هذا المقال هو من نوع " المقال التحليلى " الذى يقوم على تحليل الموضوع إلى عناصر مختلفة ، ثم يتناول الكاتب كل عنصر منها بالعرض والتحليل . والمقال موضوعه سياسى حصرى ، يتناول فيه الكاتب موقف الحشود المنتمية للإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية ، فى مكان محدد هو " ميدان رابعة العدوية " بمدينة نصر ، وبأشخاص معينين هم أنصار التيار الإسلامى ، وبوسيلة حصرية هى الهتافات المدوية التى تخرج من حناجر المحتشدين . وهنا لابد من الإشادة بدقة ومهارة الكاتب فى إختيار عنوان المقال ، الذى عبر تماماً عن فحواه بشكل قاطع ودقيق . وهو ما ينقلنا بالضرورة إلى فكرة المقال ، التى تتسم بالوضوح وسلامة البناء وصحة المقصد والهدف ، ومشروعية الطرح ، وتوافقها مع قيم المجتمع المصرى الإسلامى ، ومفاهيم الإنسانية بصفة عامة . أما عن أسلوب عرض المقال . . فأنا أرى أن الكاتب قد أجاد عرض الفكرة بأسلوب بسيط وسلس ، وبعيد كل البعد عن الغموض أو التعقيد ، فجاءت الألفاظ واضحة ومعبرة وساند بعضها بعضاً ، فى بناء تركيبى قوى وسليم . . أما الجمل والعبارات فقد جاءت جاءت متوافقة مع الجملة العربية المعروفة وليست غريبة عنها ، كما جاءت الجمل طويلة وليست قصيرة ، كى تتمشى مع الأسلوب التحليلى لعرض الفكرة ، الذى يعتمد على الشرح ببعض التفصيل والتوضيح ، ويُحسب للكاتب أنه أفلت من السقوط فى بئر الإسهاب والإطناب ، بلا داعى ولا مبرر ، رغم طبيعة الموضوع التى تتيح ذلك . . ولكن الكاتب – وبكل براعة – إستطاع أن يُمسك بزمام فكرته طوال عرض المقال ، ويُحكم السيطرة على بداية الفقرات ونهايتها . . وهذا بلا شك يُحسب للكاتب . ثم يجئ دور الحديث عن عنصر الجمال فى المقال ، وأنا أرى أن كاتب المقال إستطاع أن يوفر القدر اللازم من الجمال التعبيرى البلاغى ، سواء اللفظى أو التشبيهى والتصويرى ، على نحو يتفق مع طبيعة الموضوع السياسية التحليلية ، التى يساندها الإقناع بالعقل والمنطق أكثر من التأثير بالخيال والصورة . . ويُحسب أيضاً للكاتب تميزه فى هذا الأمر . وعلى هذا النحو فإنى أرى أن كاتب المقال ، قد أجاد بدرجة جيدة توظيف أدواته التعبيرية ( فكرة + لفظ وجملة + عنصر الجمال ) . . وهو ما يجعل صنعته الأدبية صنعة متميزة إلى حد كبير . وإن كنت أعيب على كاتب المقال أمرين . . . ------------------------------------------------ أولهما : إغفاله بشكل واضح وظاهر للتقسيم الأساسى الثلاثى للمقال بصفة عامة ( مقدمة + موضوع + خاتمة ) . . . وهذا عيب خطير فى صياغة المقال . . . فالمقدمة ذهبت أدراج الرياح ، ولم أجد لها أثراً فى بداية المقال ، وبدا لى الأمر وكأن الكاتب قد إنتزع المقدمة وألقاها بعيداً ، وولج مسرعاً نحو صلب المقال مباشرة . . . وبإستهلال أراه ضعيف الصياغة ، حيث بدأ بسؤال بأداة إستفهام ( هل ) مسبوقة ( بحرف فاء زائد ) ، وهو ما أضعف الإستهلال وأربك القارئ منذ الوهلة الأولى ، لإنشغال القارئ فى إستنتاج ما سبق أداة الإستفهام ، وهو ما حدث معى بالفعل . ثم كرر الكاتب ذات الخطأ مرة أخرى ، حينما أطاح بالخاتمة ، وبدا الأمر كما لو أنه أراد إنهاء المقال على عجل . . ولا يشفع له فى ذلك تلك الأبيات الشعرية التى أتى بها فى عجز المقال ، وكنت أفضل لو أنه بدأ إستهلاله بها ، على طريقة ( الفلاش باك فى الدراما ) . أما ثانيهما : فهو إفتقار المقال بشكل واضح لأدلة الثبوت والتوثيق ، والحجج والبراهين والأسانيد ، التى لا بد وأن يتسم بها المقال التحليلى – وبصفة خاصة المقال السياسى – فأين الأقوال المأثورة فى علم السياسة ، وأين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، فى أصول الحكم والسياسة ، لا سيما وأن المقال يناقش ظاهرة الفشل الذريع المبكر لأنصار التيار الإسلامى فى حكم مصر ، وهو ما جعل المقال فى رأيى ، فاقداً لكثير من الأثر وخائباً فى إحداث الإقناع بالحجة والمنطق ، والدليل الشرعى والقانونى والأخلاقى ، الذى يبرر الخروج على الحاكم سواء فى الشرع الإسلامى أو العرف الديمقراطى . وأخيراً . . . فإن المقال على هذا النحو ، أراه إنشائياً بالدرجة الأولى ، ولم يأت مقالاً سياسياً من الطراز الأول ، ولم يعط القارئ ما يبحث عنه ، من الإشباع العقلى ، والإرتواء اليقينى وليس الظنى . . . وهو بذلك مقالاً يندرج تحت المستوى " جيد فقط " وليس أكثر من ذلك . و هذا بالنظر إلى العيوب التى شابته ، وأوجه النقص التى إعتورته . . وإن كنت لا أغفل الجهد الطيب الذى بذله كاتب المقال ، الصديق العزيز أ / احمد عبدالله ، فى صياغة المقال ، ولكنه غلب الجانب الإنشائى والظنى ، على الجانب الإقناعى المنطقى واليقينى . وختاماً . . . لكِ تحياتى صديقى العزيز . . راجياً أن تتقبل تعليقى النقدى هذا على مقالك . . ولعلى أكون قد ساهمت بجهدى هذا ، فى تسليط الضوء على نقاط القوة فى المقال التى يجدر دعمها وتقويتها أكثر . . ونقاط الضعف التى يتوجب معالجتها وتصحيحها ، فى مقالاتك القادمة بإذن الله