حين نسمع عن الشخصية القيادية قد يتبادر للذهن الشخص المناسب في المكان المناسب، أو ربما قوة ظاهرة في ملامح قاسية و كلمات صارمة و كاريزما. لكن لماذا كلما تعقدت أمور المجتمعات أصبحت الحاجة ملحة لوجود هذه الشخصية و هل حقا أصبحت نادرة الوجود؟ الشخصية القيادية، من منظور علمي، سمات عقلية معرفية وجدانية متوازنة. بحيث تعطينا هذه التركيبة شخصية فاعلة متفاعلة و المؤثرة و المتأثرة بشكل إيجابي واسع الآفاق، محبة للإطلاع تمتلك من سماحة الطباع و شهامة المواقف ما يجعل المرؤوسين يقدرون وجودها و يلجؤون إليها دون الشعور بأدنى تفرقة أو نظرة عنصرية أو جهوية. تسعى لتحقيق الأهداف، قوية الرؤى لا تركن للمراوغة، تعتمد النزاهة و صفاتها النبيلة تنعكس على تصرفاتها مع الغير، وكثيرا ما تكون قدوة للآخرين. تبث الأمان و تزرع الود و الإحترام لتنال التقدير بين مرؤوسيها، تفتح نوافذ الديمقراطية، تتقبل الرأي و الرأي الآخر، لا تتقمص أدوار الغير وكأنها “الحاوي” بألف مهنة. ويزيدها بريقا اعترافها بقيمة العاملين من أهل الاختصاص. بين واجبات رسمية و التزام بقانون المؤسسة والمجتمع و أخرى غير رسمية تقوم بها تكتمل ملامح الشخصية القيادية. و هنا تكمن قدراتها الخاصة و مواهبها الفذة في الاتصال والتواصل و الهدوء في مواجهة الأمور العاصفة وعدم المبالغة في التهويل أو التهوين. و هذا كله ينبع من معرفة و علم و إدراك بما يدور حولها بشكل واضح حتى يتسنى لها فهم طبيعة المشاكل و العوائق التي تحتاج حلولا وبأقصر الطرق و أقل وقت ممكن. الحاجة الملحة إلى الشخصية القيادية باتت من دواعي النهوض بالمجتمعات في عصر الثورات و الأزمات و الكوارث و أخيرا الأوبئة، فهي بحق عامل مساعد للوطن حتى يتخطى الحواجز الحائلة دون استمراره، و تكون عجلة أعماله أكثر إبداعا و توازنا مع غيرها من المجتمعات المتقدمة في عرض الحلول، متمكنة من إدارة الازمات بشكل احترافي و إمكانيات علمية منوعة ووضع سياسات و استراتيجيات للأنشطة في المؤسسات بشكل حديث و بالتالي النهوض بالمجتمع بأكمله من خلال مؤسساته؛ فمهما صغر حجم العمل أو وظيفته في المجتمع فالشخصية القيادية تمثله. و بهذا صار لزاما على الدول الأخذ بالمعايير و الشروط في اختيار الشخصية القيادية لاعتلاء منصب في إدراة مؤسسات الدولة و لا تكون بطريقة عشوائية عبثية نابعة عن مصالح و نعرات قبلية دون دراسة منهجية أو الرجوع إلى قوانين و استحقاقات يتطلع إليها الوطن و المواطن من خلال مؤسساته. و الذي حدث في ليبيا عام 2011 خير دليل؛ حيث تم الإقصاء بطريقة أدت إلى فوضى و فراغ في أغلب مرافق البلاد و ساعد ذلك عدم وجود قوة وطنية و ضياع هيبة الدولة التي تسيطر في مثل هذه الحالات. حيث كان يكفي أن تكون ضحية للنظام السابق لتكون أهلا لمنصب، و يكفي أن تكون مع النظام لتكون خارج الوطن. و بذلك أصبحت المسؤولية القيادية عبارة عن توزيع حصص بناء على اعتبارات فاشلة مما أدى إلى انهيار أكبر في أهم مؤسسات البلاد. و من هنا انطلقت المصطلحات و التفرقة و نسيان احتياج الوطن لشخصيات قيادية و النظر إلى سيادة الوطن أولا. حتى أصبحت دولة التغيير الشامل تعاني النقص في الشخصيات القيادية بين مفاصلها لسوء الاختيار و التقدير. فلم تسرق ثورة شعب و حسب بل سرق الوطن في جيوب القيادات الضعيفة وقاد البلاد من كان أولى أن يقادوا. كل هذه السمات آنفة الذكر هي قليلة في وصف الشخصية القيادية كما أوردها أهل الاختصاص، و دائما نقول لكن…. إن هذه الصفات بالإمكان اكتسابها مع التطوير و التدريب و الحرص على التغيير، و لا ضير أن تعيد حكومات الدول ترتيب القيادات الإدارية في الأماكن التي تعاني العدم، مع مراعاة بعض الصفات القيادية التي تؤهل لذلك، فحتى الأنبياء حين اصطفاهم الله عن البقية كان لهم صفات النبوءة.