لن تعبث بشُجُوب الصبر فقد رتبت ذهنها على التماهي به الى حد الانصهار.. تتوافد الذكريات تندلج في عمقٍ هشٍّ لحب تآكل من طوفان الانكسار... سرحت تحث الخطى في نبضها لماضيها الذي لم تشهد من فصوله الأربع الا فصلا لا وجود له في قافلة الطقوس ولا جذور له في أسفار التاريخ.. الفصل الذي قابلت به وجوها سافرة لحد التفاهة صلبتها عند مفرق البين والقهر .. من تذكر...؟؟.. من؟..كانت اسماء بلا حروف ووجوها بلا ملامح تحفر في عمرها بقسوة.. أطل عليها وجه عزالدين الادريسي....قاتلها..........يسمرها لهنيهات ليعدها بنضارة فردوس لم تلق منه سوى لظى الجحيم!!.. ما كان بينها وبينه لم يحتفِ به أحد ولم يباركه غير قلبها... عندما نبض بوعده ورقّ لدمعه وآمن لهواه.. عادت للقائها به أول مرة...في حفل للمواهب الشابة في مصر ... كان من الجمهور وكانت من المشاركين ..كأنها سافرت إلى هناك لتكون على موعد معه..مع حتفها الجنوني... عبثا تحرق أوراق تلك الذكريات..وتفترشها على منكب الزمن رحيقا النسيان....يجب أن تنسى كما طلب منها طبيبها النفساني..الذي لجأت إليه منذ هدّتها سهامه القاتلة..سهام من كانت تناديه..حبيبها... أمسكت بورقة من أوراقها المكدسة على رفوف منسية كتلك الفواصل التي ننسفها من حياتنا...ثم نعود لها مرغمين..وبقلم تشتت ضياعا من أحزانها.. بدأت تخط ذكرياتها.. من أين تبدأ...وكيف... فلتبدأ من حيث النهاية...تبدأ بخلاصة الأشياء فان أحلى ما في الرُّطْبُ خلاصتها...ثم ستسرد الحكاية.. بأمانة.. بل بكل أمانة.. وبصدق افتقدته في ارتباك زمنها وقسوته..كتبت بابتسامة موشحة بغاشية من الدمع: "نسكب الدمع في زخات الأثير... كأنه انا.. أو كأنه انت.. كأنه الذكرى تتألم.. تتنهد.. تورق في مهب الريح عمرا يفني ولا يفنينا...تذر الصمت في روابي الزمن وتدحرجها أسرابا...ترحّلنا ولا ترحل.. تهوانا ولا تهوي...عجبا.. كم كم هي جاحدة تلك الذاكرة!!"