يقولون أن ما بين العبقرية والجنون شعرة صرخ الدكتور صفى الدين محمد فى المريض الجالس أمامه ولكنك حقيقة لا تراهم إنها تخيلات يصنعها عقلك المريض، رد المريض بكل ثبات لا يا دكتور أنا أراهم وهم كائنات لطيفة تتحدث إلى ولكنكم لا تستطيعون أن ترونهم، حاول الدكتور صفى الدين أن يتمالك أعصابه مع هذا المريض العنيد، ثم قال ببطء وهو يضغط على الحروف حرفا حرفا ولكن هذا بالضبط هو تعريف الهلاوس البصرية والسمعية، أن تبصر أو تسمع شيئا لا يدخل فى نطاق إدراك الآخرين من البشر، صمت المريض لفترة حتى ظن الدكتور صفى الدين أنه أقنعه، وقبل أن يستدير ويغادر الغرفة تكلم المريض قائلا دكتور صفى الدين هل تذكر الميكروسكوب ؟ نظر إليه الدكتور صفى الدين دون أن يجيب ، فأكمل المريض " هل كان الطب يدرك بوجود هذه الكائنات المسماة البكتيريا ؟ وهل كانت تلك الكائنات الدقيقة تدخل فى إدراك البشر فى ذلك الوقت؟ " اتسعت عينا الدكتور صفى الدين وقد بدأ يدرك قوة منطق محدثه، ثم أجاب بعصبية ولكن كل المراجع الطبية وكل العلماء........ بادله المريض نظرة...... توقف الدكتور صفى عن إكمال كلماته..... ثم قال " حسنا..... صف لى بالتفصيل وجهة نظرك" ثم مط شفتيه ورفع حاجبيه وهو يقول " ربما". إلتقط المريض الغامض نفسا عميقا وقد شعر أنه إكتسب حقا فى ان يتم الاستماع إليه، وربما بعقل مفتوح ثم تمتم مخاطبا نفسه "ربما تكون هذه هى فرصتى الآخيرة". "تحت ضغوط معينة يتعرض لها الانسان ينهار النظام الكيميائى الاساسى للمخ ومع هذا الانهيار تبدأ كيمياء أخرى فى الظهور كيمياء موجودة ولكنها مطموسة مخفية موجودة منذ قديم الأزل فى كل أجسامنا ولكننا كبشر لم نكن نعرف عنها شيئا ، هذه الكيمياء ستغير كل مفاهيم الاحساس عند البشر وعندما تعمل ستغير نظرتنا للعالم الخارجى سنسمع مالم نسمع من قبل ونرى ما لم نرى من قبل. ستنفتح احساسينا وسيدخل نطاق ادراكنا عوالم اخرى لم نكن ندرك انها موجودة". سترى كائنات بعضها نورانى وبعضها سوداوى ، كائنات اعتادت أن تراك ولا تراها ، ستتعجبان فى البداية لرؤيتك إياهم ثم سيحاولون التواصل معك، لأنك ستصبح من تلك القلة الفريدة فى الجنس البشرى التى تراهم، وربما -فى يأس- سيحاولون إرسال رسالة ما من خلالك إلى الجنس البشرى. ولن يمر وقت طويل قبل أن يحكم عليك بنى جلدتك بالمرض النفسى ومن ثم بالعزلة، وأخيرا سيبدأون قسرا فى العبث فى نظام عقلك الكيميائى بالكهرباء أحيانا أو بأدوية تذهب العقل بالفعل لأنها ستفقدك وللأبد النظام الكيميائى الوحيد المتبق ، فتصبح بالفعل مجنونا بلا عقل. دكتور صفى الدين لقد عملنا سويا على مر عشرون عاما فى هذه المهنة، إن كان هناك شخص واحد على سطح الأرض يمكنه أن يتفهم هذا الكلام فهو أنت. توقف الدكتور هشام سرى عن الحديث برهة ، نظر الدكتور صفى الدين بريبة عبر الحدقة المتسعة للدكتور هشام وكأنه يدلف إلى أعمق أعماق عقله، وقد راوحت أحاسيسه بين التكذيب و التصديق، بين طب تقليدى تربى عليه على مر نصف قرن من الزمان وبين كلمات صديق عمر يعلم جيدا رجاحة عقله ويعلم خطورة مرضه. قلقد نجح الدكتور هشام سرى فى زرع الشكوك بداخلى ، فحديثه بالرغم من غرابته ، لا أستطيع نفية نفيا قاطعا ، ولا أستطيع تأكيده. دخل الممرض المسئول عن إعطاء الدواء للدكتور هشام ، ثم قال مخاطبا الدكتور صفى الدين "وقت دواء الدكتور هشام يا سيدى" ، صمت الدكتور صفى الدين وهو يتنقل بعينيه فى شرود بين الدكتور هشام وبين الممرض، طالت لحظات الصمت، وكأن الممرض قد أدرك بخبرته الطويلة أنك هناك قرار ما يعتمل بصدر الدكتور صفى الدين، قرار يطل برأسه ولا يخرج. أشار الدكتور صفى الدين للممرض بالإنصراف، ثم إلتفت إلى صديق عمره الدكتور هشام سرى والدموع تترقرق فى عينيه "غدا سأقدم تقريرا عن حالتك فى إجتماع الهيئة العليا للأكاديمية الطبية" . الخميس 25 نوفمبر 2017م نقر رئيس الهيئة العليا للاكاديمية الطبية سطح المنضدة ثم أعلن القرار بعد جلسة تاريخية استمرت 8 ساعات استمعوا خلالها للدكتور هشام والدكتور صفى الدين وصفوة علماء الطب فى البلاد " قررت الأكاديمية الطبية العليا ولأول مرة فى تاريخ الطب تشكيل لجنة طبية على أعلى مستوى وعمل فريق علمى لدراسة إمكانية أن تكون الهلاوس البصرية والسمعية لدى المرضى النفسيين هى نوع من التواصل الخارق نعجز عنه عامة البشر لظروف كيميائىة خاصة تحكم وتتحكم فى أحاسيسنا وإدراكاتنا" " رفعت الجلسة". دكتور حسام الزمبيلى نيو أورلينز – الولاياتالمتحدة الثلاثاء 19-11-2013م