كهربا يقترب من العودة للدوري المصري.. الغندور يكشف التفاصيل    تامر أمين: حادث سيارة الفتيات بالواحات يكشف عن أزمة أخلاقية عميقة في المجتمع    إنقاذ سيدة حاولت إلقاء نفسها أمام القطار بمحطة مترو الدقى    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    أمينة الفتوى توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    جراحة دقيقة تنقذ أنف طفلة من تشوه دائم ب"قها التخصصي"    مصور واقعة "مطاردة فتيات الواحات" يكشف كواليس لم ترصدها كاميرا هاتفه    الهباش: قرار وقف الحرب بيد الإدارة الأمريكية وإسرائيل تهدد استقرار المنطقة    ربع مليون متظاهر في تل أبيب يطالبون بوقف الحرب على غزة والإفراج عن المحتجزين    الزمالك يعلن تفاصيل إصابة دونجا    سكك حديد مصر تسيّر القطار الخامس لتسهيل العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    4 ملايين خدمة صحية مجانية لأهالي الإسكندرية حملة 100 يوم صحة    4 ملايين خدمة صحية مجانية لأهالى الإسكندرية ضمن حملة 100 يوم صحة    مقتل شخص في انفجار حزام ناسف يرتديه في حلب    وزيرا خارجية السعودية والإمارات يبحثان هاتفيا المستجدات الإقليمية    محمود سعد عن حالة أنغام الصحية: قد تحتاج لتدخل غير جراحي    صور | «العمل» تجري اختبارات للمرشحين لوظائف بالأردن في مجالات الزراعة    إطلاق حملة «إحنا مصر» لترويج وتعزيز الوعى السياحى لدى المواطنين    جامعة بورسعيد تطلق مبادرة كن مستعدا لإعداد الشباب لسوق العمل    الدقهلية: إغلاق مطعم عز المنوفي بالمنصورة لممارسة نشاط بدون ترخيص ومخالفة الاشتراطات الصحية    الرئيس.. من «جمهورية الخوف» إلى «وطن الاستقرار»    تحصين 41.829 من رؤوس الماشية ضد الحمى القلاعية بالإسماعيلية    إغلاق 8 مراكز غير مرخصة لعلاج الإدمان والطب النفسي بالجيزة (تفاصيل)    بعد الانخفاض الأخير.. سعر الذهب اليوم الأحد 17-8-2025 وعيار 21 الآن في الصاغة    جولات تفقدية لرئيس مياه الشرب والصرف بأسوان لمتابعة المحطات والروافع في ظل ارتفاع الحرارة    «البترول» تواصل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر أغسطس 2025    عبد اللطيف منيع يعود للقاهرة بعد معسكر مكثف بالصين استعدادًا لبطولة العالم المقبلة    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    جامعة المنصورة تُشارك في مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الطلاب والخريجين    حلاوة المولد، طريقة عمل السمسمية في البيت بمكونات بسيطة    التشكيل الرسمي لمواجهة تشيلسي وكريستال بالاس في الدوري الإنجليزي    وزير السياحة: لن ننقل مومياء توت عنخ آمون إلى المتحف المصري الكبير    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    الثقافة تعلن إطلاق المؤتمر الوطني حول الذكاء الاصطناعي والإبداع    ريال مدريد يخطط لبيع رودريجو لتمويل صفقات كبرى من البريميرليج    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    توجيهات حاسمة من السيسي لوزيري الداخلية والاتصالات    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    رجيم صحي سريع لإنقاص الوزن 10 كيلو في شهر بدون حرمان    مقتل 3 وإصابة 8 آخرين في إطلاق نار بحي بروكلين بولاية نيويورك الأمريكية    اللواء محمد إبراهيم الدويري: أوهام «إسرائيل الكبرى» لن تتحقق وتصريحات نتنياهو تدق ناقوس الخطر عربياً    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    توافد الفنانين وأحباء تيمور تيمور على مسجد المشير طنطاوي لتشييع جثمانه| صور    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    قبل انطلاق الدوري.. الزمالك يدعم صفوفه في الكرة النسائية بعدة صفقات جديدة    مصطفى محمد يتصدر غلاف "ليكيب" قبل مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان    متحدث الأوقاف: 998 قافلة دعوية تستهدف الشباب فى مراكزهم لتصحيح المفاهيم    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اخلع أفكارك إنّك في حضرة الشِّعر!
نشر في شموس يوم 12 - 06 - 2020

أن تقدّم ديواناً للشّاعر يوسف الهمامي، فكأنّك تقرب الوحي وتلازم الأنغام العلويّة وتلامس الأسرار الأرضيّة. وفي ذلك تكمن صعوبة التّقديم لما يمتاز به الشّاعر من خصّيصة نادرة، ألا وهي التّماهي مع العالم الشّعريّ والانصهار به حدّ اعتلاء رتبة الشّاعر النّبيّ. فيخضع الشّاعر للشّعر/ الوحي ويستحيل شاعراً ولا يبقى عند حدود الصّياغة الشّعريّة.
يتجلّى الشّعر في ديوان "نشأة الظّلّ" إلهاً يوحي لشاعره الّذي اختاره من بين النّاس وانتزعه من بينهم ليكون رسول الشّعر والإنسانيّة معاً. فالقصائد في الدّيوان لم تُكتب لتعبّر عن جماليّة شعريّة معيّنة وحسب، ولم تترجم مشاعر الشّاعر وأفكاره ورؤيته وحسب. وإنّما القصائد أشبه بالسّرّ / Mystère؛ تستدعي القارئ ليتأمّلها ويحسّها عميقاً في داخله. فيستيقظ فيه الإنسان، ذلك الكائن اللّغز. ويتحرّك في أعماقه الحسّ الّذي يقود البصيرة إلى النّموّ تدريجيّاً مع كلّ قصيدة.
"نشأة الظّلّ"، ديوان (مشفّر)، أشبه برؤية تستدعي التّفكيك لبلوغ المعنى الأصيل في قلب الشّاعر. وقد لا يبلغ القارئ هذا الحدّ، لأنّه لا يرافق الشّاعر وحسب وإنّما يرافق وحيه. وبالتّالي فهو ملزم أن يذهب إلى الينبوع الّذي منه يرتوي شاعرنا.
العنوان إنسانيّ بامتياز، ويدلّ على إنسانيّة الشّاعر المتوغّلة في عمقه والمتفجّرة من قلبه لتحمل على عاتقها الهمّ الإنسانيّ. ما يظهر تفاصيل الشّاعر النّبيّ الّذي لا يلعب دور ناقل الوحي وإصلاح البشر، وإنّما الاشتراك مع الوجع الإنسانيّ:
إلاهي إني أحبّ ..
وإني أضيء للنّاس جميعاً
ماذا لو فقد النّاس يوماً ضيائي؟؟ (ص 7)
/
أنا الكليم ..
أخبّئ في الغاب غصّة شجرتي (ص 53)
سيأخذ الظّل أشكالاً متعدّدة، سواقٍ تصبّ في نهر واحد هي كينونة الشّاعر. وإذ كان الحديث عن شاعر نبيّ، فذاك يعني أنّ الشّاعر يتوغّل عميقاً في الألم بفعل الاشتراك بوجع الإنسان. كما يدلّ على تعريف خاصّ
للشّعر المرادف للنّبوءة؛ فالشّعر هو الّذي يتوسّط العالم العلويّ والعالم الأرضيّ. فكلّما تماهى الشّاعر مع الأرض والإنسان ارتقى إلى السّماء وأصغى أكثر إلى الوحي الّذي يقول. ألا يقول الشّاعر نفسه: "القصيدة الّتي لا تكتب شاعرها لا تستطيع الإنجاب"؟ وبالتّالي فالشّاعر يراعٌ في يد القصيدة تكتبه وتصوغه. والشّاعر قيثارة تعزف القصيدة على أوتارها الوحي/ النّور الّذي يتغلغل في نفس القارئ ليدلّه على الجمال.
الحقيقة تكمن في ما لم أقله... (ص 29)/ الحقيقة قطيع من الاحتمال (ص 33)
في قلب الشّاعر تكمن الحقيقة. وكأنّي به عاينها ويحياها، لكنّه لا يحتكرها بل ينقلها للقارئ شعراً. والقارئ الذّكيّ يستطيع سبر أغوار الكلمة ليتلمّس تلك الحقيقة. ذاك أبهى ما في الدّيوان. ما يدلّ على نقاء خاص، يلتقطه الشّاعر وينقله للقارئ تلقائيّاً. وسيتجلّى الشّعر النّبوءة في قصيدة (هوامش بوح) (ص33) لتتشكّل المقاطع ومضات نبويّة لا يبوح بها الشّاعر وإنّما ينقل ما باح به الشّعر/ الوحي.
يا أيّها الوضوح غيّبني
وطأة القلب في ما اعتلى
يا أيّها الغيب أنبئني
متعة الرّوح في ما لم أرَ.. (ص 34)
بالمقابل يرتسم في القصيدة مبدأ التّكوين الإنسانيّ للشّاعر، فيعود إلى أصوله الّتي هيّأها له الخالق من قبل إنشاء العالم. ما يعزّز مبدأ إدراك الشّاعر لكينونته ودوره في الوحي الشّعريّ، ومكانته من العالم.
انا انتظرتُ قبل ميلاد التّاريخ
قبل اندلاع الحياة بقليل من الموت
قبل القَبل (ص 35)
..
لكنّ الشّاعر لا يغفل عن أنّ كينونته ترتبط بالأنثى المتماهية معه حتّى تكتمل إنسانيته. وسيأخذ الظّل هنا معنى الاكتمال ليكون الشّاعر، بل لتتحقّق كينونته فيتحقّق الشّعر.
لا بدّ لي من ظلّ كي أراني
لا بدّ لي من أنثى كي أكون (ص 35)
تكوّن هذه الأنثى مع الشّاعر الصّورة النّهائيّة له، فهي ليست خارجة عنه، ولا جزءاً منه. وإنّما الاثنان متّحدان حتّى التحام الأنا- أنت، وانصهار الكينونتين لتصيرا كينونة واحدة:
أراك مع أطفال الكلمات
تضيئين من براءة يوسفك الأولى
تجمعين طيور الكون حول مائدة قلبي
وترسمين على ريشهم بماء الوحي العظيم (ص 49)
هذا الاتّحاد الضّمنيّ لا يحرم أيّاً من الطّرفين استقلاليّتهما ودورهما، وإنّما يحافظ على إشراقة كلّ منهما. فالشّاعر حريص على إبراز المعنى الاتّحاديّ المخالف للذّوبان بالآخر.
أنا – أنت
نحن ساقيتان تلتقيان معا
بين حقول الشّمس والحلم
قبل نهاية العالم برجفة واحدة (ص 51)
هذه الأنثى ليست مصدر إلهام أو وحي شعريّ. وهي المتّحدة به تشكّل سنداً يؤسّسان من خلاله درباً يقود إلى الله. وهنا ينكشف التّجلّي الصّوفيّ في الدّيوان. فالشّاعر النّبيّ لا بدّ أن يكون على علاقة حبّ بالله، وقد يتلمّس القارئ أنّ الأنثى في هذا الدّيوان رفيقة درب إلى الله: أريدك أكثر كي أقترب أكثر إلى ربّي.. (59)/ أنت اتّحادي العظيم في حضرة الرّبّ (ص 68).
/
سنتراءى معاً هناك
نصلّي بروح واحدة
خفيةً عن الأجساد (ص 78)
يعرف الشّاعر من هو من العالم ومن الملكوت. كما أنّه يعي أنّه مفعول به لا فاعل. ولعلّ قدسيّة القصائد تظهر هذا الأمر وتستبين للقارئ فرادة يوسف الهمامي الشّاعر الّذي بشعره يعرّف الشّعر الّذي من العسير تعريفه. ويكشف الدّيوان عن نقل الجمال الإلهيّ في سطور تقترب من القداسة لفظاً ومعنى. فإذا مرّ القارئ بها عليه أن يخلع أفكاره وهواجسه المضطربة لأنّه أمام نصوص نطقها الوحي فتجسدت الكلمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.