كان السراب يراوغ ، والأبل عافت الحداء ، والحادى جف ريقه ، وأهتزت خطوات الرجال ، وزادت الشمس قسوتها ، ودوامات الرمل قصرت الرؤية حاول كثيرا أن يشد عزم القافلة ، فكانت الأقدام ما أن تستقيم حتى تتراخى ، ولما شعر أن الموت يطل برأسه متهللا ، اناخ بعيره وذبحه ، أرتوا بالدم ، وفردوا طولهم باللحم وأكملوا المسيرة كانوا يأملون أن تجتر الأبل ، إلى أن تعطف الأرض عليهم ببئر به بقايا من ماء ، بعد أن أمسكت السماء ، لكن خاب ظنهم ، و ظل الموت يقفز بين البشر والدواب ، وتركهم وليمة للطير ، وحين بقى وحيدا ، ظل يصرخ فى فراغ الصحارى ولا مجيب تهاوى على الأرض ، هش طيور سود كانت تنعق مهللة وترقص على الجثث ، نادى على احبائه ، هرولوا إليه بالماء والزاد ، احاطوا روحه بالونس ، دفعوا الموت المتثاقل بعيدا ، ارتعش شريان الحياة بكسل ، تسرب بصيص من ضوء تحت ثقل جفنيه سمع خطوات تعدو ، وصوت رفيع ، يبشر - يأس الموت ، يأس الموت استند على راحتيه ، وجلس ، امتدت غيطان خضر ، تعانق فى دلال نهر السماء زحف على مقعدته ، ونهل من نيلها ، واغمض عينيه ونام طويلا على الشاطىء مد يده قطف من نبات الأرض ما سد نهمه ، حتى استقام عوده فى المساء ، نظر للسماء ، وقال : حين امسكت علينا ، ، مشينا فى مناكبها ، والموت يسبق خطانا ، فأى طير حملنى إليكم ابتسم سيد الدار ، تلقفناك من الموت ، فلك الأختيار ، أن تظل أو ترحل إلى حيث وجهتك قال " ارعى الغنم ، وبالسيف ارهب الديابة ... رد بحزم : بالألفة نتقى شر الكواسر والإنسان منذ تلك الليلة ، تعالى صوت الديب بلا إنقطاع ، ولبد الخوف على نواصى البشر وشواشى الشجر