تنوء المجتمعات الانسانية عن الانكماش حين تدرك معنى الحياة، فالمادة المتحجرة هي جزء من الحياة التي تقسو وتلين، والطين هو مادة الخلق الاولى، ومن هذا المعنىالعميق لكينونة الانسان انطلقت انامل «محاسن عجم» لتجسد الوجود الانساني بمنحوتات واقعية بغموضها التجريدي وتشكيلاتها ذات التعابير الفلسفية الصامتة التي نفهم لغتها ايحائيا، وكأن جوارح المادة تتكلم عن الانسان وقدرته على مد جسور التواصل مع الاخرين، فهل تحاول «محاسن عجم» فتح قنوات تواصل اجتماعية بين النحت والانسان مجددا؟. أم أن الانسانية تحتاج لقراءة عقلانية تعيدنا الى التفاعل الجوهري الذي يؤدي الى السلام؟. تطغى الحركة على الخطوط المنحنية في منحوتات مؤثرة اجتماعيا على العاطفة الانسانية حيث ترى في الوجوه مختلف التعابير التي تترك الف سؤال في نفس المتلقي .مما يجعل من دلالاتها الصامتة سيميائيات تترجمها الحواس بتقنية استقرائية فنيا، وتؤدي الى فهم سلوكيات انسانية منها فردية، والتي تدخل ضمن نطاق الأنا والذات، وتأثيرها على الآخرين حيث تكتشف التناقضات الحسية من فرح وحزن، والم، ودهشة، وقلق، وخوف، وما الى ذلك من المشاعر المختلفة التي صاغتها «محاسن عجم» بتعبيرية تجريدية منحت الجسد صفة الكل. لتترك الجزء الأهم في واقعية معالم الوجوه المختلفة في مجتمعات ما زالت متماسكة نوعا ما، فالخلجات التأثيرية في منحوتاتها تكمن في ليونة الخطوط التي توحي بالترابط الثنائي، والجماعي انطلاقا من الكل الى الجزء، وبالعكس حيث ترى في تكتلاتها صلابة تجمعات هي من طبيعة الانسان المجبول عليها فطريا. وصل لأجزاء مشتركة في الانسان، وهي قدرته على التفاعل مع الاخرين حيث جعلت من المادة النحتية حداً مشتركاً للجسد المتعارف عليه كشكل، وحجم، وكتلة لا فراغ فيها، الا بمقدار التناغم الايقاعي فكريا بين المجتمعات. مما يؤدي الى تقارب وتباعد في العادات والتقاليد، والافكار، والعواطف فالقدرة على الاتصال الانساني داخل مضامينها النحتية، يشكل جماليات تسهم في منح المتلقي قدرة على تأمل افعالها واشكالها، وليونة حركتها رغم صلابة المادة النحتية التي تستعملها. الا انها مجبولة من عاطفة انسانية نشأت عليها اجتماعيا، فاستطاعت نقل الفكرة وتطبيقها على افراد وجماعات تبادلت معهم لغة صامتة، ووصلتهم بمنحوتات صلبة. لتحقق التفاهم الجميل بين البشر تاركة للانسان معرفة الاجتماعيات التي تميزه عن المخلوقات الأخرى. منحوتات تجريدية لا تخلو من رمزيه تعبيرية لونتها بألوان المجتمعات المختلفة، فلغة الجسد المتمايل تحمل في رمزيتها طراوة في السلوكيات والمشاعر، مما يجعل للانسان قدرة على بث المتغيرات الحياتية التي يسببها الزمن وتأثيره عليه ، فالانطباعات الحسية على الوجوه والجسد تُظهر التناقض بين الوجوه والاجساد الشبيهة بالأقوال والافعال فيما بينهم، وكأنها تحاول تصوير التناقضات بين المجتمعات الانسانية بتضاد يظهر احيانا بين الخطوط العامودية والخطوط المنحنية او المتمايلة في بنية الجسد او الكتلة الجامدة ظاهريا، والمقروءة بجاذبيتها، وتكوينها الجمالي المبني على قاعدة ذهبية ربانية جعلت للانسان جاذبية بصرية كمخلوق في احسن تقويم. تمتلك «محاسن عجم» لغة نحتية صامتة تترجم من خلالها المشاعر الفنية التي تؤثر على الادراك الحسي، وتمنح الرؤية جمالية خاصة متصلة بالانسان ومساراته الحياتية، وانفعالاته الاجتماعية، وعاطفتة تجاه الاخر، كثنائية المرأة والرجل، الخير والشر، حديث النفس او التفاعل مع الذات، فجاذبيته الجسدية تكمن في مادته الطينية النابضة بتكوينات منها القبح والجمال، ومنها البهاء والاعتدال، ومنها القصير والطويل والسمين والنحيل، والاختلافات في لون البشرة. الا ان المتلقي يشعر بالراحة للتنوعات وجمالياتها في منحوتاتها الجمالية والازدواجية، والتي تحمل عدة تأويلات مضمونية. الا أن الأسلوب جمع بين الكل والجزء تحت مفهوم الأنسان، والقدرة على التآلف الاجتماعي وبناء الحضارات رغم الحروب والاوجاع. لأنه يحمل في داخله مفاهيم السلام والمحبة والتآخي. صياغات تشكيلية تتكرر فيها النسق الهندسية التي تميل الى اتجاهات فنية منظمة، ومنضبطة من خلال ارتباطها بالاسلوب النحتي الخفيف البروز، وابعاده البارزة داخل التجويفات المتعلقة بالاهداف الاجتماعية التي تشير اليها «محاسن عجم» كوحدة فنية تحمل عنوان المتغيرات الانسانية داخل المجتمعات، ومدى تأثير ذلك على الحضارات تحت ظل تأثير الاتصالات الصامتة التي توحي بخلق لغة شبيهة بلغة النحت البصرية ذات الأبعاد الثلاثية، والرباعية، والخماسية، والسداسية، فالعناصر المتكررة والمتصلة ببعضها البعض تخلق تفاعلات متينة بين المتلقي والمنحوتة، وفكرة «محاسن عجم» المتعلقة اجتماعيا بالأنسان والوعي الاجتماعي او الحضاري ، بوصفه كائناً اجتماعياً تحفزه لغة الجسد الرمزية والتعبيرات الايحائية الناطقة بشتى الدلالات الفنية. وجوه واقعية متعددة الرؤى والاشارات. الا ان حدودها الزمنية لا متناهية، فهي تمثل الانسان في كل المراحل الزمنية. لأن التجريد في الجسد يمنحه ابعادا زمنية تتخطى فيزيائيا ميكانيكية الحركة في تشكيل الخطوط الاساسية للمنحوتة، فالاحساس بالحركة بطىء نسبيا، لأن الوجه المستدير كالقمر كوني التكوين وينسجم مع العامودي، والمائل، والمنحني، ومع كل كتلة فراغية برزت كفواصل فنية يستريح عندها البصر المتأمل للحركة، والخط، والفراغ، وللخامة النحتية، وخصائصها الجمالية في منحوتات فردية وازدواجية واجتماعية. معرض الفنانة محاسن عجم في (Gallery 169) ويستمر حتى 21 تشرين الثاني 2013.