الدراما التلفزيونية قضية أمن قومي! ظل مخلصا للشاشة الصغيرة، بذل في سبيلها ثلاثين سنة من عمره، فأخرج لنا أكثر من أربعين عمل تلفزيوني تخلد في ذاكرة الدراما المصرية. انتهج لنفسه اسلوبا فريدا منذ بدايته هو المخرج الكبير محمد فاضل الذى التقى بجمهور المقهى الثقافي أمس في لقاء مفتوح شارك فيه الشاعر جمال بخيت وأداره الفنان وحيد مخيمر الذي استهل اللقاء قائلا: نحن اليوم في حضرة فنان استثنائي ينتمي إلى الجيل الثاني لمخرجي الدراما المصرية مع المخرج إسماعيل عبد الحافظ ويحيى العلمي، والذي استطاع أن يخلق معهم صياغة جديدة للدراما المصرية، التي أثرى مكتبتها بأكثر من أربعين عمل، وعلى امتداد ثلاثين سنة أفناها في خدمة الفن تنقل بين الدراما التلفزيونية والمسرح والسينما. فمالا يعرفه الكثيرون عن صاحب "القاهرة والناس" أن له آثار عظيمة خالدة في ميدان السينما، من أهمها على الإطلاق فيلم "ناصر 56" الذي أخرجه سنة 1996 وفيلم "شقة في وسط البلد" 1975 و "حب في الزنزانة" 1983 وأخيرا فيلم كوكب الشرق. وقد بدأ محمد فاضل حديثه قائلا: عندما أسترجع بداياتي في عالم الفن أتحسر على واقع الفنانين الشباب الذين تركوا في مهب الريح وحدهم، دون أن يعطوا أي فرصة لصقل موهبتهم وإيصال إبداعهم للجمهور. أقول ذلك لأني بدأت مع الدراما مساعد مخرج صغير في التلفزيون تتلمذت على يد العديد من المخرجين الكبار إلى أن شققت طريقي في عالم الفن. وكانت الدولة آنذاك تقوم بدور هائل في دعم الفنون وتنميتها، فأعطاني قطاع الإنتاج في التلفزيون فرصة أنتجت من خلالها مسلسل "القاهرة والناس" عام 1972 وكان أول عمل درامي لي، أذهلني حجم النجاح الذي حققه المسلسل وأدركت حينها أن طريق الدراما "مكتوب علي". أما الشاعر جمال بخيت والذي تعاون مع محمد فاضل في العديد من أعماله الدرامية الهامة، أبدى سعادته البالغة بهذا اللقاء الذي يستضيف قامة فنية هامة وعلامة راسخة في تاريخ الدراما المصرية الحديثة، وأضاف: متعة العمل مع فاضل تفوق لذة تلقي أعماله الرائعة التي حفرت في وجداننا، نقل الدراما في قالب المتعة، وكان الشعر جزء معضض ومكمل لها. كنا نجتمع في جلسات لكل عمل نتعامل فيه مع بعض، يعطيني تصوراته عن الأشعار التي يمكن أن نطعمها في الحلقات، وندخل في تفاصيل ذلك بدقة تشبعني كشاعر وتضعني داخل العمل لاندمج مع شخصياته وأحداثه، كل شخصية يفترض أن يكون لها تاريخ أعيشه أثناء العمل. كان يدير جلسات العمل بكفاءة واقتدار. وأضاف بخيت: في هذا اللقاء الفكري الذي كان يتم بيني وبينه كنا ننطلق من أرضية ومشتركة تجعل جميع التفاصيل تنتطلق بيسر وسهولة وكأننا نقرأ أفكار بعض. وكان له رأي على الدوام في كيفيه توظيف الأغاني والأشعار في نسق السرد الدرامي، أذكر كانت هناك أغنية كتبتها قبل ثورة 25 يناير وكانت أغنية مدوية، جلست مع العبقري عمار الشريعي في جلسة ابداعية وطلع لها لحن جديد على العود، وعندما ذهبت للأستاذ فاضل أخذها وأضاف إليها. كان متعدد المواهب ،تعاملت معه في العديد من الأعمال منها مسلسل السائرون نياما، ومسلسل هدى شعراوي. وطلب جمال بخيت من المخرج محمد فاضل أن يحكي للحضور تجربته مع السينما والمسرح، لأن هذا الجانب قد يبدو غامضا لدى الكثيرين. فقا فاضل: دخلت إلى ميدان المسرح بعد الجامعة عندما أنشأت مع أصدقائي فرقة المسرح الحديث وكانت فرقة نصف محترفة، وبعدها أخرجت مسرحيات عدة في مسرح الثقافة الجماهيرية، كما أخرجت "مشهد من فوق الجسر" مثلها محمود عبدالعزيز. أما على مستوى الاحتراف فقد أخرجت مسرحيتين لفرقة ثلاثي أضواءالمسرح، ومسرحية "البحر بيضحك ليه". ولمسرح التلفزيون أخرجت أكثر من عمل. وكانت من أهم مسرحياتي على الإطلاق "عجايب" للمرحوم أحمد فؤاد نجم وكانت مسرحية شعرية حققت نجاحا كبيرا، مثلتها فردوس عبدالحميد ومحمود الجندي ومحمد ثروت. وعن رحلته مع السينما قال فاضل: عندما جئت إلى القاهرة أذهلتني الدراما وجذبني التلفزيون كوسيلة جديدة مبهرة غير الوسائل القديمة فانهمكت في دراسته وأخرجت عدد كبير من المسلسلات، ولكن كان يجب أن أذوق طعم السينما التي كانت قاصرة على عدد محدود من المخرجين رغم ذلك شققت طريقي فيها. أول فيلم أخرجته كان 210 لعصام المغربي وقد حصد 6جوائز في جميع فروع مسابقة وزارة الثقافة،وكان فيلما تجريبيا دعمته الحكومة. بعده أخرجت فيلم "شقة في وسط البلد" واضطررنا أن ننتجه في الخارج أنا والمؤلف مصطفى كامل، وكان ميزته أنه جمع لأول مره محمود يس ومرفت أمين، وكان عن مشكلة الإسكان التي بدأت تظهر في مصر سنة 1970. كان الفيلم الرابع في الايرادات ويعتبر أول فيلم احترافي. ثم سنة 1980 أخرجت فيلم "حب في الزنزانة" كان أحمد زكي بدأ يظهر وقتها وفردوس عبدالحميد. سافرت اليابان ورجعت فرجئت أن محمد خان أخذهم في فيلم آخر أوقفت المشروع حتى جاءت فرصة جديدة وتعاقدت مع عادل إمام وسعاد حسني. وكان من أجمل الأفلام التي أعتز بها. تابع: ثم أخرجت فيلم طالع النخل فيلم تلفزيوني من إنتاج الحكومة أيضا، الفيلم كان أول سيناريو يكتبه عصام الشماع يتناول من خلاله مشكلة البحث العلمي في مصر والتجارب العلمية التي تجرى على حساب الإنسان، المنتج ممدوح الليثي أنتجه رغم كل الخلافات التي كانت بيننا. والحق أنه كان منتجا رائعا، سافر الفيلم إلى مهرجان فالينسيا ومهرجانات أخرى وللأسف لم يعد يعرضه التلفزيون. جاءت بعد ذلك أهم أعمالي السينمائية على الاطلاق، فيلم "ناصر 56". الذي كان محض صدفة حدثت سنة 1996. اقتبسته اصلا من مشروع مسلسل يوم في حياتي الذي يتناول شخصيات مصرية أثرت في المجتمع. وعندما جاءت الحلقة الخاصة بعبدالناصر، اقترحت أن نجعله فيلم يليق به أكثر من الدراما التفزيونية. وأخذ وقت طويل في تصويره، وعندما عرض حقق 14 مليون جنيه وهذه أعلى إيرادات. مما يثبت للدولة أم العمل المحترم يمكن أن يكون اقتصاديا،و أحمد زكي أخذ فيه 120 ألف فقط وتفرغ لمدة سنة كاملة للفيلم. وختم فاضل كلامه قائلا: للأسف هذا العهد عهد بائد في الفن والثقافة، نتمنى أن يأتينا حكم رشيد يقدر أهمية الفن والثقافة والأهمية الأخطر للدراما التلفزيونية التي هي الوجبة الغذائية الفنية الثقافية للعائلة المصرية. يجب أن يدرك القائمون على التلفزيون دورها العظيم، فالدراما التلفزيونية من الأمن القومي يجب أن نعاملها بهذا المفهوم، فهي الأكثر مناسبة للعصر السريع الذي نعيشه، لم يعد لدى الكثيرين وقت ليذهبوا للسينما. كما التقى جمهور المقهى بالكاتب الليبي إدريس المسماري في لقاء حول روايته الأخيرة "سيرة فبراير" بمشاركة كلا من الكاتب والمفكر الليبي أمين مازن، والقاص الليبي عمر فكري والناقد عيد عبدالحليم في لقاء أداره الكاتب خالد زغلول.