p style=\"text-align: justify;\"بقلم رجب الطيب : وحدها كلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان , أثارت حفيظة ورد فعل بعض الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة , خاصة مصر , وهي أكبر دولة عربية ,تسعى _ وقد ظهر ذلك جليا في كلمة رئيسها عبد الفتاح السيسي في الجمعية ذاتها _ إلى عضوية مجلس الأمن الدولي , التي تصاعد الحديث حولها منذ وقت , لدرجة أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما , قال في كلمته , انه لا يمكن أن يستمر حكم العالم وفق قوانين القرن الماضي , مثلها مثل دول مركزية أخرى على مستوى العالم , منها ألمانيا , اليابان , والبرازيل . وحده ذهب الرئيس التركي بعيدا , وأتجه صوب مفترق دبلوماسي غير مفهوم وغير مبرر , ذكّر بما كان يقوم به رئيس إيران السابق , محمود احمدي نجاد , حين كان يطلق الألعاب النارية , التي تثير حفيظة الرأي العام الدولي , وليس فقط إسرائيل , وقد فعل أردوغان أمرا مشابها هذه المرة , وكأنه يرغب في صرف اهتمام العالم عن جملة من القضايا , التي تحوز على مركز الاهتمام , منها بالطبع , موضوع الإرهاب , الخاص بداعش , ثم الملف الفلسطيني / الإسرائيلي , إضافة إلى ملفات العراق واليمن وسوريا بالطبع . يبدو أن أردوغان , قد أثارت حفيظته أو حتى غيرته قوة الكلمة التي ألقاها الرئيس المصري , كذلك يبدو أن عودة مصر كدولة مركزية ومحورية في المنطقة , خاصة حين تكون على رأس العالم الإسلامي السني , ضمن محور دول الاعتدال العربي , مع السعودية , لا تثير في نفس أردوغان الارتياح , لأنها تبعد عن عينيه وهم تحقق الحلم العثماني الجديد , والذي بدأ يراوده بقوة , خاصة بعد انتخابه رئيسا لتركيا بصلاحيات واسعة , كونه انتخب من الشعب مباشرة . لقد كان من شأن خطاب أردوغان النشاز في الجمعية العمومية , أن يبقي على أبواب القاهرة مغلقة في وجه تركيا , وقد سارعت القاهرة فورا إلى إلغاء لقاء كان معدا بين وزيري خارجية البلدين , كما أن من شأن ذلك أن يبقي على حالة الضعف , خاصة في الحالة العربية / الإسلامية , ليس في مواجهة إسرائيل وحسب , ولكن أيضا في مواجهة القوس الشيعي , حيث من الواضح أن التحالف السني في سوريا والذي تقف وراءه السعودية , قطر , تركيا وحتى الأردن لا يحقق الكثير , في مواجهة النظام السوري المدعوم من القوس الشيعي في المنطقة , وأكثر من ذلك , تفشت ظاهرة التطرف والإرهاب في مناطق ذلك المحور , بسبب الخلافات القائمة بين أطرافه , تركيا / مصر من جهة , السعودية / قطر من جهة أخرى . وليس أدل على ذلك من التراجع الذي حققه ذلك المحور في اليمن خلال الأيام الأخيرة الماضية , حيث استطاع حلفاء المحور الشيعي ( إيران , سوريا , وحزب الله ) وعبر الحوثيين أن يسيطروا على العاصمة صنعاء , وان يحطموا قوة حزب الإصلاح الأخواني وليس الحكومة وحسب , في حين لم يحقق الخصم وعبر ثلاث سنوات أمرا مشابها في دمشق , ولا مثل هذا الأمر في بغداد , رغم الصعقة التي حققتها داعش والعشائر السنية , عبر سيطرتها على المحافظات السنية خلال أيام قبل نحو شهرين . ورغم أن أردوغان لم يطرح لا هو ولا حزبه , في دعاياتهما الانتخابية , شعار \" الخلافة هي الحل \" كما تفعل كثير من القوى والجماعات والأحزاب الإسلامية في الدول العربية , والمقصود طبعا , إن لم يكن قادة ومرشدي تلك الجماعات , فالمقصود هو الخلافة العثمانية , والتي هي آخر خلافة أسلامية ظهرت عبر التاريخ , خاصة وان جماعة أسلامية رئيسية , هي جماعة الأخوان المسلمين تأسست أصلا من اجل أعادة تلك الخلافة إلى الحكم بعد نحو عشر سنوات من إسقاطها خلال الحرب العالمية الأولى . بل إن أردوغان نفسه , كان قد أثار حفيظة إخوان مصر , الذين ما زال يصر بالدفاع عنهم , حين زار مصر قبل وصولهم للحكم , لأنه كان قد قال بأن الحكم في تركيا فقط هو الإسلامي فيما الدولة علمانية . لكنه فيما يبدو يتبع سياسة داخلية ترضي عسكر تركيا والشعب التركي بالحديث عن أسلام معتدل وعدم الخوض لا في أسلمة الدولة ولا حتى بطرح الخلافة العثمانية مجددا , لكنه وإزاء \" الكرم \" العربي / الإسلامي , الذي تقدمه له بعض الجماعات السياسية , خاصة الأخوان المسلمين , والذي بموقفهم هذا العابر للقوميات , والمستعد لمنحه مفاتيح المنطقة العربية , وإعادة الإمبراطورية العثمانية , وجد فرصته للتثبت في الحكم أولا , وثانيا في تحقيق مكانة إقليمية غابت عن شمس تركيا عدة عقود , والتي لم تكن تربطها أية علاقات جيدة بدول المنطقة باستثناء إسرائيل ! وربما أصلا لهذا السبب , أي أن وجود أردوغان وحزبه في الحكم , يحقق لتركيا مكاسب سياسية واقتصادية هائلة في منطقة الجوار الغني بالنفط والغاز , والقوة الشرائية , ما يضمن لتركيا الاستمرار في تحقيق نموها الاقتصادي , ما ضمن لأردوغان الفوز بالرئاسة , وما يضمن لحزبه البقاء في الحكم , رغم انه اقفل أبواب الاتحاد الأوروبي في وجه تركيا , ورغم ما يبشر به من مخاطر إقامة نظام شمولي , وقطع الطريق على الديمقراطية التركية , خاصة بعد التعديل في نظام الحكم الذي قاده أردوغان , وانتقل به بتركيا من دولة برلمانية إلى دولة رئاسية , بانتخابه من قبل الشعب مباشرة , ومنح الرئيس التركي صلاحيات تخوله لأن يكون رئيسا / حاكما فعليا , بعد أن ظل رئيسا شرفيا طوال عقود مضت . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.