وصلوات حافظة وحمي البيت والمزرعة ببركة الكنيسة وفرض عليها حماية الإله القوي الذي لا ينام ولا يغفل عن شيء .. ثم قدم نصيحة طيبة حينما روت له سيدة المقاطعة كل شيء .. إنه ينصح بدفن الأختين معا تحت بناء مصمت تتلي عليه الصلوات ويحاط بدروع الحماية الكنسية لئلا تهيم أرواحهن بعيدا وتقلق سلام الأحياء ثانية ! كانت " لوتشيا " قد دفنت في مقبرة صغيرة بعيدا عن مقابر آل " دوريا " ومن السهل العثور علي جسدها واستخراجه لتنفيذ نصيحة الكاهن .. لكن ماذا عن " إليزابيث " ؟! أين دفنت الأخت الثانية ومن الذي تولي عملية دفنها ؟! لم تكن لدي الدوريات أي معلومات بذلك الشأن .. لكن وصية الكاهن تأمر بالجمع بين الأختين في قبر واحد لتستقر أرواحهما برغم أنه لا أحد يعرف ل" إليزابيث " ، التي ماتت خارج حمي الأسرة ودفنت بعيدا ، عنوان أو موضع مقبرة ! كان هذا لغزا غامضا في حد ذاته .. ففعلا إذا كانت خالة " تيموثي " بلا زوج ولا أبناء ولا أهل ولا عائلة لها سوي أختها ، التي سبقتها إلي القبر ، فمن الذي تولي عملية دفنها إذن وأيضا أستقر جسدها في راحته النهائية ؟! فكرت النسوة كثيرا ثم جاءت الفكرة الخاطفة ، كلمحة نور تبدد الظلام فجأة ، إلي رأس " دريدا " .. لابد أن الصبي يعرف ! إنه لم يشهد موت خالته ولا دفنها .. لكن لابد أنه يعرف أين دفنت ومن الذي قام بمواراتها التراب ! إذن فلابد من استجواب الفتي .. لكن هل سيفصح الولد عن سره وسر خالته لأخواته المخيفات ؟! سيشهد أسوأ لحظات حياته إن لم يفعل .. أو أن حاول أن يراوغ ويزوغ من الإجابة ! الحلقة قبل الأخيرة مساء الاثنين القادم بإذن الله