أصبح العالم يسير على رتم المخاوف و تراتيل القلق و يكثف بطرق فنية بث أهوال متتابعة بين واقع و افتراض، فأضحى العالم كفيلم رعب كل فرد يقدم فيه مشهدا خاصا به بأفكار تدونها ذاكرته و أخرى لن تجد سبيلا للخروج من فرط سوادها. تصدرت مواقع التواصل الإجتماعي كعادتها خبر كورونا و تناولته من جميع جوانبه حتى أنها ربما تكون قد بالغت حين وصفته بالمؤامرة، لكنها رغم ذلك قدمت للمستخدمين كل ما يلزم، بينما تأخرت عن ذلك وسائل الإعلام التقليدية؛ التي ما أن تناولت زاوية من تفاصيل جائحة العصر حتى ركضت منافستها إلى أبعد من ذلك و جعلت مستخدميها ينتظرون نهاية الكون. لكن دعونا ننظر للكورونا من زاوية أخرى، ماذا لو اعتبرناه رحمة من حيث الإبتعاد عن ضجيج الأعمال و ازدحام الشوارع و اختناق الروتين المكتض إلى براح الوقت و الساعات الإضافية المغرية لذوي الإهتمامات الخاصة كمحبي القراءة مثلا، و الهوايات التي لم نجد لها الوقت في الأيام التي خلت من شبح الكورونا. فلا ننسى أن نيوتن حين كشف سر الجاذبية كان في المنزل أثناء تفشي الطاعون عام 1665. و من إيجابيات كورونا انخفاض التلوث البيئي، و أصبح العالم كله من متقدم و متأخر هدفه الفتك بالعدو الخفي الذي حاصر الجميع دون استثناء. الآن الإنسان كعادته على مر العصور له من الإرادة ما تمكنه من اجتياز أصعب المراحل و أقساها و هي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة أن تجتاح الأزمات و الكوارث الطبيعية صفو الأرض قاطبة، فلا نتفاجأ حين نرى الشعوب تأخذ التدابير الوقائية لحماية نفسها و الغير دون انتظار مؤسسات الدولة، ليثبت الإنسان مدى ثقافته و إمكانياته لتحمل الظروف و إدارة أزماتها بقوة الإيمان. ما يبدو ظاهريا أنه سيئ، يظهر أن به شيئا من الخير، كقصة سيدنا موسى و العبد الصالح في سورة الكهف. ألم تجمع جائحة كوفيد 19 الإنسانية جمعاء و لفتت انتباههم لقيمة الحياة و عدم الإستهتار بما يحدث و مد يد العون للآخر و الدعاء له بالسلامة. أي شعور إنساني دفين أيقظ السكينة في المنازل و الشوارع، العالم يتفق بالأمنيات غاضين الطرف عن الأديان و الأعراق و.. و.. و..و. حتى الجنازات التي شاهدناها عبر الشاشات المختلفة دعينا لها المغفرة والرحمة و يكاد يصلنا رضاهم حين تم حجرهم عن محبيهم موقنين أنه سر الحياة الإنسانية و ليس العدم. كورونا يعري الأنظمة و يهتك ستر بعض الدول من حيث مستوى القدرات من جانب و أهمية الإنسان المواطن، ومن جانب آخر فقد تداخلت الأمور عند بعض الدول و حارت مراكبها. فلماذا إذا لا نعتبره فرصة للسلام؟ و لتكن أتت بها السماء بين شعوب تتحارب و أخرى تتناحر، لكنها لم تجد من ينتهز الفرص للرجوع خطوة للوراء. من الأشياء الجميلة التي أحدثها كوفيد 19 أن تشاهد الشرطة تعزف و تغني تحت بيوت مواطنيها في الحجر الصحي، و أن يقوم شاب مغربي و يكبر و إذا بالحي كله يرد بصوت واحد خلفه. ناهيك عن أصحاب التندر و الرأي القائل أن شهر ديسمبر القادم سوف يمتاز بكثرة مواليده، إذ أوجد هذا الرأى الرغبة للدراسة من قبل الجادين، و بالطبع سيرجعونها إلى الكورونا و الحجر الصحي.