الدولار ب49.37 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 17-7-2025    أول تعليق من والد أحمد شريف على انتقال نجله للزمالك    حدادًا على ميمي عبد الرازق.. المصري يُعلن الحداد ووقف أنشطته ل3 أيام    مصرع شخصين اختناقًا داخل حفرة أثناء التنقيب عن الآثار في الغربية    بقوة 7.3 درجة.. زلزال يضرب ألاسكا الأمريكية وتحذيرات من تسونامي    الدفاع السورية: ما حدث اليوم من إسرائيل جاء مغايرًا لتوقعاتنا    اليوم.. مجلس الأمن يجتمع لبحث الضربات الإسرائيلية على سوريا    ترامب: نقترب من اتفاق بشأن التعريفات الجمركية مع الهند    البابا تواضروس يهنئ الناجحين في الشهادة الإعدادية    الحكومة: مقترح شامل لتأسيس كيان موحد لمنظومة التعليم الأهلي في مصر    محمد يوسف يكشف تفاصيل مفاوضات الأهلي لتمديد عقد إمام عاشور    بقرار ريبيرو.. الأهلي يغلق بابه أمام عودة حمدي فتحي    فرج عامر ناعيا ميمي عبد الرازق: رحل رفيق الدرب    الأهلي يكشف تفاصيل عقوبة تريزيجيه في مونديال الأندية 2025    ليبيا تتسلم رئاسة مجلس وزراء البيئة الأفارقة للعامين المقبلين    محافظ القليوبية ومدير الأمن يتابعان أعمال السيطرة على حريق في القلج بالخانكة    متحدث التعليم: وضعنا استراتيجية لتغيير الصورة النمطية السلبية عن التعليم الفني    ضبط المتهمين بالتشاجر وإصابة 4 أشخاص بمدينة 6 أكتوبر    بسنت شوقي تكشف حقيقة حملها بعد ظهورها بكليب حسين الجسمي    أول تعليق من ريهام عبدالغفور قبل عرض مسلسل "كتالوج"    حدث بالفن | وفاة مطرب وتعرض نجل مخرج لحادث وسوزي الأردنية تدخل التمثيل    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة    لو لقيت حاجة فى الشارع.. أمين الفتوى يوضح التصرف الصحيح شرعًا (فيديو)    أمين الفتوى يحسم حكم فوائد البنوك.. حلال أم حرام؟    ما حكم "تجميد البويضات"؟.. مفتي الجمهورية يجيب    5 فوائد مذهلة لتناول الشوكولاتة.. تعرف عليها    أدوات النجاة للموازنة بين الضغط النفسي والصحة النفسية.. ندوة في مكتبة الإسكندرية    ليفربول يبدأ أولى خطواته لضم إيزاك من معسكر نيوكاسل    لاند روفر تستدعي أكثر من 20 ألف سيارة Evoque    السيطرة على حريق محل فى التجمع دون إصابات    الآن.. سجل بياناتك للحصول على نتيجة الثانوية العامة 2025    ظلام تام في عز الضهر.. تفاصيل أطول كسوف كلي للشمس تشهده 10 دول عربية    عودة الأمطار وموجة حارة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحيطة والحذر»    احجز الآن بإعلان "سكن لكل المصريين 7".. وهذه الشروط والمواعيد والمدن PDF    متى يصدر قانون الإيجار القديم.. 1 أغسطس آخر موعد وفقا للمادة 123 من الدستور    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الخميس 17 يوليو في الصاغة (تفاصيل)    رشوان توفيق: الفن له تأثير خطير.. و"الليل وآخره" يحمل رسائل دينية    حب وتفاهم مستمران.. هذه الأبراج لديها أنجح العلاقات    لغز يكشف الحلم الذي تخفيه في قلبك.. ماذا ترى أولاً؟    مفكر سياسى: الولايات المتحدة ما زالت الأقوى رغم تعدد الأقطاب الدولية    كواليس فيديو منتشر علي السوشيال ميديا لصرخة أم تحاول إنقاذ ابنها    بشرى للموظفين.. جدول صرف مرتبات شهر يوليو 2025 بعد قرار المالية (تبكير موعد وزيادة جديدة)    الخارجية الإيرانية تدين الهجمات الإسرائيلية على سوريا    ميكالي: حلمي لم يكتمل مع منتخب الشباب.. وأتمنى العودة للتدريب في مصر    رياضة ½ الليل| تمرد في الأهلي.. ديانح يشعل أزمة.. جهاد في الزمالك.. ورفض طلب ليفربول    الكويت تستنكر العدوان الإسرائيلي المتواصل على الأراضي السورية    الأونروا: الأطفال في غزة يموتون أمام أعيننا ولا نملك الوسائل لعلاجهم    عميد القلب السابق يكشف المعدن السحري لصحة الإنسان (فيديو)    مستشفيان بالفيوم يحصدان المركز الأول في جراحات الأورام والقلب المفتوح على مستوى الجمهورية    ما هي أهداف الاستراتيجية الوطنية للغذاء والنغذية 2023-2030؟.. الصحة تجيب    كيف نواجة الضغوطات الحياتية؟.. أمين الفتوى يجيب    غلق باب الطعون في انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء.. وإعلان النتيجة 20 يوليو    شيخ الأزهر يستقبل سفراء مصر الجدد ب 22 دولة قبل بداية مهام عملهم    السد العالي جاهز لاستقبال الفيضان.. خبير يكشف سيناريوهات جديدة بشأن سد النهضة    «الأوقاف» تُنظم ندوات ب 1544 مسجدًا بالتعاون مع الأزهر الشريف    رئيس جامعة أسيوط: المدن الجامعية تمثل عنصرًا أساسيًا في منظومة التعليم الجامعي    «رواد تحيا مصر» تواصل التوعية بمخاطر المخلفات الإلكترونية بمركز شباب دمياط    «علاج طبيعي القاهرة» تطلق غدًا مؤتمرها الدولي حول جودة الحياة والذكاء الاصطناعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منافى الرب....معضلة حجيزى؟ أم قدر الوعرة؟
نشر في شموس يوم 07 - 10 - 2014


p style=\"text-align: justify;\"بقلم أحمد كفافى :
عند قراءتك لرواية ( منافى الرب) للأديب أشرف الخمايسى تجد نفسك واقعا فى براثن شبكة من الانطباعات، فتحاول أن تحلها لتقع فى طلاسم شبكة جديدة، فتكتشف فى النهاية أن بيت التيه الذى تدور فيه الأحداث ما هو إلا إنعكاسا للعفوية التى كُتبت بها الرواية، والتى أعتقد أنها من الأعمال القليلة التى تصور الحياة فى البادية بأسلوب فلسفى، فبينما أسهبت الأعمال التقليدية الآخرى فى وصف عادات البدو و تقاليدهم وغزو المدينة لصحراواتهم، تعنى( منافى الرب) بأطروحة الموت و الحياة فى قلب المجتمع الصحراوى، كيف يراه البدوى البسيط فى بيئة يعتبرها غالبية البشر بحق موطنا للجدب والهلاك؟ فحجيزى الذى أتم عامه المائة يسيطر عليه هاجس الموت، لكنه لا يرفضه و لا يخاف لقاءه، إنما لا يرغب أن يوارى جسده الثرى عندما يفارق الحياة. يجتهد الكهل فى البحث عن وسيلة لتحفظ جثمانه بين أهله و اصدقائه وأحبائه! فكيف يرتضى الإنسان أن يمتزج جسده بالتراب بعد حياة حافلة بالأعمال والإنجازات! يأتيه هاتف فى منامه ليخبره أنه لم يتبق له سوى ثلاثة أيام فى هذه الدنيا و عليه أن يقصد دير الراهب يوأنس قبل أن تنقضى الأيام الثلاثة. ولكن بعد أن يضع الراوى تلك البداية لينطلق حجيزى منها إلى المصير المجهول نمضى فى القراءة و كلما قطعنا شوطا فيها نتوقف لنتساءل هل تلك معضلة حجيزى فعلا؟ أم هو قدر المجتمع الذى يعيش فيه؟
القضيتان تتشابكان بقوة حتى أن محنة حجيزى تبرز و تختفى و أحيانا لا يصبح لها وجود فى خضم مواقف و مشاهد آخرى يواجه فيها الموت نفر من عشيرته من أهل واحة الوعرة فى زمن طرأت فيه بعض التغيرات على المجتمع الصحراوى فى مصر بعد أن غزته جيوش المستعمر التى راحت تنقب عن الثروات المدفونة تحت الرمال الصفراء. ورغم ذلك تظل قضية الموت الشغل الشاغل لمجتمع تعود الحركة و الترحال، فعندما التهمت النيران بيت غنيمة لتودى بحياة ابنه وزوجته لام خطيب المسجد أهل الوعرة، فمجتمعهم لم يعرف مخاطر الحريق إلا عندما بنى القرى و أستقر فيها أسوة بأهل وادى النيل، و لكن الموت فى حياة الصحراء حقيقة ذات وقع أقوى و اشرس مما قد يتصوره البعض، فالقحط وارد، ووحوش الصحراء تتربص بالإنسان، و الحيوان ووقوى الطبيعة تناصبهما العداء، وفى هذا البزوغ الساطع للفناء تتفجر فى المقابل قوى الإنسان الروحية و الصوفية و إحساسه المرهف بالقدرية كما لا تتفجر فى مكان آخر، فلا عجب إذن أن يقصدها الرهبان و النساك و الزهاد و المتصوفة، فعندما تنقطع السبل بحياة النماء و تجد نفسك فى خلاء المفازة و جدبها يرتفع بصرك إلى السماء لتصبح أقرب إلى الله، و لعل تجربة أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام هى خير مثال نسوقه لندلل به على ما فى الصحراوات من إلهام للمتعبد، إنها كما يقول الراهب يوأنس مخاطبا حجيزى: \"هذا هو الراهب برسوم...أتى إلى هذه الصحراء، منافى الرب...سكون الفيافى ووحشتها، ننفى إليها أنفسنا باسم الرب.\"
لكن إذا كانت الصحراوات مناف لهؤلاء الذين يبغون زهد الدنيا و التوحد مع الرب، فكيف هى بالنسبة لسكانها الأصليين الذين عاشوا فيها جيلا بعد جيلا ؟ يعبر الراوى عن هذا من خلال إيقاع عفوى يتواتر بين مشاهد متتالية تعبر عن الحياة و آخرى تزخر بمعانى الفاجعة و الحزن التى تلازم الموت، فغلبة شبح الموت فى حياة الصحراء تجعل سكانها فى شبه جهاد مستمر لدفع شرايين الحياة دفعا إلى حيز الوجود، فالوعرة كلها تفجع لموت زوجة غنيمة وابنه بعد أن التهمت النيران منزله، و هكذ كان حالها يوم أن فقد سعدانى ولده بعد سقوطه فى البئر، ثم تجئ هموم مختلفة على المستوى الشخصى مثلا عندما تهلك ناقة غنيمة فى رحلته الطويلة بعد أن التهمتها الضباع و سفر سعدون وزوجته إلى أسيوط للبحث عن علاج لعدم الإنجاب، ثم تلك المواقف التى تجمع بين حجيزى وزوجته سريرة فى محاولتهما لممارسة الحب بعد أن تمكن منهما الشيب، الشيب الذى هو الموت و الحب والتقاء الجسد بالجسد الذى يرمز إلى التواصل بأسباب الحياة، المواقف عديدة و متعاقبة لكن كان أبرزها بالفعل تلك التى تصرخ بالعرى والشهوة الصريحة و غلبة العاطفة على العقل، و جميعها، على عكس ما كتب النقاد، لها مبرراتها، فالحب وخصوصيات الخلوات الشرعية فى هذا المجتمع البدوى هى التى تعبر عن معانى الحياة فى مقابل الموت الذى تبعث بشبحه رمال الصحراء والتقاليد الصارمة التى تحكم العلاقة بين الجنسين فى قرى البادية، و قد بلغت هذه المواقف ذروتها فى ذلك المشهد الذى مارس فيه سعدون الحب مع زوجته زليخة وسط الصحراء فى طريق عودتهما من أسيوط بعد أن أخبرهما الطبيب أن فرصتهما فى الإنجاب تكاد تكون منعدمة. هذا المشهد و غيره يصرخ بالفجور ولكن تلك ربما ثقافة البدوى فى خصوصية تتعلق بممارسة الحب الذى هو فى الأساس نوع من الجهاد يهدف لحفظ النوع من الإندثار فى هذه المنافى القاحلة. إنه جهاد حدا بالكاتب أن يتبنى الغدو و الرواح فى محيط زمنى طويل ممتد بين الماضى و الحاضر و الماضى السحيق ليقتنص منها تلك اللحظات التى تومض بمعانى الموت والحياة على السواء.
لكننا نعود لنطرح نفس التساؤل: هل ضاعت معضلة حجيزى وسط هذا السرد المكثف لمحنة واحة الوعرة؟ حجيزى شخصية لها خصوصياتها أيضا، فهو متقد الذهن سليم الجسم رغم بلوغه المائة، ميله للروحانيات يفوق ولعه باشباع رغبات الجسد، لم يتزوج إلا بعد أن بلغ الخمسين، لم يقترب من زوجته طوال عشر سنوات، ظل يعيش بهاجس الخلود بعد أن شاهد أباه يقوم بتحنيط الموتى فترسخت فى عقله فكرة الخلود بعد الموت، لكن فى الربع الأخير من الرواية و الذى كُرس لترحال حجيزى للدير نرى أن البعد الفلسفى لفكر المسن يتداعى فهو فى النهاية يكتشف أنه لم يصب الهدف لأن الوسيلة لم تكن إلا وهما جاء نتيجة سوء فهم بسيط ، فلقد أعتقد حجيزى أن المسيحيين يقومون من قبورهم بعد الموت أسوة بالمسيح و لكنه لم يستوعب أن هذا القيام روحى لا مادى وعندما استوعب الفكرة كان الوقت قد فات، كما أننا نشعر بنبرة ندم فى كلمات الراهب يوأنس قرب نهاية الرواية: فماذا كان ليحدث لو خضع لغواية ابنه نظير و تزوجها؟ لعله كان ينعم الآن بظل أسرة بعيدا عن هذه المنافى القاحلة، فهل تلك المنافى فكرة عبثية؟ لكن حتى محنة الرهبان كانت نوعا من الاسهاب بَعُد به الراوى عن تكثيف معضلة حجيزى، غير أنه لو أودعنا( منافى الرب) جانبا نجد أن عدم اقتناع الكهل بفكرة البعث و الخلود فى فكر يوأنس يعكس صعوبة استيعاب البدوى للعقيدة المسيحية على مر العصور، فلقد حاول كثير من الرهبان تنصير البدو حتى قبل ظهور الإسلام بقرون عديدة و لكنهم لم يفلحوا فى ذلك، ففكرة المطلق التى تفرضها الصحارى على سكان البادية تجعل فكرة العقيدة المسيحية بخصوصيتها عاصية على العقلية البدوية، وربما كان ذلك أحد أسباب خمود حماس حجيزى لها، لكن ربما لم يتطرق الكاتب إليه حتى لا تتحول الرواية إلى نوع من البحث الايديولوجى.
فى النهاية تبقى ( منافى الرب) واحدة من الروايات المتفردة بفكرها والفريدة فى تناولها لقضية قريبة بعيدة، فالصحارى فى أدبنا مسرح للمغامرة والحروب و الهلاك والنفى السياسى، لكنها ليست فى أى عمل معاصر تلك الملهمة لأفكار فلسفية عميقة تضطرم فى عقول البسطاء الذين استقروا بها طواعية أوغير ذلك، هذا على الرغم من أن الأنبياء قصدوها بحثا عن الله فربطوها بفكرة الوحى فغاب على طول المدى عنها ذلك المنظور الفلسفى الذى طرقت أبوابه الرواية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.