خسائر الاحتلال الإسرائيلي.. ارتفاع القتلى ل662 وآلاف يطلبون مساعدات نفسية    بينها دولتان عربيتان.. 9 دول إسلامية تحتفل بأول أيام عيد الأضحى اليوم    عصام السقا يحتفل بعيد الأضحى وسط أهل بلدته: «كل سنة وأنتم طيبين» (فيديو)    موعد ومكان عزاء الموزع عمرو عبدالعزيز    للحجاج.. تعرف على سعر الريال السعودي أمام الجنيه المصري اليوم    مصطفى بكري يكشف سبب تشكيل مصطفى مدبولي للحكومة الجديدة    شهيدان و13 مصابا جراء قصف الاحتلال منزلًا في حي الزرقا شمال مدينة غزة    «الناتو» يبحث وضع الرؤوس الحربية النووية للحلف في حالة تأهب    ترتيب الدوري المصري قبل مباريات اليوم الإثنين    إيهاب جلال يُعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة إنبي    منافسة إنجليزية شرسة لضم مهاجم إفريقي    أسعار اللحوم والدواجن والأسماك في الأسواق المحلية اليوم 17 يونيو    وفاة الحالة السادسة من حجاج الفيوم بالأراضي المقدسة    افتتاح المرحلة «ج» من ممشى النيل بمدينة بنها قريبًا    البيت الريفى.. الحفاظ على التراث بمنتجات ومشغولات أهل النوبة    بعد إثارته للجدل بسبب مشاركته في مسلسل إسرائيلي.. من هو الممثل المصري مايكل إسكندر؟    دعاء فجر ثاني أيام عيد الأضحى.. صيغ مستحبة رددها في جوف الليل    حكم الشرع في زيارة المقابر يوم العيد.. دار الإفتاء تجيب    دعاء الضيق والحزن: اللهم فرج كربي وهمي، وأزيل كل ضيق عن روحي وجسدي    تقتل الإنسان في 48 ساعة.. رعب بعد انتشار بكتيريا «آكلة للحم»    الرابعة خلال ساعات، وفاة حاج مصري من الشرقية أثناء تأدية المناسك، وابنته تنعيه بكلمات مؤثرة    وقوع 4 هزات أرضية في جورجيا في يوم واحد    البيت الأبيض: المبعوث الأمريكي الخاص أموس هوكشتاين يزور إسرائيل اليوم    نتائج مزوّرة، حزب زوما يطعن بانتخابات جنوب أفريقيا    مدفعية الجيش الإسرائيلي تستهدف بلدة "عيترون" جنوب لبنان    حلو الكلام.. يقول وداع    "تهنئة صلاح وظهور لاعبي بيراميدز".. كيف احتفل نجوم الكرة بعيد الأضحى؟    جثة مذبوحة وسط الطريق تثير ذعر أهالي البدرشين    عبير صبري: شقيقتي مروة «توأم روحي» و«لسه بتاخد مني عيدية.. فلوس ولبس وكل حاجة»    «زي النهارده».. وفاة إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوى 17 يونيو 1998    انخفاض درجات الحرارة.. الأرصاد تكشف حال. الطقس خلال أيام العيد    زيجته الثانية أشعلت غضبهم.. الأبناء وأمهم يحرقون مسكن والدهم في الوراق    مدرج اليورو.. إطلالة قوية لجماهير الدنمارك.. حضور هولندي كبير.. ومساندة إنجليزية غير مسبوقة    يورو 2024 - دي بروين: بلجيكا جاهزة لتحقيق شيء جيد.. وهذه حالتي بعد الإصابة    عيد الأضحى: لماذا يُضحى بالحيوانات في الدين؟    حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 17-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    الكنيسة الكاثوليكية تختتم اليوم الأول من المؤتمر التكويني الإيبارشي الخامس.. صور    أسباب رفض «زيلينسكي» مقترح السلام الروسي الأخير    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن فى ثانى أيام العيد الإثنين 17 يونيو 2024    فوائد إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية فوق أسطح المباني.. تقلل انبعاثات الكربون    أجهزة مراقبة نسبة السكر في الدم الجديدة.. ماذا نعرف عنها؟    كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟    القافلة الطبية «راعي مصر» تصل القنطرة شرق بالإسماعيلية    لم يتحمل فراق زوجته.. مدير الأبنية التعليمية بالشيخ زايد ينهي حياته (تفاصيل)    العيد تحول لمأتم، مصرع أب ونجله صعقا بالكهرباء ببنى سويف    إيرادات حديقة الحيوان بالشرقية في أول أيام عيد الأضحى المبارك    إيلون ماسك يبدي إعجابه بسيارة شرطة دبي الكهربائية الجديدة    وفاة خامس حالة من حجاج الفيوم أثناء طواف الإفاضة    هل يجوز بيع لحوم الأضحية.. الإفتاء توضح    عاجل.. موعد اجتماع لجنة تسعير المواد البترولية لتحديد أسعار البنزين والسولار    المحامين تزف بشرى سارة لأعضائها بمناسبة عيد الأضحى    الأنبا ماركوس يدشن كنيسة ويطيب رفات الشهيد أبسخيرون بدمياط    تعرف على حكام مباراتى الجونة والبنك الأهلى.. والإسماعيلى وإنبى    مانشستر يونايتد يجدد الثقة في تين هاج    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بهنس .. التقاطٌ خاطئ لوحي ٍ صحيح !!
نشر في شموس يوم 20 - 12 - 2013

"كانت هاجرة حلوب ، تحلب العرق ، تحلب الذاكرة بمواقيت ، كنتُ كمن كان مهيأ لاستقبال أمر عظيم ، كانت حركة الشارع أمامى من خلال زجاج الباب ترجعنى برهة لحركة النمل قبل حلول الشتاء ، وكانت الشمس تحدق بقسوة كمن تبحث عن شىء عزيز ، كان ذلك اليوم الغامض والذى غير مسار حياتي .." !!
هكذا التقط إملاءَ كاتب وحيه ، متعددُ الأبعاد ، الروائي والشاعر والفنان التشكيلي وعازف الجيتار والمطرب والسودانيُّ ، وآخر خناجر ديسمبر في قلب "أبولو" ، في روايته "راحيل" ، ولعلها "رحيل" ، التي كانت بمجرد ظهورها ذريعة لائقة لإتهامه الصريح بالتغبير في وجه فحول الرواية من الماء إلي الماء ، ومنحت السودان وعداً بقامةٍ ممتازة تهرول صوب رهانها ب "الطيب صالح " بنكهة الشاب "محمد حسين بهنس" ..
ومن الواضح أنَّ الروائي الكبير أخطأ في التقاط أصابع كاتب وحيه بشكل صحيح ، ولعله قد استهان بعرق الشتاء الذي جعله لا مهيأً لاستقبال أمر عظيم فقط ، بل جعله تماماً ، محور الأمر العظيم الذي يشغل الآن قلب القاهرة القاسية القلب ، عقب ذاك الموت الغامض الذي جرف مسار حياته تماماً ..
وهو في التقاطه الخاطئ هذا لوحيه يغرد من قلب السرب الوطني ، ويعكس التقاطنا الخاطئ لكلِّ ما تواطأ الآخرون ، والأرقي ، علي اعتماده أسلوباً أنبل للحياة ..
موتٌ كهذا الموت المتأخر يعكس في ذاكرتي موتاً صائب الموسم ، يتفق مع وحي شاعر "ألبيرو" الكبير "قيصر باييخو" ، والذي يقال أنه تنبأ بموته وطقوس موته بحذافيرها ، وإن كنت لا أصدق عادة مثل هذه الروايات ، لولا أن القصيدة أقدم عمراً من موته في فرنسا ، وفي يوم خميس خريفيٍّ أيضاً ، يقول "قيصر باييخو" :
سَأَموتُ في باريسَ تَحتَ وابلٍ منَ المَطر/ في يوم لديَّ منذُ الآنَ ذكرى عَنْه / سأموتُ في باريسَ ولسْتُ مُسْتَعِجلاً / ربَّما في يومِ خَميسٍ خَريفي / مثلِ هذا اليوم سيكونُ خَميساً لأنَّ هذا اليومَ خميسٌ / وفيه أنثرُهذهِ الأشعارَ / وعظامُ العَضُدِ في أسوأ حال / ولمْ أرَ نفْسي قطّ وَحيداً مِثلَما أنا اليوم / قَيْصر باييخو قَد مات / وهُم جَميعاً يركلونَه دونَ أن يَفعلَ لَهم أيَّ شَيء / يضربونَه بالهَراوات وبِقَسوَة / بالحبالِ يَسوطُونَه / تشهدُ على ذلك أيامُ الخَميسِ وعظامُ العَضُد والعُزلةُ والأمطارُ والدروب ..
الغريب أن "محمد حسين بهنس" مات يوم خميس أيضاً ، وظلَّ بلا هوية في مشرحة "زينهم" حتي تعرف عليه بعض أصدقائه !!
لقد ظفرت برؤية الشاعر "محمد حسين بهنس" مرة واحدة في أحد مقاهي وسط القاهرة ، وبالرغم من أنه كان أليفاً للجميع ، لم يترك في ذاكرتي هذا الحضور الذي الآن يؤلمني ، لكن تلك السيولة في نظراته كانت تمنحه بالفعل لقب مجنون مؤجل ، ومن الغريب أنني لم أر وقتها في تسوله الأنيق ما يدعوني إلي الدهشة ، ولعله هو أيضاً ، ربما لأنني أعرف ، وهو يعرف ، أن التسول أحد التقاليد التي استراح لها بعض المطبوعين من الشعراء ، حتي أن الشاعر "أبا فرعون الساسيّ" ، استعاض عن الذهاب إلي بلاط الملوك والأمراء بالمسالك التي يمر بها الحجيج ، ليتسول بشعره ما يعوله مما يجود به ركاب "الراقصات إلي مني" !!
عرفت فيما بعد أن "بهنس" قد انزلق في شرخ الاكتئاب الصارم تعقيباً علي جحود زوجته الفرنسية ، وأم ابنه ، وترحيله القسريِّ من فرنسا !!
إن مشكلة "محمد حسين بهنس" الحقيقة ، كما أنها مشكلة الكثيرين في سياقه ، هي أنه مبدعٌ حقيقيٌّ يلمس جسامة الفجوة بين واقعه وبين ما يجب أن يكون عليه واقع من يملك ما يملك هو من أوسمة ، وهي لعمري كثيرة ، فضلاً عن التجاهل المتعمد لكل صوت يغرد خارج أفق البلاط ، وترتيب الضوء المدبر لمبدعين أقل لمجرد أنهم يضبطون علي الدوام أصابعهم المبتلة ، ونجمة الشمال ، مع اتجاه رياح البلاط !!
هناك اشكالية أخري محيرة ، كما تكاد تكون عرفاً دارجاً ، يضخم هذه الفجوة بشكل عصبيٍّ ، وهي أن تكون صناعة الإبداع تعبيراً محمياً علي فقراء القوم أو تكاد ..
اسمح له أن ينتابك قليلاً ، ألم مبدع متعدد الأبعاد ك "بهنس" لا يجد قوت يومه ، وهو يري علي شاشة خليجية ، قاعةً هائلة تزدحم بذوي العطور المتضاربة ، علي مقاعد مستوردة أنيقة ، وزجاجات المياه المعدنية ، ومنبر مذهب ، يجلس خلفه شاعر محلِّيٌّ الصنع يصرخ في الحضور منفعلاً : "واش تاخد من حنين القلب وخلاجه" !!
سخرية رديئة تتابع ترهلها من خلال لعبة الزمن النبطيِّ الردئ ..
سأقول ما سأقول لأنني أؤمن أن الموت قبل كل شئ قرارٌ داخليّ ..
دهم عطر الشاب "محمد حسين بهنس" القاهرة منذ عامين وبعض العام ، ليقيم معرضاً تشكيلياً فيها ، ويقيم في شقة في وسطها ، كم كان يلزمه من الوقت ليدرك أنه أكمل دائرة الغبار ، قبل أن تتدهور أوضاعة المالية ، ويترهل اكتئابه ، ويعيش علي الأرصفة ، ويشكلُّ في النهاية لوحته الأخيرة ، الفنان نفسه علي رصيف قذر ، في وضع الجنين ، يحتضن الفراغ البارد ، قد هربت روحه إلي المراعي الغامضة ؟
أيُّ اسم يصلح لهذه اللوحة سوي "اللعنة علي كلِّ شئ " ؟!!
لماذا رضي أن يعيش رهين الغربتين ، غربة "محمد حسين بهنس" الإنسان عن وطنه ، وغربة الشاعر "محمد حسين بهنس " في الكون الكبير ، فهل الشاعر فوق غريب في الكون لا يرجي له إياب ؟
بالإضافة إلي هذا إدراكه التام لغربته هذه ، فهو القائل : "أهديك الغربة ، هتاف الموتى وصمت التربة ، أهديك إحباطي حديث عابر في مركبة عامة" ..
يبدو أن العام (2013) كان منذ بداياته عاقداً العزم بشكل مروع علي أن يودع في الروح الجمعية ، قبل أن ينزلق في شرخ الماضي ، عذابات ٍ لها ما بعدها ، وحنيناً أسود لعابرين وأشياء ..
2013 .. إلي الجحيم مصحوباً بغابة من اللعنات ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.