القاهرة الإخبارية: تصاعد أعمدة الدخان من قلب وزارة الدفاع الاسرائيلية في تل أبيب    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    الآن.. موعد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس وخطوات الاستعلام الرسمي    حدث منتصف الليل| خطة الحكومة لتأمين الغاز والكهرباء.. وهبوط 5 رحلات اضطراريا بمطار شرم الشيخ    مؤتمر أخبار اليوم العقاري.. «رواد القطاع العقاري يضعون خارطة طريق لمستقبل الصناعة»    اعرف رد محافظ الإسكندرية على جزار يبيع كيلو اللحمة ب700 جنيه.. فيديو وصور    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    القناة 13: إصابة 5 إسرائيليين جراء الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير    الجبهة الداخلية الإسرائيلية: تفعيل صفارات الإنذار في إيلات    مندوب أميركا أمام الأمم المتحدة: نسعى لحل دبلوماسي يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي    فرنسا تحذر مواطنيها من السفر إلى الشرق الأوسط    إيران: الهجمات الصاروخية على إسرائيل تضمنت للمرة الأولى إطلاقات من غواصة    استهداف مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية فى تل أبيب.. فيديو    إنفانتينو: بطولة كأس العالم للأندية ستكون لحظة تاريخية فى كرة القدم    الدبيكي: إعتماد إتفاقية «المخاطر البيولوجية» إنتصار تاريخي لحماية العمال    رحلة الأهلي في مونديال الأندية: خطة محكمة لإيقاف ميسي    ريبيرو يوجه رسالة حاسمة بشأن مراقبة ميسي.. ويشعل حماس لاعبي الأهلي «فيديو»    كأس العالم للأندية، ملعب هارد روك جاهز لمباراة الأهلي وإنتر ميامي (صور)    كوكا: من الصعب إيقاف ميسي.. ولن ألعب في مصر لغير الأهلي    ميسي يتوعد: كأس العالم للأندية فرصة لصناعة التاريخ مع إنتر ميامي    ملامح تشكيل إنتر ميامي أمام الأهلي.. ماسكيرانو يجهز أسلحته    هل تتأثر قناة السويس بالصراع الإسرائيلي الإيراني؟.. الحكومة ترد    الجنح تسدل الستار في قضية انفجار خط الغاز.. اليوم    صفارات الإنذار تدوي في عدة مناطق إسرائيلية بعد اختراق طائرات مسيرة لأجواء تل أبيب    مصرع فتاة سقطت من الطابق السادس بسوهاج    "زهقت منه".. حكاية عاطل أشعل النيران في شقة والده بالطالبية    قبل وفاته مع «حذيفة».. «محمود» يروي لحظات الرعب والانفجار ب خط غاز طريق الواحات: «عينيا اسودّت والعربية ولّعت»    ضبط عاطل وراء إشعال النار بشقة والده في الطالبية    «النقابات الفنية» تشيد بجهود المصرية في بغداد في دعم إلهام شاهين    مراسل برنامج الحكاية: فوجئنا بوجود أجانب على كارتة الاسماعيلية    اليوم، نظر دعوى وقف تنفيذ قرار إغلاق بيوت وقصور الثقافة    تامر عاشور يظهر بعكاز فى حفل الكويت.. صور    كاتب سياسي: رد إيران يشمل مئات الصواريخ الباليستية لم تشهد تل أبيب مثيل لها    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    7 خطوات أساسية من المنزل لخفض ضغط الدم المرتفع    احذرها.. 4 أطعمة تدمر نومك في الليل    «تضامن الدقهلية» تطلق قافلة عمار الخير لتقديم العلاج بالمجان    أطباء بالمنيا يسطرون ملحمة إنسانية داخل غرفة العمليات وينقذون مريضة ووليدها    حركات متصاعدة في بيت المال.. حظ برج القوس اليوم 14 يونيو    «زي النهارده».. سليمان الحلبي يغتال كليبر 14 يونيو 1800    محمد صبري: شيكابالا من أساطير الزمالك وله الحرية في تحديد موعد اعتزاله    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 14 يونيو 2025    سعر الذهب اليوم السبت 14 يونيو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير (تفاصيل)    تراجع سعر طن الحديد الاستثمارى وعز وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 14 يونيو 2025    مصرع عاملين وإصابة 12 آخرين في انقلاب ميكروباص بالعياط    بعد نصف قرن على رحيلها.. صوت أم كلثوم يفتتح تتر مسلسل «فات الميعاد»    طوارئ نووية محتملة.. السعودية توضح: لا مواد مشعة في مياه المملكة    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    رسالة ماجستير فى كينيا تناقش مفهوم الخطايا عند المسلمين والمسيحيين.. بعض الخطايا لا نتغاضى عن الاعتراف بها.. ويحب على الجميع مواجهتها    علامات إذا ظهرت على طفلك يجب الانتباه لها    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    قفزة في الاستثمارات العامة بالمنوفية ب2.8 مليار جنيه في موازنة 2024/2025    الدولار الأمريكي يرتفع متأثرا بالضربة الإسرائيلية على إيران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرسالة السادسة والأربعون"إنتِ وأنا يا رَيْتْ عِنّا بَيْتْ"
نشر في شموس يوم 24 - 05 - 2021

أسعدتِ أوقاتاً أيتها الجميلة كوحي يبني بيتاً جميلا ولو كان بيتاً في قصيدة.
لديّ كمشة أفكار أريد أن أنثرها بين يديك. ها هي الحرب قد انتهت، ولكن لا أوجع من الحرب إلا ما بعد الحرب. آلام كثيرة وكبيرة. صديقة كاتبة من غزة تباشر بكتابة يومياتها. دار حديث بيننا بعد أن انتهت الحرب، شجعتها على أن تكتب، فكتابة من عاش الحدث ليس كمن شاهده من بعيد، وكتب عواطفه البرانية وتحليلاته وانطباعاته.
للحرب أيضاً أهميتها وعليّ أن أشكرها فقد أعادت وصل ما انقطع من علاقات مع أصدقاء وصديقات، هاتفتهم لأطمئنّ عليهم، ولتدور بيننا أحاديث حول الحرب وغير الحرب. أرأيت كيف يمكن أن يكون للحروب وجوه آخر؟
لقد كتبت عن الحرب، وها أنا أكتب، ربما هي الموضوع الذي لا ينتهي منه الحديث، فكل يوم تقرأين قصة مؤلمة أو تشاهدين صورة أو تستمعين إلى طرفة أو موقف ما. الشيخ "حسني اللحام" كان مدهشا بعفويته. الحرب أوحت له بهذا الذي سمعناه لولا الأريجلية ودوائرها التي تطرفت النكت في ملاحقتها. بالفعل لقد أحببت أسلوبه، كنت دائما أطمح أن أكون خطيبا مثله أو ما يشبهه من الخطباء الذين كنت أستمع إليهم، وأحفظ مفرداتهم وحركات اليدين والرأس. لم أستطع أن أكون خطيبا للأسف، جربت الخطابة وكنت متواضعا في ذلك، لا الصوت ولا الهيأة يمنحانني مؤهلات الخطيب المفوّه.
مشهد ما بعد الحرب يبدو جميلاً، لم أشعر بالقتامة تخيّم على منشورات الناس في الفيسبوك، صحيح أن هناك دمارا وشهداء وجثثا وأنقاضاً إلا أنها لم تجعل المشهد قاتماً. الحرب قاسية، لكن ليس لها قدرة على كسر الإرادة. فلم تتعامل الناس بسوداوية مع تلك المشاهد، بل كان الأمل بازغاً من بين تلك عشرات الصور والمنشورات.
يوم الخميس قبل الإعلان عن وقف العدوان، يأخذنا أنا وزميل لي حديث الحرب إلى ما يقوم به الاحتلال من بطش وهدم البيوت والأبراج السكنية. أخذني الحديث وتشعب. توقفنا مليا عند دلالة "هدم البيت" ماذا تعني؟ إنها لا تعني مالا، ولا مجرد تشريد، إن البيت هو المأوى والمستقر، هو الأمن والأمان، هو المكان الوحيد الذي تكون فيه صادقا مع ذاتك، متجردا من كل أقنعتك، هو المكان الوحيد الذي تدخله، فتشعر أنك في ملكك، البيت ليس مجرد جدران أربعة، لذلك فإن الإنسان يترك شيئا من روحه ونفسه وجسده في المكان الذي يألفه ويعيش فيه. الإسرائيليون عندما يهدمون البيوت، لا يقصدون تشريدنا وتعذيبنا فقط، إنهم يقصدون تجريدنا من هذه الخصوصية وهذا الملك، ويقتلون أجزاء منا يدفنونها تحت الأنقاض من المستحيل أن تعود. من فقد بيته يفقد كل شيء!
البيت- يا عزيزتي- علامة حضارية وعلامة تمدّن، لذلك عرف البشر تطورا عمرانيا في زخرفات البيوت، منازلنا هي الجنات على الأرض، ليس كأهل البادية الذين لا يرتبطون بالمكان إلا بقدر ما فيه من عشب وماء فلا يبنون بيوتاً، فإذا نضب الماء وانتهى العشب رحلوا فعلاقتهم بالمكان علاقة آنية مرحلية، دون ألفة ودون ذكريات في الغالب، ليس كمن ولد في منزل وعاش فيه عمره كله. المنافي لا تصنع بيوتا والتشريد لا يصنع بيوتا، لذلك يستميت المحاربون في الدفاع عن بيوتهم، فاحتلال البيت معناه القضاء عليك لتصبح كائنا لا إنسانيا من وجهة هؤلاء المجرمين.
نحن الفلسطينيون علاقتنا مع البيوت علاقة طويلة، حمل الأجداد مفاتيح البيوت عند التشريد، لأنهم كانوا يعتقدون أن أجزاءهم الباقية في تلك البيوت في مأمن ما دامت المفاتيح في الأعناق. مات الأجداد وهم يتوقون للرجوع إليها، بل إنهم لم يشعروا بالاستقرار وكانوا على قلق وهم في منافيهم. يقفز إلى ذهني قول درويش عن تلك البيوت الذي يفكر فيها أصحابها الذين هجّروا منها قسراً: لماذا تركت الحصان وحيداً؟ / لكي يؤنس البيت، يا ولدي/ فالبيوت تموت إذا غاب سكانها".
لا شك في أن لديك الكثير من الأفكار حول البيوت وأهميتها، ولن أسترسل حتى لا أشعرك بالملل. لعلك الآن تستذكرين كل تلك البيوت التي سكنتها في الغربة، وفي الوطن قبل الغربة وبعدها. أظن أننا من الأجيال التي تحب البيوت كثيرا، ولنا فيها حكايات وقصص، في الشتاء وفي الصيف وفي النهار وفي الليل. فأجمل مكان في العالم بالنسبة لي هو بيتي، ولولا دواعي العمل لا أفكر بالخروج منه مطلقاً.
أشعر أحيانا أن علاقتنا ناقصة، فلا بيت لنا سويا نمارس فيه شهوتنا كما ينبغي. غرف الفنادق ليست بيوتا صالحة للحب وممارسته، إنها مكان عابر ليس لنا، سينام على الفراش ذاته بعدنا، كما نام قبلنا العشرات بل ربما المئات، ولم نكن حريصين على أن نترك شيئا منا فيها، بل إننا نكون في أشد الحرص على تجريد المكان من كل ما يعلق به منا. نخرج من الغرفة ونغلقها وكلنا يغادر معنا. أو يموت على أبواب تلك الغرف. كأنّ شيئاً لم يكن، لم تكن تعطينا غرف الفنادق شئياً سوى الألم، لأن ما بعدها الفراق واللامكان. لم أعد أتذكر أرقام تلك الغرف. ألم تلاحظي معي، إنهم يختصرون الغرفة برقم، ونحن إذاً كنا النازلين بتلك الأرقام أرقاماً مثلها، تترجم عند إدارة الفندق أجرة وعدد نازلين لا شيء غير ذلك.
كم أشتهي زيارة بيتك، ورؤيتك فيه غزالة تمرحين، تأخذين زينتك وحريتك دون أي أقنعة، كنت غبيّا عندما أتيحت لي الفرصة لأكون في بيتك ولم آتِ إليك. أعرف أنني أيضا خسرت شيئا مهما، فلم أتذوق إلى الآن طعامك الذي تعدينه بخبرة ربة بيت ممتازة. طعام الفنادق والمطاعم ناقص لا روح فيه، لم أكن أجد فيه لذة الطعام المعد بيتيا، يغيب عنه ذلك النفَس الذي كانت تعنيه أمي عند حديثها عن إعدادها للطعام. ولولا أنك معي لما استطعت أن آكل بلذة وشغف. لم أعد أتذكر طعم وجبة أكلناها سويا، وما أكثر تلك الوجبات! وما أقلّ حضورها في الذاكرة!
كل شيء في البيت له مذاقه الخاص حتى الضحكة لها رونق خاص، والنكد له شكل خاص، والعصبية لها مزاجها الخاص. يا ليتنا في البيت الآن وليكن ما يكون! فلو كنا في بيت واحد لم يطل غضبك كل هذه المدة. أرأيت كم يخسر المحبون عندما يخسرون بيتا يضمهم، ويضمد جراحهم، ويداوي أوجاعهم، ويبدد غيوم غضبهم.
أستمحيك عذراً، لقد شعرت بالتعب فجأة، وانقبض قلبي وأريد أن أتوقف عن الحديث، فقد صار الحديث موجعاً، ولا طاقة لي على احتمال الألم.
أخيراً أقول: لعلنا نلتقي...
تحياتي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.