سبق وأن تحدثت في مثل هذا الوقت من العام الماضي، عن نفر من الكتاب الكويتيين «الرزينين»، ممن لا يلح على ذهنهم لدى «تحبير» أي نص لعمل تلفزيوني، سوى حروف أسمائهم المنقوشة من غير تعمق ولا جدية في مقدمة المسلسل وكأنها عنوان رنان. وليس من شك في أن هذا النفر، لا يلحون على الأذهان بتاتاً، ولا تستحق أعمالهم الوقوف أمامها ولا تحليل دلالاتها، وذلك أولاً من باب رخص علاقتهم بالكلمة، وثانياً من مبدأ «طوف... فلا حياة لمن تنادي»! وأكون كاذباً لو قلت اني أنتقد هذه المجموعة بسهولة، ولكن ماذا عسانا نفعل، وقد تهافتوا لأجل المال، واعتمدوا على مغازلة مشاعر الجماهير، وإثارة غرائزهم، وتحشير أعمالهم بالعواطف المسفة، وغير البريئة دونما ضرورة درامية! لكن هذا المبدأ، لا يمكن بطبيعة الحال تبنيه مع عمل بحجم مسلسل «عمر»، حيث عودنا فريق العمل بقيادة المخرج حاتم علي، على الرصانة، والوعي الثقافي، والذوق الإخراجي السليم، وفاجأنا أيضاً هذه المرة بالتجرؤ على الاقتراب من منطقة محظورة، والسير في حقل الألغام! بالتأكيد لن نجرؤ على تناول «عمر» بالتحليل العميق، باعتبارنا شاهدنا منه ست حلقات فقط، ولكن نود التنويه أولاً بمستوى الديكور، والأزياء، والموسيقى التصويرية، ثم نعرج إلى البوح بوجود تذمر راهن من مطاطية الأحداث، وغياب الفكرة الرئيسة، والافتقار لوحدة الأضداد! بكل صراحة، هناك تخوف من متابعة عمل سفسطائي، أقرب ما يكون إلى الشقشقة، التي لا نأمل أن يقع العمل بفخها! نعم... نحن هنا أمام سرد لسير ذاتية، ولكن علينا أن نعي أن التناول الحرفي لحياة الأشخاص، مهما علا مقامهم لا يخلق في الدراما إلا الثرثرة، ورغم أنه لا يجوز أن نعمم الأحكام على عمل ما زال في بداياته، فإنه يجوز القول ان الأفكار السيئة، في الدراما كما في الحياة، لا تنتج إلا عملاً سيئاً، وحينما تقف الحلقات الست الأول عند نقطة واحدة (مكة والإسلام) فكيف للعمل أن ينمو، ويتحاشى «الرغي»، ونتساءل على الفور، كيف للمخرج أن يتجنب الثرثرة؟! إن المخرج في هكذا ظروف، يكون كمن يُخْرِجُ الحلقة تلو أخرى، وكأنه بكل صراحة لم يخرج شيئاً؟! بكل بساطة... كل المؤشرات الدرامية تشي حتى الآن بأن الحلقات الست الأوائل مجرد كلمات براقة، وتقليب للصفحات، وخطب رنانة، ومواعظ، لا صلة وثيقة تربطها بالدراما! بل إن الأدهى والأمر، هو التكرار الخاطئ لذات الهفوات التي يقع فيها أغلب كتاب الأعمال التاريخية للشاشة الفضية العربية، حيث ان العمل يفتقر أولياً إلى ما يعرف بال Orchestration أو ما يمكن أن نطلق عليه تنسيق الشخصيات؛ ونعنى بذلك ألا تكون شخصيات العمل في خيرها وشرها من عجينة واحدة، حيث يعاب على العمل في حلقاته الأولى، أن شخصياته نمطية، وتدور حول نفسها... أو بمعنى أدق تتكلم ولا تعمل! بالطبع، وُفق المخرج في أغلب اختياراته، على مستوى البعد الجسماني والكيان الاجتماعي للشخصيات، من حيث طول قامتها، ولون جلدها، وأناقتها، وكل ما يتصل بحالتها العضوية، لكن أغلب الشخصيات الرئيسة ما زالت على المستوى الدرامي خامدة! في الدراما عموماً، يمكن القول، انه كلما كان الخصوم بالقوة نفسها، كلما كان ذلك في مصلحة العمل، ولهذا السبب كان المشاهد يتابع رائعة حاتم علي في رمضان 2000 «الزير سالم»، كمن يتابع ملاكمة حماسية نشبت بين خصمين متساويين في قوتهما وعنفوانهما (وهما الزير سالم وجساس بن مرة)، ولذلك جاءت المتعة الدرامية في قمتها! كانت العلاقة بين سالم وجساس كعلاقة الحرب، أو لنقل كعلاقة كريات الدم البيضاء بالأمراض المعدية، حيث لا حياة لأحدهما إلا بموت الآخر، وهذا ما يفتقر إليه مسلسل «عمر»، ونحن لم نيأس، ومازلنا بانتظاره! نحن في «عمر» حالياً، كمن يشاهد معركة بين رجل قوي وآخر هزيل لا حول ولا قوة لديه... فهل جبل المشاهد على الرغبة في متابعة هكذا نزال؟ بالطبع لا! المسلسل في بداياته... وقد نبدو متطرفين في الاستنتاج من ست حلقات، لكن المخرج رصين، وهذا ربما ما يبرر قسوتنا! ولأننا نتوخى من العمل الكثير، فإننا لا نستطيع أن نكتفي بهز الرؤوس! المصدر : جريدة الراى الكزيتية