البيت لا يُضيّع. استدللنا عليه من الوهلة الأولى. نزلنا بضع درجات إلى الجنينة. كانت في استقبالنا شقيقتك الرائعة "أم ماجد". ما ألطف استقبالها لنا. كنا أنا وشقيقتي تسنيم وصديقتي إسراء. قبل الحديث عن الكتب، قدمت لنا العزيزة أم ماجد، ليس فنجان قهوة فنحن صائمات، لكن "وجبة" من حديث المرأة الحلبية اللذيذ. قالت إنك قبل يومين طبختَ في بيتك الدمشقي "مكمور الباذنجان"، وأن هذه الأكلة قلما يعرفها الشوام، وأنك تحبها، وهي أعطتك الأوصاف على الهاتف والمقادير، وأنك سكبت ووضعت الصحون في البراد... فضحكنا بسرور، وقد عرفنا أن من هوايات أستاذنا الكبير الطبخ، وكدنا ننسى أننا في حرب! بعدئذ جاء ابنها السيد علاء، ووضع أمامنا كتبا من تأليف خاله الأستاذ فاضل السباعي، وطلب منا أن نختار. الواقع شعرت بالحرج، خاصة عندما قالت السيدة أم ماجد إنها كلما طلبت منك أن تكتب كلمة إهداء على كتاب، قلت لها: «هيك أحسن، حتى إذا أردتُ أن أقدم كتابا لأحد الأصدقاء بحلب، تعطيه أنت وأنا أعوّض!»، ثم قالت: «نقّي منها، يا بنتي، ما تريدين، وأخي أبو فراس يبعث إليّ من دمشق بديلا عنها... ليس الآن، فالطرقات مقطوعة، لكن بعد الحرب!»... وضحكت، وأحسسنا أن في ضحكتها ما يشبه البكاء! ولكنّ ابنها علاء حدثنا عن حادثة كان شاهدا عليها. قال إنك وقفت ذات مساء في مدرج المتنبي بجامعة حلب، في لقاء جمع بينك وبين طلاب الآداب، هم يسألونك وأنت تجيب ارتجالا مدة ساعتين، وفي الأخير قرأت عليهم قصة عنوانها "الأشباح"، أصغى الطلاب جيدا حتى إنه لم يسعل واحد منهم مع أن الدنيا "مربعينيّة"، وصفقوا عند الانتهاء كثيرا... ولكن المفاجئ أنهم اقتادوك من باب الجامعة إلى السجن، بحجة أنك شهّرت بالنظام! فتأثرنا لما سمعنا حتى أوشكت عيوننا أن تدمع. ماذا أكتب لك عن لقاء اليوم الذي أعتبره إحدى المحطات الثقافية في حياتي؟ حملتُ معي أربعة كتب. الآن بدأت بقراءة أول إصداراتك في عام 1958 "الشوق واللقاء" (الطبعة الثانية 2002). أستمتع بالقراءة في ضوء الكهرباء التي من حسن الحظ لم تنقطع، لكن... عفوا... عفوا... فقدتُ القدرة على التركيز، اشتباكات نسمع أصواتها هنا في حي الميرديان. سأغلق. سلام.