(الشعر وانواعه ) اما في بداية القرن العشرين فقد تغيرت الامور وطبعت بطابع التحرر والانطلاق والدعوة الى الثورة على كل ما خلفه الاستعمار من اوضاع ومفاسد. وطبع الشعر بطابع التجديد فتوسعت افق افكار وخيالا ت اغلب الشعراء بعد اطلاع بعضهم على الاداب الغربية والعالمية والتأثر بالشعر العربي القديم الذي بدأ ينتشر من جديد في ظل حركة ادبية بدأت تتحرك وتتحرر لتشمل كل البلاد العربية تقريبا ومن الشعراء من اوجد شعرا جديدا فتحرر من قيود القافية كما هو الحال في الشعر الحر الذي ظهر حديثا في الشعر العربي ومنه هذه السطورللشاعر بدر شاكر السياب : بابا .. بابا.. ينساب صوتك في الظلام إلى كالمطر الغضير ينساب من خلل النعاس وأنت ترقد في السرير من أي رؤيا جاء؟ أي سماوة؟ أي انطلاق؟ وأظل أسبح في رشاش منه، أسبح في عبير أن أودية العراق فتحت نوافذ من رؤاك على سهادي كل واد وهبته عشتار الأزاهر والثمار كأن روحي في تربة الظلماء حبة حنطة وصداك ماء أعلنت بعثي يا سماء : هذا خلودي في الحياة وكذلك اطلاع الشعراء العرب على الفن المسرحي الغربي اوجد الشعر التمثيلي وهو محاكاة للمحادثة في القديم كما في شعر عمر بن ابي ربيعة في الغزل وغيره كثير . فالشعر الموزون المقفى ويدعى بالشعر التقليدي او الشعر العمودي لانه تقليد للشعر القديم وامتداد له وكذلك اطلق عليه بعض النقاد (الشعرالتقييدي ) لانه مقيد بالوزن والقافية . فالشعر التقليدي هو هذا الشعرالموروث الذي نظم على موسيقى بحر معين من البحورالشعرية الستة عشر ولزم روي واحد وقافية واحدة فالقصيدة فيه وحدة متماسكة من حيث البناء كانها بيت واحد واغلب الشعر العريي الحديث من هذا النوع يقول شوقي : ولد الُهدى ، فالكائنات ضياء وفم الزمان تَبَسُّمٌ وثناءُ الروح والملأ الملائك حوله للدين والدنيا به بُشراء والعيش يزهو، والحظيرة تزدهي والمنتهى والسِّدرة العصماء والوحي يقطر سلسلاً من سَلْسَلٍ واللوح والقلم البديع رُواء يا خير من جاء الوجود تحية من مرسلين إلى الهدى بك جاءوا يومٌ يتيه على الزمان صباحُه ومساؤه بمحمد وضاءُ ذُعِرت عروش الظالمين فزُلزلت وعلت على تيجانهم أصداء نعم اليتيم بدت مخايل فضلِه واليتم رزق بعضه و ذكاء يا من له الأخلاق ما تهوى العلا منها وما يتعشق الكبراء لو لم يُقم دينًا ، لقامت وحدها دينا تضيء بنوره الآناء زانتك في الخُلُق العظيم شمائلٌ يُغري بهن ويُولع الكرماء يا أيها الأمي، حسبك رتبةً في العلم أن دانت بك العلماء لقد حافظ الشعراء على اصالة عمود الشعر العربي وموسيقاه واوزانه وسيبقى كذلك عمود الشعر مهما اختلفت الاغراض والفنون الشعرية واساليب الشعراء وهو الذي له القدح المعلى والجو الانسب على امتداد الوطن العربي لان الاذن العربية جبلت عليه واستساغت سماعه وموسيقاه واستسمجت كل انواع الشعر الا اياه ومن هذاالنوع من الشعرهذه الابيات للشاعر انور العطار :- انا الفاتح السمح منذ القدم ولولاي كان الوجود العدم نشرت على الكائنات الضياء وانقذتها عن عوادي النغم وتراءى لي الوطن المستثار وقد عانق السيف فيه القلم وما الخلد الا اعتناق السيو ف وخوض الحتوف وصب الحم أما الشعر التمثيلي فهو فن طارئ على الادب العربي اقتبسه العرب نتيجة اتصالهم بالغرب وتاثرهم بهم من خلال البعثات الثقافية والترجمة واطلاع بعضهم على ما يجري او يعرض في المسارح الغربية فقد اطلع الشعراء العرب على حركة المسارح الغربية وما يعرض فيها مما كتبه الادباء الغربيون من مسرحيات شعرية مثلت على المسارح فاقدم البعض من شعرائنا على محاكاتهم بدافع حب التشابه فنظمت مسرحيات تمثيلية شعرية باللغة العربية نظموها شعرا اونثرا . وقد نجح هذا النوع من الشعر في اول بداياته الا انه ركد اومال الى الركود مع مرورالزمن وقد كانت اغلب الروايات الشعرية مستقاة مادتها من التاريخ ومن اشهر من كتب في هذا النوع من الشعر واوجده من الشعراء احمد شوقي وعزيز اباظة من مصر و خالد الشواف من العراق وغيرهم . وهذا مقطع من مسرحية – كليوباترة – شعر احمد شوقي :- تتأمل كليوباترة في وجه الجريح – كليوباترة : اه نطونيو حبيبي ادركوني بطبيب ماترون الارض تروى من دم الليث الصبيب ابتي اين قوى طبك والسحر العجيب هو في اغماءة الجر ح فنبهه بطيب هو يفتح عين يه ويصغي لنحيبي اما النوع الاخر للشعر العربي فهو الشعر الحر او شعر التفعيلة وفيه يعتمد على تفعيلة واحدة من التفاعيل الحرة من الاوزان الشعرية التي اوجدها الخليل الفراهدي البصري وذلك بتكرار هذه التفعلية في السطرالشعري بما يتمم المعنى دون النظرالى الوزن على ان لا يقل السطرالشعري عن تفعيلة واحدة ولا يتجاوز التسع وكذلك وجد من شعراء المهجر من دعى الى الثورة على العمود الشعري القديم المتمثل بالقافية الواحدة والبيت الشعري الواحد المتكون من شطر وعجز في تنسيق متسق وبحر واحد أي متساوي التفاعيل الوزنية في البيت الواحد في الشطر افي العجز و موحد الموسيقى الشعرية للبيت الواحد بحيث تكون كل القصيدة مهما طالت ذات تفاعيل محددة الوزن ضربها الموسيقي واحد لا تخرج عما رسمه الشعراء العرب منذ عصر الجاهلية الى اليوم فدعوا الى التحرر من هذه القيود فنظموا شعرا خرجوا فيه عن هذا المالوف في الوزن الموسيقي للشعر العربي وكذلك لم يلتزموا بالقافية الواحدة في القصيدة وتحررمن القافية الوزن فقيل له (الشعرالحر) مع العرض ان كثيرا من قصائد الشعرالحر التزمت التفعيلة الواحدة في النظم فسمي ( شعر التفعلية) والاخر لم يلتزم بتفعلية ولا روي ولا قافية فسمي بقصيدة النثر حيث انه اقرب ما يكون اليه . فالشعر الحر اشبه بثورة على الشعر القديم او الشعر العمودي في بناء القصيدة فتخلص مريدوه من نظام الشطر والعجز وابتعدوا عن النظم بالعمود الشعري المتسق المتناسق في البناء وظهرت منازعات بين رواد الشعر العمودي ( التقييدي ) الذين اعتبروا الشعر الحر ضرب من ضروب النثر وانه نقص في شاعرية الشاعر او في اذنه الموسيقية اخرجته عن المالوف وبين رواد الشعرالحرالذين يعتبرون الشعر الحر من متطلبات العصرالحديث يقول الشاعر صلاح عبد الصبور وهومن اوائل رواد الشعرالحر : جنوب .. ياجنوب يامرتع الظباء ياموئل الحبيب يازهرة ً فواحةً تحبها القلوب جنوب أرضك كالجنان ملأى بأنواع الحنان وثراك مسك أدفر ورباك من حب الجمان والناس في صحرائك كالورد في الروض المصان ومن المعلوم ان ترد المعاني على ذهن الشاعر كما ترد على ذهن أي إنسان اخر الا أن استقبالها عند الشاعر وانفعاله بها وانعكاسها على نفسيته وتفاعلها في شعوره واحساسه يختلف اختلافاً كبيراً عما عند الآخرين . وتعبير الاديب عنها يختلف عن تعبير الاخرين لانه يمتلك ذوقا وحسا اغنى مما يمتلكه الاخرون في هذا المجال و يستطيع بهذا الاحساس وذلك الذوق ان يلبس هذه المعاني الواردة اليه ثوبا قشيبا وحللا من الجمالية لا يستطيع سواه ان ياتي بمثلها و يتم له ذلك من طريق مقدرته على اختيار اللفظة المناسبة ذات الجمالية الاسمى والتآلف بين الحروف بما يمكنه من اختيار التعبير الاقرب الى النفس والاعم والاشمل والافضل فتاتي هذه الصورة الشعرية رائعة بجماليتها وانتقائها وهذا ما يؤكده قول الجاحظ رحمه الله : ( أن المعاني مطروحة في الطريق وإنما الشأن في صوغ القالب اللفظي المعبر عنها) . فشعراء العصر الحديث ورثوا تركة شعرية مهدمة في بنائها فنزعوا عنها ما رث وقدم والبسوها الافضل والاسنى وصاغوا تراث العصور المتهالكة او المظلمة قبلهم بما يلائم العصرالحديث واستعان متأخروهم بمعاني ما قرأوه من آداب الأمم فجاءت معانيهم اسمى في الجمالية والجودة . وربما تناول الشعراء المعنى التافه وربما تناول أحدهم المعنى المبتذل فطوره في اسلوبه فالبسه الجدة والجمال وليس المهم أن تكون المعاني جديدة انما ربما يكتفي الشاعر بتناوله المعنى القديم فيجلوه في تعبيرجديد ويلبسه ما هو اسنى وافضل وفي ذلك اقول : وشذى القداح في اغصانه فتضوعت اجواؤه بأقاح وتجملت اوراقه ببياضه فتعانقت انداؤه بصباح فعطوره اخاذة لقلوبنا مثل الفرات فياضة بصراح وعلى الغصون تفرقت حباته اوراقه اشو اقنا بنجاح حتى كأن الطير يهمس شوق فتغردت اصواته بصداح * * * امير البيان العربي د. فالح نصيف الكيلاني العراق- ديالى – بلد روز