أكتب إليك من مدينة تشبهك, تشترك معك فيَّ لطالما نافستك عليَّ, مدينة لها خصوصية في كلّ شيء, طبيعتها, وماؤها, وهواؤها, ونساؤها؛ لكنّك تفردت عن سائر نسائها, فكنت المرأة التي توحّدت بشخصيتها في نفسها, فهل ذلك سرّ تميّزك؟ شبيهتك اليوم يكسوها ثوب الحزن, ويملؤها العشق الصّوفيّ المحكوم عليه, إمّا بالإعدام أو بالسّجن المؤبد؟ تُراك تتنعمين بمنفاك لآخِر دقائق في عمر عشقك, أم علّك ترحّلين إلى زنزانة انفرادية داخل سجنك, فالمحكوم عليهم بالإعدام يُسألون عمّا تشتهيه أنفسهم وعن آخر أمنية لهم, أمّا أنتِ فقد تطلبين المستحيل العقلي كي يوضع بين يديك...؟ إذا كان سجنك لن يطول, وقيودك لن تدوم, فكيف تستسلمين للجلاد ليصادر جسدك بسوطه؟ كيف ترضخين للزّمن الذي نقش رواسبه على تضاريسك, فما كانت الطبيعة لتخضع يوما لقوانين البشر... ها هي الذاكرة تعود بنا من جديدة إلى الزّمن الجيولوجي القديم, قبل نحت صخور أبيّة عصيّة, ألانتها قسوة الزّمن ومحنه المتتالية, فمن قال إن كثرة المحن تقسي القلب؟ أفي الطبيعة سرّ لم نفقهه بعد؟ ستظلين المدينة المتفردة بسحرك, الشامخة المتربعة على عرشك, وإن استدار الزّمن بأهله فإن نقوشا على صخرك ستبقى أبد الدّهر ما بقينا, وإنّ الطبيعة ستشهد على كلّ وطأة قدم على أرضها ما حيينا, فكيف لمخلوق أن يتدخل في خلق الخالق؟ أنتِ مدينة لم تسكن من قبل, مدينة مهجورة بأهلها, مدينة خالية بسكانها, مدينة لا تقبل لإعمارها إلا من تحبّ, يالك من مدينة ليست ككل المدن...