الشاعرة فاطمة نزال: كل صباح، يقف عصفور دوري على شرفة نافذتي الصغيرة ، ينقر البلور ينبهني لوجوده ، أفتح الشرفة أمد يدي بالحَب ، لا يجفل بل يتقافز بخفة يتراقص على موسيقى روحي الني هامت به ، يتناول الحَب ويطير مرفرفا بجناحيه الصغيرتين ، مزقزقا يملأ الحديقة ضجيجا محببا. وذات مساء، ولأنانية المحب التي تسكنني ، قررت صباحا أن أضعه في قفص جميل ، أتعهده برعايتي وأسكب عليه جرعات حناني . في صباح اليوم التالي ، استيقظت مشنفة أذناي بزقزقته،أنصتُّ، لكن لم أسمع إلا صدى أنفاسي المتلاحقة ، هرعت إلى حيث القفص، اقتربت منه، تمعنت به ، كان ذابل العينين دامعها ، هششته ، لم يحرك ساكنا إلا لتعديل هجعته المستكينة، وضعت له الحَب لم يقترب ماذا فعلت بعصفوري يا إلهي!! فتحت باب القفص ، درجته على أصبعي السبابة، حرك جناحيه وحلق في سماء الغرفة، دار ودار ودار ، ارتطم بالجدران، لم يكن يهدأ . أزحت الستارة ، اتجه حيث الضوء وعلى زجاج النافذة وهو ما زال يرف بجناحيه ضاربا بهما ينقر وكأنه يريد أن يفر من شفافيته. فتحت الشرفة، ولم أدرِ كيف طار محلقا بالفضاء بعيدا. حاولت تتبع مساره ، خرجت مسرعة في الحديقة لا ألتفت أين تقع قدماي، تعثرت ... نظرت موطئهما... سكتت العصافير، دارت فيّ الدنيا ، أظلم الكون ، عصفت بي ريح صرصر ، غيمتان سوداوان في مقلتي ومضتا ببرق شل أطرافي، وصوت رعد في فرائصي زلزل كياني ، انهمرت سيول مدامعي ، تسمرت مكاني غارقة بوحل أفكاري... عشٌاً مبعثرا وبقايا بيضتين صغيرتين... وزغب. هل سيعود ذلك العصفور يوما إلى نافذتي؟! هل سيغفر لي وينسى؟!!