خرج الرجل العربي من الصحراء العربية، وهي شبه الجزيرة العربية عبر الفتوحات الإسلامية المعروفة زمن الخلفاء الراشدين، وأهل الصحراء، معروف عنهم بالقسوة والجلفة، لصعوبة حياتهم المعيشية، وشدة حرارة الشمس، وقلة المياه، وصعوبة الحصول عليها، وانتشروا في بلاد الشام وفلسطين والعراق وشماله، ووصلوا الى مصر والمغرب العربي، والى الهندوالصين وجنوب شرق آسيا. طبيعة العربي وبيئته، حتَّمتْ عليه صفة العنف والغزو والاستيلاء على مراده بالقوة، ورجل الصحراء هو الشخص الآمر الناهي، وبقيتْ صفاته هذه إلى يومنا هذا نسبياً، ونشرها معه في حروبه وفتوحاته التي قام بها من اجل نشر الدين الإسلامي في أنحاء مختلفة من المعمورة، والتي أوصلته الى كافة بقاعها، كما هو معروف، من شرق الصين، الى أواسط أوروبة، عبر ما يعرف بالفتوحات الإسلامية. المرأة العربية تربت على أيدي الرجل العربي، يؤمرها فتطيع، يطلبها فتحضر له فوراً دون تأخير، إذا تكلم سكتتْ، وكلها آذانا صاغية، لا يجوز لها أن تأكل قبله، بل بعده، وإذا أكلتْ معه، وشبع هو، شبعتْ معه، ولا يجوز لها أن تشرب قبله، بل بعده، إذا ضحكتْ، أتهمها بأنها تضحك عليه، وإذا تألمتْ، وصفها بأنها (مغنوجة)، فهي المفروض، أنها لا تمرض.....الخ من المواصفات والصفات، وبهذه الطريقة، صُقلتْ نفسية المرأة العربية، على الخنوع والخضوع والقبول، وعدم الرفض والاستسلام، أمام الرجل وطلباته، منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، عندما قامت أول الهجرات العربية من الصحراء العربية في أزمنة العرب البائدة. كان العرب في عصر الجاهلية، وقبل وصوا الإسلام في الصحراء، يعيشون حياتهم على أساس القوة، فالقوي يأكل الضعيف، والأخ ينصر أخاه ظالماً أو مظلوماً، وأمور وأعمال النهب والسلب معروفة لهم جميعاً، وتمارس بينهم باستمرار كعرف سائد، وعادات وتقاليد تعيشها قبلائهم، والمرأة كانت تعتبر لديهم إنسان ضعيف، لا يجوز الاعتداء عليها او مسها بسوء أو إيذائها، فهذا يعتبر، من المحرمات بين القبائل، وهو عرف متعارف عليه بينهم، وصعب كسره، ، أما في داخل القبيلة، فكلمتها غير مسموعة، إلا ما ندر، إلا إذا كانت لها عزوة او لها شهرة خاصة بها، وغير ذلك، فهي تباع وتشترى، وتقدم بدل عوض، في حوادث القتل (فصلية) التي تحدث في الصحراء. زواجها في العصر الجاهلي متعدد الأنواع، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك عدة أنواع من الزيجات، حرمها الإسلام فيما بعد مثل: 1- نكاح الاستبضاع: هو نكاح مؤقت، كان الزوج يدفع زوجته إليه، ويحدد مسبقاً ماهية الرجل الذي ستتصل به زوجته جنسياً، بعد انقطاع دورتها الشهرية مباشرة، وغالباً ما يكون هذا الرجل شاعراً او فارساً، رغبة منه في إنجاب طفل له من زوجته بمواصفات معينة كان يرغبها. كان الزوج يقول لامرأته:"اذهبي الى الفارس فلان فاستبضعي منه" أي جامعيه، ويعتزلها زوجها، فلا يمسها إلا بعد أن يتأكد حمل زوجته من ذلك الفارس، ويتم التفاهم بين اللزوجة وبين الرجل الفارس مباشرة، او من خلال تفاهمه مع زوجته إذا كان متزوجا. 2- نكاح المخادنة: كانت المرأة قبل الإسلام، تمتلك حق الصداقة مع رجل آخر، غير زوجها، يكون لها بمثابة العشيق، ولا يملك الزوج حق منعها عنه، واغلب الظن، أن هذا العرف استمر حتى بعد الإسلام، وإن بشكل سري، رغم النهي القرآني الصريح عنه، وهذا النكاح، لا تتم فيه مجامعة جنسية، وكل شيء فيه مباح "كالغمزة والقبلة والضم، بحيث يكون للعشيق نصفها الأعلى، يصنع فيه ما يشاء، ولبعلها من سرتها الى أخمص قدميها، وهذا حسب اتفاق يتم بين العشيقين المتحابين. 3- نكاح البدل: فيه يتم تبادل الزوجات، بشكل مؤقت، بين الزوجين، وبإرادتهما، لغرض المتعة ولتغيير روتين الحياة الممل فقط، وإذا كانت إحدى الزوجتين أجمل من الأخرى، يمكن دفع تعويض بدلاً من ذلك، مبلغاً معيناً من المال، يتفق عليه بين الزوجين. 4- نكاح المضامدة أن تتخذ المرأة زوجاً إضافياً، زيادة على زوجها، لأسباب اغلبها اقتصادية، " كأن تصادق المرأة اثنين او ثلاثة من الرجال، في حالات الفقر ووجود القحط. 5- نكاح الرهط: من أنماط تعدد الأزواج، الذي مارسته المرأة قبل الإسلام، حيث يجتمع ما دون العشرة من الرجال، فيدخلون على المرأة كلهم، فإذا حملت ووضعتْ، أرسلت إليهم، وادعت بان فلاناً منهم، هو والد ذلك الطفل، فتمنحه إياه. 6- نكاح السر اقتران سري يعقده احد من الأشراف عادة، مع من هي دونه في المنزلة الطبقية، او الاجتماعية، "فإذا حملت منه، أظهر ذلك علنا وألحقها به". 7- نكاح الشغار هو استنكاح تبادلي، كانت تلجأ إليه العرب في الجاهلية، بأن تتزاوج من خلال تبادل امرأتين من بنات الرجلين العازمين على الزواج او أختيهما، على أن تكون المرأة المعطاة، بمثابة المهر المقدم للمرأة التي سيتزوج منها..ولفظة الشغار جاءت من الشغر أي الرفع..فقد ظل تأويل الصداق مثار اجتهادات مختلفة من الفقهاء، إضافة إلى تأويل النهي ذاته، وفيما كان يقتضي إبطال النكاح أم لا؟ 8- نكاح المساهاة: وهو نكاح ملحق بنكاح الشغار، تفرد بذكره أبو حيان التوحيدي في (الإمتاع والمؤانسة) بأن للعرب نكاحاً يسمى:المساهاة، بمعنى المسامحة، وترك الاستقصاء في المعاشرة، وهو أن يفك الرجل اسر الشخص، ويجعل فك ذلك الأسير، صداقاً لأخت صاحب الأسر، او ابنته او قريبته منه، فيتزوج المعتق من غير صداق. 9- نكاح الضيزن (المقت) :هو وراثة النكاح، الذي ينص في وراثة المرأة..زوجة الأب..او الابن..بعد موت بعلها..لتصير ضمن نساء الموروث..والعرب تقول أنها عادة فارسية، نص القرآن بوضوح، لا لبس فيه على تحريمها:"ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، إلا ما قد سلف، انه كان فاحشة، ومقتاً وساء سبيلا". هذه بعض أنواع النكاح في الجاهلية، وعندما جاء الإسلام، حرمها جميعها، وعلى الرغم من ذلك، فقد يحدث ما يشبه بعض هذه الحالات من النكاح، في العصر الحاضر. نتيجة لتطور الحياة وتقدمها وانتشار الثقافة بين الشعوب، بدون حسيب او رقيب، ونتيجة للتقدم التكنولوجي الهائل، وظهور الانترنت، وسرعة انتقال المعلومات بسرعة البرق، وانتقال الأفراد وعاداتهم وتقاليدهم بين الدول، بسرعة كبيرة ايضاً، وظهور العولمة في كافة أنحاء المعمورة، وعدم فرض قيود على حركة الأفراد والسلع والخدمات، ظهرت المرأة بكافة صورها، وإبداعاتها وثقافاتها، وأثبتتْ وجودها في ساحات العمل، وفي معظم الساحات، خاصة الساحات العربية والإسلامية، في الوقت الذي كان خروج المرأة العربية من بيتها -حتى لو كانت محجبة-شيء مستهجن جداً، ويسوده نوع من الشكوك، حتى ولو كانت بحاجة ماسة للخروج لقضاء حاجة ملحة، أما وقد تغير الحال، لما ذكرته سابقاً من أسباب، فقد غزتْ المرأة كافة المواقع الاجتماعية، خاصة في المدن الكبيرة، وبشكل اقل في القرى، ودخلت في الأسواق والجامعات والمدارس، والمجمعات التجارية، والصحية، والمتنزهات، وأثبتت كفاءتها وقدرتها على المواجهة، والدفاع عن شخصيتها، وثقافتها، وحقوقها، وحريتها الشخصية، ولم يعد في خروجها مشكلة ما، وأصبحتْ تلبس وتختار من الملابس، ما هي مقتنعة فيه، وما تراه مناسباً لها، معتبرة إياه ضمن الحرية الفردية للإنسان، كل هذا، كان يتم بدون إرادة الرجل وموافقته بشكل عام، سواء كان الرجل هو الأب او الأخ أو الولد، فلم تعد المرأة لعبة، او عجينة بيد الرجل، يلعب بها ويشكلها كما يشاء. وعي المرأة بحقوقها وواجباتها، وتطلعها إلى نساء العالم ودفاعها عن نفسها أمام الرجل، والذي تربى على أن تكون المرأة له لعبة، وعجينة يلعب بها ويشكلها كما يشاء، دفع بالرجل الى صراع مع المرأة، وكأنه يريد أن يرجعها الى بيت الطاعة مجازاً، هذا البيت او القمقم، الذي تربَّتْ وتطَّوعتْ فيه المرأة، وكانت حبيسة فيه لآلاف السنين، تحت حكم الرجل، مهما كانت صلة القرابة به. أليس الرجل من سن القوانين في المجتمع باسم الدين؟؟ أليس الرجل من اخضع المرأة لمشيئته، وفرض عليها قوانينه وخروجها ودخولها إلى المنزل، الذي تعيش فيه. ما لم يستطع الرجل فرضه بقوة قوانينه، ومحرماته، ومحظوراته، وممنوعاته، أراد تحقيقه بقوته الجسدية، مستغلاً ضعف المرأة الجسدي، ومن هنا، كان يلجأ الى ضربها وتعذيبها وتعنيفها، إن هي عصتْ أوامره ونظمه وقوانينه، التي فرضها عليها، مستغلاً سلاح الدين، بشكل تلقائي ودائم، وبأن النساء ناقصات عقل ودين، وأن الرجال قوامون على النساء، وان المرأة خلقتْ من ضلع آدم الأعوج، وان المرأة أيضاً (حواء) هي التي أخرجت آدم من الجنة، وعليه، فان المرأة، يجب أن لا تطاع، وعلى طريقة شاوروهم وخالفوهم، من هنا أيضاً أصبح لدى الرجل بمناسبة وبغير مناسبة، إذا استطاع أن يضرب المرأة، ويعذبها، ويفترسها، ويلتهمها قطعة قطعة، ويضع لها المصائد والمكائد، إذا ما حاولت أن تلعب بذيلها، ولو قليلاً، أو إذا حاولت الخروج عن طاعته وأوامره. لنسمع ما أوصت فيه الخنساء ابنتها قبيل زواجها، وماذا قالت لها: أي بنية! إنك فارقت الحواء، الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه إياك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة، يكن لك عبداً وشيكاً، أي بنية! احفظي له عشر خصال، يكن لك ذخراً وذكراً. فأما الأولى والثانية:الصحبة له بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، وأما الثالثة والرابعة: التعهد لموقع عينيه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب الريح. أما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه. فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة. أما السابعة والثامنة: فالاحتفاظ بماله، والإرغاء على حشمه وعياله، لأن الاحتفاظ بالمال، من حسن الخلال، ومراعاة الحشم والعيال، من الإعظام والإجلال. أما التاسعة والعاشرة: فلا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً، فإنك إن أفشيت سره، لم تؤمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره، ثم اتقي-مع ذلك-الفرح بين يديه، إذا كان ترحاً، والاكتئاب عنده، إن كان فرحاً، فإن الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التذكير، كوني أشد ما تكونين له إعظاماً، يكن أشد ما يكون لك إكراماً. كوني أكثر ما تكونين له موافقة، يكن أطول ما يكون لك مرافقة، واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين، حتى تؤثري رضاه، على رضاك، وهواه على هواك، فيما أحببت وكرهت. كل تلك التوصيات، لم تخرج عن أن تكون الزوجة، خاضعة لزوجها الرجل بالكامل، وتعمل كامل جهدها على إرضائه وتلبية احتياجاته، مهما كبرت او صغرت، ومهما كانت صحيحة او خاطئة، لماذا لم نسمع عن توصيات الأم أو الأب لابنهما عند زواجه؟؟؟؟؟ للاهتمام بزوجته وإطاعتها، وتدليلها واحترامها، وتقديرها ومعالجتها، وترفيهها والابتعاد عنها إذا ما كانت مريضة، او معذورة وخلافه، حتى المرأة نفسها، طُوعتْ من قبل الرجل، كي تكون أداة لتطويع المرأة، لمصلحة الرجل أيضاً، وهكذا صُقلت المرأة عبر مئات السنين من قبل الرجل والمرأة نفسها، لتكون عجينة بيد الرجل، يصنع بها ما يشاء، دون أن ينبس ببنة شفة. وعندما استفاقت المرأة، على قيودها وخنوعها غير المبرر، وأرادت أن تتخلص منها، وأن تكسر هذه القيود والأغلال، وتخرج من القمقم الذي اسكنها فيه الرجل، لجأ الرجل الى كل وسيلة ممكنة، سواء الوسائل القانونية التي سنها هو أصلاً، كي يفرض نفسه على المرأة، شاءت أم أبت، فإذا لم تنجح الوسائل القانونية والاجتماعية، (وغالبا لا تنفع مع النساء الواعيات لحقوقهن والمثقفات) لجأ الرجل الى العنف، والتعذيب والقتل، كي يخضع المرأة بكل صور الإخضاع التي أمامه والممكنة، بدون رقيب او حسيب، وهكذا جاء العنف ضد المرأة، وهو صراع بين الذكورة والأنوثة، منذ الأزل، والبادي أظلم.