لاشك أن السينما هى لغة حضارية ذات قيمة ثقافية وإنسانية للحوار والتخاطب الثقافي والفكري، وهى تعبر عن حضارة متقدمة وإيقاع فكري مهم فى حياة أغلبية البشر لذلك احيانا تكون نهج ومقياس لتقدم الشعوب. ولكن السينما الفلسطينية بالذات كانت انتفاضة مرئية لتسجيل ثورة ونهج نضالي على امتداد عمر الثورة الفلسطينية منذ بدء الاحتلال الانجليزي ومن بعده الاحتلال الاسرائيلي لذلك كانت للسينما الفلسطينية نكهة ومذاق مختلف في الفكر ولكن متقارب في التقنية والتطبيق مع السينما العربية والعالمية. فمن حيث الفكر أصر السينمائيين الفلسطينيين على تسجيل الواقع بفكر متقدم ولكنه لا يبتعد عن قدسية التأرخة وتسجيل الحياة الفلسطينية بمرها وحلوها، فالمتابع للسينما الفلسطينية يجدها سجلت تجذر الإنسان الفلسطيني فى الأرض وتاريخه المرتبط بالتراب الذى ضحى بروحه ودمه من أجله وسجلت السينما الفلسطينية عبر تاريخ طويل تضحيات المناضلين في الذود عن الأرض والعرض كما وسجلت أفلامهم الرحيل والشتات والعذابات أثناء الرحيل وكل ما يتعلق بتلك المرحله المهمه في حياة الإنسان الفلسطيني، ثم توالت الأفلام التى رصدت مخيمات اللاجئين واصرارهم على العودة وحنينهم لمدنهم وقراهم التى طردوا منها بالقوة وأمام أنظار العالم الذى لم ينصفهم. المتتبع لمسيرة السينما الفلسطينية يجدها سينما مناضلة كأهلها تماما فكثير من صناع الأفلام استشهدوا وهم يسجلون بكاميراتهم عذابات وآمال وأحلام الفلسطينيين ويرصدون الهمجية الاسرائيلية فى اقتلاع الإنسان من أرضه ووطنه، لذلك كانت إسرائيل تخشى الإعلام وخصوصا المرئي أكثر من خوفها من السلاح والمقاومة، لأن الإعلام المرئي يعريها أمام العالم ويفضح ممارساتها البشعة والهمجية ضد الإنسان الفلسطيني أينما كان لذلك استهدفت اسرائيل الكثير من الإعلاميين من كتاب وشعراء وفنانيين وسينمائيين. ولكن السينما الفلسطينية استطاعت عبر أفلامها أن تفضح تلك الممارسات عبر عقود من السنين فقلما تجد مهرجان سينمائي عربي يو عالمي يخلو من مشاركة فيلم فلسطيني وهذا ماجعل إسرائيل تزيد من حصارها على الفلسطينيين بكل شرائحهم الاجتماعية وخصوصا على من يعملون في الجانب الإعلامي المرئي. لقد حاصرت إسرائيل صناع الأفلام الفلسطينيين وخصوصا في قطاع غزة فحرمتهم من السفر للمشاركة في مهرجانات كثيرة حتى لا تصل الصورة الحقيقية عن جرائم إسرائيل إلى العالم من خلال أفلامهم. أيضا منعت إسرائيل دخول المعدات من كاميرات وكل المعدات التقنية اللازمة لصناعة الأفلام كما أنها منعت بعض الخبراء السينمائيين من دخول غزة وتمادت فى أكثر من ذلك فمنعت الطلبة من السفر لدراسة الإعلام فى بلاد كثيرة من العالم. رغم كل العوائق والحصار المفروض على المبدعين الفلسطينيين إلا أن السينما الفلسطينية استطاعت أن تجد لها مكانا مميزا على خارطة السينما العربية والعالمية فمن يتابع تلك المهرجانات سيجد الكثير من الأفلام الفلسطينية حازت على العديد من الجوائز وكثير من السينمائيين كان لهم تواجد كنقاد وخبراء وأعضاء لجان تحكيم فى أهم المهرجانات السينمائية بالعالم. صناع الأفلام في غزة استطاعوا صناعة أفلامهم بأقل التقنيات وأروع الصناعة الفكرية السينمائية فهم من سجلوا للعالم كل الأحداث التى مرت على غزة من حصار وحروب وابداعات فنية وفكرية وأوصلوا صوت أطفال ونساء وشباب فلسطين إلى العالم بكمراتهم المتواضعة وبأصرارهم على تسجيل تاريخ مهم سيبقى للأجيال القادمة. أنا أرى أن الفكر والاصرار والتحدي لدى صناع الأفلام الفلسطينيين هو من أهم عوامل صمود ونجاح السينما الفلسطينية فكم من مصور ومخرج استشهد زميله أثناء تصويرهم فيلم وثائقي واستمروا رغم الحزن والقهر في تسجيل حلمهم وفكرهم ليصل إلى العالم وليثبت بالصورة أن الفلسطيني المبدع يبدع رغم كل العوائق من قتل وحصار ومنع ومصادرة إلا أنه ماض فى تسجيل وتوثيق الصورة التي هى الأصدق. المخرج سعود مهنا