عاشت مصر أربعة أيام عصيبة منذ صباح الأحد 30/6 حتي مساء الأربعاء 3/7/2013 ! كانت تتراوح التوقعات بين حرب أهلية تلوح في الأفق أو انقلاب عسكري يعيد الدولة إلي الوراء قرون عديدة!. ففي يوم الأحد 30/6 وما أن اقتربت عقارب الساعة من الخامسة مساءً حتي امتلأت الميادين عن بكرة أبيها بالمعارضين لسياسات رئيس الجمهورية وجماعة الإخوان المسلمين باستثناء ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر بالقاهرة!. كانت الحشود المعارضة تفوق الوصف في ميدان التحرير وجميع الشوارع المحيطة به والطرق المؤدية إليه حتي فوق الكباري!. لم يكن أحد يتوقع أن يكون الرئيس وجماعته قد حققا هذا الإنجاز الإسطوري في سنة واحدة ! إنجاز من نوع خاص ! أن يكتسبا كل هذه الكراهية من هذه الملايين ! وبتلك الدرجة القصوي من الكراهية ! . خلال عام واحد فقط لا غير! فالحشد الإعلامي وحده، وأيضا الحشد الجماهيري من استمارات تمرد وحده، ومحاولات مؤسسات الدولة العميقة وحدها لا تكفي لتحقيق وخلق هذه الدرجة القصوي من الكراهية لسياسات رئيس الجمهورية وجماعة الإخوان !. لقد اجتمعت تلك العوامل السابقة بالإضافة إلي خطاب الاستعلاء الإخواني في كل مناسبة وفي كل مكان ! والغباء السياسي الذي تميز به مكتب إرشاد الجماعة وأعضاء البرلمان من الجماعة أعطي انطباعا لدي غالبية الشعب المصري أن فترة حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي وجماعته من أسوأ فترات الحكم في التاريخ المصري رغم قصر مدتها!. فقد كان الإقصاء للآخرين بما في ذلك رفاق التيار الديني من حزب النور مما أثار استياء الرفاق قبل الفرقاء المنافسين! وزاد الطين بلة أن حزب الحرية والعدالة وهو الجناح السياسي للجماعة مارس أقصي درجات الإقصاء حتي لأعضاء الحزب من خارج الجماعة ! فاكتسبت الجماعة وحزبها والرئيس كراهية الجميع اللهم إلا أعضاء الجماعة الذين صرحوا في أكثر من مناسبة أن الولاء للمرشد طريقهم للجنة! وأن كوادر الجماعة هم أفضل الكوادر البشرية في مصر! وأنه ليس من المعقول أن يتم منح أعضاء الحزب من خارج الجماعة أي أفضلية علي أعضاء الحزب من الجماعة مهما كانت قدراتهم الذهنية أو الجماهيرية!. إن سياسة الإقصاء التي مارستها الجماعة وحزبها السياسي كرست الانقسام في الشارع المصري بدرجة امتياز مما أدي إلي مهاجمة مقار الجماعة وحزبها في أكثر من مكان وأكثر من مرة حتي وصل الأمر في النهاية إلي الهجوم علي مقر الجماعة بالمقطم وحرقه عن آخره!. لقد احتشدت الجماهير يوم الأحد 30/6 ولم تكن علي ثقة أنها ستحقق ماتريد ! ولما كان عصر يوم الاثنين والميادين شبه خالية فاجأنا وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي ببيان يمهل فيه القوي السياسية 48 ساعة فقط وإلا فرضت القوات المسلحة خارطة طريق!. هنا عادت الجماهير بقوة للميادين معلنة اعتصامها حتي انتهاء المهلة رافعة سقف مطالبها لمطلب واحد وهو رحيل الرئيس وجماعته عن الحياة السياسية المصرية وللأبد!. من هنا يقفز السؤال: هل كان مشروع الثورة في مهب الريح يوم الاثنين 1/7 فلحقه وزير الدفاع ببيانه المفاجيء ؟ أم أن القوات المسلحة قررت الانقلاب علي الرئيس والشرعية ولكنها أرادت التأييد الشعبي فأصدرت بيانها المفاجيء للجميع بما في ذلك المتظاهرين أنفسهم ؟!. لم تكن هذه المظاهرات رغم قوتها عصر الأحد 30/6 تكفي للإطاحة بالرئيس المنتخب خارج القصر الرئاسي وعلي أقصي تقدير قبل مرور أسابيع وربما شهور!. ولم يكن وزير الدفاع ليجرؤ علي القيام بانقلاب عسكري مهما كانت قوته داخل القوات المسلحة بعد انقضاء المظاهرات خاصة أن شباب الثورة والمخضرمين من أمثال البرادعي يعرفون تماما أن الانقلاب العسكري يعني ببساطة عودة حكم العسكر للأبد ليعيد البلاد إلي دائرة التخلف مرة ثانية وللأبد أيضا!. وسط هذه الأزمة لم يتفاعل الرئيس المنتخب مع التطورات ولم يقرأ المستقبل من خلال الإرهاصات ! رغم كثرة المستشارين والمساعدين حوله في القصر الرئاسي وفي الجماعة! . فلقد عاش الشعب المصري نسخة كربونية من رد فعل الرئيس الأسبق حسني مبارك إبان ثورة يناير 2011 والتي تجسد الثورة الشعبية الحقيقية الوحيدة في التاريخ المصري حتي الآن !. ولما كانت الأمور تنبيء بأمور خطيرة لم ينتبه لها الرئيس أو جماعته فقد استحقا هذه النهاية المأساوية لهما !. إن مظاهرات وحشود 30/ 6 /2013 رغم عظمتها لا يمكن أن نطلق عليها ثورة شعبية كما أطلقنا علي ثورة يناير2011! لسبب بسيط أنها وحدها لم تعزل الرئيس!. كما أنه لا يمكننا أن نصف ما حدث من وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي ومن القيادة العامة للقوات المسلحة بأنه انقلاب عسكري كامل حيث أنه لم يعلن نفسه رئيسا للبلاد ولم يعلن المجلس الأعلي للقوات المسلحة مسئولا عن إدارة شئون البلاد ولم يتحرك دون أي مظاهرات أو أي غطاء بل انقلب علي الشرعية والرئيس بعد أن أعاد المتظاهرين وحافظ علي بقائهم للميادين ببيانه العسكري عصر يوم الاثنين 1/7 حتي انتهاء المهلة يوم الأربعاء 3/7 لينفذ انقلابه بإعلانه بيان الساعة التاسعة مساءً بعزل الرئيس وخارطة الطريق في حضور بعض الرموز الدينية والسياسية والشبابية والقضائية والعسكرية !. لذا.. لا يمكننا أن نصف المظاهرات بأنها ثورة شعبية أطاحت بالرئيس محمد مرسي كما فعلت مظاهرات 25 يناير 2011 بالرئيس الأسبق حسني مبارك !. كما لا يمكننا أن نصف ما قام به الجيش بأنه انقلاب عسكري أطاح بالحاكم كما فعل انقلاب الضباط الأحرار في 23/7/1952 والذي أطاح بالملك فاروق ليقصيه عن الحكم يوم26/7/1952 ! لذا فمن غير المناسب أن نطلق علي ما حدث بدءً من يوم 30/6/2013 حتي 3/7/2013 بثورة شعبية أو انقلاب عسكري ! بل من الأفضل أن نطلق عليه ( الثورة الانقلابية أو الانقلاب الثوري) وللحديث بقية فما حدث يحتاج إلي مزيد من التحليل والتفسير !.