تبقى حدائق الشعر تبث جمالها عبر فصول السنة، وتدهش الذائقة الانسانية بما تحمله من الوان المباهج .. فهي خلجات انسانية مغمسة بجمال البحث عن الحب والحياة في حقيقتها الناصعة، لذا فالشعر كون مفترض في ذهن المبدع، او هو عالم مثالي يحاول تلمس افاقه وهكذا فان الكتابة من تعاريفها صناعة المتعة .. (يعرّف رولان بارت الكتابة في محاولة لتشخيص جوهرها اللغوي الابداعي بانها "علم متع الكلام"، وغالبا ما تحقق هذه المتعة بكثافة اكبر وحساسية اعمق حين ينجز الكلام مستوى عاليا من الشعرية في صوغ نظامه التعبيري، بصرف النظر عن اجناسيته وانتمائه المعين الى النوع الادبي والمساحة الابداعية)ص31 الفضاء التشكيلي، واني اجد الشاعرة فلورا قازان في ديوان (فوبيا الضوء) حاضرة برومانسية جميلة و(ان سلطة الشعر هنا تقوم بتكبير ذرات المفردات ونويّاتها ملايين المرات الى المستوى الذي تتحقق فيه اعلى درجات الدهشة والانبهار والتفتح والقدرة على التثمير، بحيث ينسى المتلقي شكل المفردة وحدودها ومعالمها المترسبة في ذاكرته اللسانية، عندما يدخل في عوالمها الداخلية الملونة المتشابكة، ليمتليء سحرا وغرابة وجنونا وتيها، ويبدأ بتكوين معجم جديد يصلح لمقابلة حساسية هذه اللغة)ص37 الفضاء، اذن تثوير اللغة بطاقة جمالية حرة من خلال قصيدة النثر اعطاها جواز العبور الى حدود الفنون القولية الاخرى والفنون المجاورة ان تمتح من جمالياتها الكثير وتعطيها دفق التعبير عن خلجات المبدعين، ومن هولاء الشاعرة فلورا قازان التي بدأت تطلق عنان كلماتها في البحث عن المعنى وحقيقة جمال الحياة وترسيم حدود الحب بعاطفة لاتعرف الوقوف، بل تتحرك للدخول الى المناطق المحرمة في التابوات الاجتماعية .. وكانت بارعة في التعبير عن خلجاتها، كأنثى تحاول ابراز مفاتنها الطبيعية ذات الايقاع الخاص .. تقول الشاعرة : (يأتي كضوء يأتي كضوءِ وجدٍ يسبحُ همسًا داخل صدري قال :"حُبُّكِ أجملُ حُبٍّ سيدتي ، لكنَّه قاتلي" قلت : سآتي كاللَيْلَكِ لَيْلَتَكَ سِرًّا وأُغَنِّي سِِرًّا أَودَعْتُهُ فوقَ مشاعرِكَ اليابسةِ أطبعُهُ كِتَابًا يَتلُوكَ هُيامي ثُمَّ أَحُومُ كحمامةِ سحرٍ حولك أَفُكُّ حِصَاري أرشفُ شفتيك شهدًا يُثْمِلُ إعصاري ومن تناهيدِ ثمارِك أقطفُ أنقَى أنفاسي وأتوه في مَدِّك وجزرِكَ أَمَّا أيائلُ فتنتي سَأُطلقُها في مدى جنونٍ يسيلِ من ماءٍ ونارٍ يغرقني فأُبحرُ بسورةِ الفلقِ خوفاً وفوق جسدِ القصائدِ أُسَبِّحُ بضوءٍ شِعْرِيٍّ وأَسبَحُ ألوانًا يزدادُ معها عُمْرُ ليلِةٍ تَتَنَهَّدُ غُنْجًا يُزَيِّنُ أوزاني) وهنا رسمت لوحة مسارات البوح، وهي تستدعي الاخر لتعلن معه حفلة اللقاء الحر، ولكن في منطقة مفترضة، أي منطقة جسد القصائد، منتظرة البدء والقبلات والكف التي تشد الخصر، كي تقوم للرقص، واي رقص هذا؟ الرقص في اكتشاف الحقيقة ! .. (أرشفُ شفتيك شهدًا يُثْمِلُ إعصاري/ ومن تناهيدِ ثمارِك أقطفُ أنقَى أنفاسي/وأتوه في مَدِّك وجزرِكَ)، وهذا هو اعصار الاجتياح والثورة ضد القبح ومن اجل الحياة الحرة ..فالحب عند فلورا قازان هو (أن تسيرَ فوق الشاطئ /وتحاورَ القمرَ وحيدًا/وتبكي تحت المطرِ وحيدًا/ كيلا يلمحَ الآخرون غزارةَ دموعِكَ)، وحينما تتصارع الرومانسية وتتلاقى ومشاهدة الشمس الدافئه فى الافق وهى تسقط بالبحر والشعور بالسعادة و عندما نتابع النجوم وهى تلمع وتتألق بالسماء الصافية ويمر فى ذهنك حينها شريط من الذكريات السعيدة وخاصة ابتسامة الحبيب ... لاقول اذا استطعت ان ترى كل مايحيط بك جميلا ونظرت لايجابيات الامور وتجنبت السلبيات المحيطه بك حتما انت رومانسى ، فكن جميلا ترى الوجود اجمل فالرومانسيه انصهار فى الطبيعه وامتزاج مع الحياه ببساطه وعفويه ، هكذا اجد الشاعرة تمتزج بكل ماهو جميل عبر افتراضات وجودها الطبيعي، وهي تسمي الاشياء باسمائها تقول : (علمتني الحياةُ علمتني الحياةُ كيف النهاياتُ تكونُ ابْتِسَامَهْ كيف البداياتُ تكونُ اسْتِقَامَهْ لذا أتغاضى عَنِ الإساءةِ صدّقوني ، أنا لا أدّعي الحكمةَ ولستُ تابعةً لأيَّةِ مدرسةٍ فلسفيّهْ أنا شهقةٌ من أنفاسِ حياتنا اليوميّهْ إنني امرأةٌ أكثرُ من عاديَّهْ قلبي ينبضُ بالحبِّ المطلقِ أزرعُ شتلاتِهِ أينما حَلَلْتُ وأحيَا على أملِ صُمودِهِ في وجهِ أعاصيرِ الأيامِ المرعِبَهْ وفي كثيرٍ من الأحيانِ أشعرُ بأنَّهُ لا وجودَ له إلا في قلبي وأحياناً كثيرةً أجدُهُ في ملامحِ كُلِّ إنسانٍ في كلِّ مكانٍ وكلِّ زمان كُلُّنا نسألُ : لماذا خُلِقْنَا في هذه الدنيا الأليمَهْ ؟! لِمَ نتحملُ هذا العذاب ؟! وكلنا يظنُّ بأنه وَجَدَ الجواب و الحقيقةُ : هي أننا لم نَصِلْ بَعدُ إلى سَفْحِهِ ما دُمْنَا لم نُؤمِنْ (بأن النهايةَ هي البداية ) ) هذه هي فلسفة الشاعرة وتجربتها الحياتية، تجعل من الامل هو الضوء وهو الحب وهو الجمال وليس هناك نهاية، وحتى نهايتها بداية في رؤيتها الحياتية، وكأنها كلكامش الذي بحث عن الخلود في اتون الطبيعة .. وهذا انعكاس لهاجس الانسان الشغوف بالحياة .. والذي يتألم بين اطباقها من اجل السعادة وعند الانسان : الكون هو سلسلة من الاسرار لايدركها الا هو، كونه الوحيد بين الكائنات الذي يعاني بفهم وعقل وادراك .. ومثلما قبول الذات عند هذا الانسان ومحبتها ضروريان في تكوين شخصية ناضجة، كذلك علاقة الفرد مع الاخر ضرورية. فالصداقة والصدق والانفتاح على الاخر لابد منهم لتكوين الشخصية، ولكن هذا الطريق لا يخلو من المخاطر والصعوبات. وان اعمق علاقة هي علاقة المحبة. وفيها يخرج الإنسان من أنانيته ويكشف ذاته بحقيقتها للاخر. ومن الضروري في تكوين شخصية مستقلة ان يحقق الفرد التوازن بين الاتكالية والاستقلالية، بين الانبساط والانكماش، أي ان يحقق التوازن بين الداخل والخارج في علاقاته.فإذن دون المحبة لا يمكن ان نحقق شخصية ناضجة، لان المحبة هي أساس الشخصية. والمحبة ليست فقط شعور، بل هي قرار والتزام وهي بلا شروط، وفيها يحس الانسان بقيمته وقيمة الاخر. من هذا المنطلق بنت الشاعرة فلورا قازان مسارات رؤيتها في ديوانها (فوبيا الضوء)، وعلاقتها بالاخر واساس هذه العلاقة، هو الحب والجمال اللذان يولدان الخلود الذي تبحث ذات الشاعرة فلورا عنها، جاعلة من النهايات بدايات ... وهي تردد : (سأحاول أن أمتصَّ اختِنَاقِي وأتركُ نافذةً مفتوحةً لهمسِكَ الغافي الصاحي في أفقِِ البَثِّ لتخبرني كيفَ تترجمُ ثقافةَ وَلَهِ العينِ ؟! : العينِ التي لن تُفرِغَ ذخائرَها في مهجةِ الضَّوء وسأعصرُ شجني و أجعلُ من ضحكتي الكامدةِ المزيفةِ على مِبسَمِي المضيءِ بالوُدّ ؛ لأقولني وأقولَكَ حتى يقتنعَ الفجرُ وينبثقَ عطرُ الردِّ) وهذا اصرار بقصدية واضحة .. انها انسانة مسكونة بالضوء وكل انتظاراتها مكرسة لذلك الفجر الذي ينبثق منه عطر الرد .. بعلة كرستها عبر ديوانها، وهي .. انها(أنثى الضوء) منفعلة ومؤكدة بقولها : (لأنَّني أُنثى الضَّوءِ ؛ تتنازلُ النجومُ لي عن عرشِها لأَنَّني أُنثى الفصولِ تتخاصمُ الغيومُ تهجُرُ بعضَها وتعودُ لأحضاني لأنني أُنثى النبوءةِ ؛ ينسى الشتاءُ تراتيلَهُ الصاخبةَ في مدفأةِ صدري لأنني أنثى المحبةِ ؛ أسامحُ كُلَّ من تفانى في تمزيق مشاعري وأوصالِ قصائدي) وهكذا تتصير عبر مسارات الضوء الى انثى المحبة المتوزعة في اوصال قصائدها المضمخة بالبحث والقلق والانتظار .. وبالافتراض فأنّ الحبّ هو عبارة عن مستوى سامٍ من العلاقة بين الذات والآخر تكون فيها الأفضليّة للآخر على الذات. وقد يختلف هذا الآخر من ثقافة لأخرى أو في داخل الثقافة الواحدة، فقد يكون إنساناً أو حيواناً أو وطناً أو إلهاً، وقد يكون كلّ ذاك في إحدى الثقافات أو بالنسبة لأحد الأفراد.وعند الشاعرة فلورا قازان ان الحب هو الحبيب وهو الوطن وهو الخلود ...