مقتل 45 شخصا على الأقل جراء صراع عشائري في الصومال    استشهاد 3 فلسطينيين وإصابة آخرين جراء استهداف طيران الاحتلال لشقة في غزة    عدلي القيعي: قيم ومبادئ الأهلي «مش رص كلام»    ياسر إدريس: لا ينقصنا لاستضافة الأولمبياد سوى إدارة الملف    طارق سليمان: كنت مع مشاركة شوبير في نهائي إفريقيا على حساب الشناوي    اندلاع حرائق جديدة في إسرائيل    نشوب حريق فى سفينة جراء قصف صاروخى جنوب شرق عدن باليمن    ضبط مصري يسرق أحذية المصلين بمسجد في الكويت وجار إبعاده عن البلاد (فيديو)    بيان من الجيش الأمريكي بشأن استخدام الرصيف العائم في تحرير رهائن إسرائيل    مع بدء رحلات الحج.. خريطة حدود الإنفاق الدولي عبر بطاقات الائتمان في 10 بنوك    جامعة العريش تطلق مبادرة شاملة لتأهيل الخريجين لسوق العمل    خبير مائي: سد النهضة على وشك الانتهاء من الناحية الخرسانية وسيولد كهرباء خلال سنتين    عدلي القيعي: إمام عاشور «حاجة فاخرة».. ورد مفاجئ من ميدو    «هيكسروا الدنيا».. سيف زاهر يكشف ثنائي جديد في الزمالك    العثور على رضيعة داخل كرتونة بجوار مسجد ببني سويف    استمرار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس المتوقعة اليوم    "جميلة" يفتتح عروض المهرجان الختامي للفرق على مسرح السامر (صور)    «القومى للمسرح المصري» يحتفي بدورة «سميحة أيوب»    بعد انخفاضه.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 9 يونيو (آخر تحديث بالبنوك)    أبو عبيدة: الاحتلال قتل بعض أسراه في عملية النصيرات .. وحماس :مقاومتنا لا زالت تحتفظ بالعدد الأكبر    طارق قنديل يتحدث عن.. سر نجاح الأهلي ..البطولة الأغلى له.. وأسعد صفقة بالنسبة له    البروفة الأخيرة قبل يورو 2024.. إسبانيا تسحق أيرلندا الشمالية وديًا    "نيويورك تايمز": قنبلة أمريكية صغيرة تقتل عشرات الفلسطينيين في غزة    لميس الحديدي توجه رسالة للحكومة بشأن قطع الغاز الطبيعي عن مصانع الأسمدة    عاجل - تصل ل44 درجة.. تحذير خطير بشأن حالة الطقس.. والأرصاد تحذر المواطنين    إصابة 6 أشخاص في تصادم سيارة وتروسيكل بالإسماعيلية    مصرع طفل عقب تعرضه للدغ عقرب فى جرجا بسوهاج    السعودية تبعد 300 ألف شخص من مكة لعدم حملهم تصاريح الحج    النديم: 314 انتهاك في مايو بين تعذيب وإهمال طبي واخفاء قسري    ليلى عبداللطيف تتسبب في صدمة ل أحمد العوضي حول ياسمين عبدالعزيز (فيديو)    نزار جمعة فى ندوة وداعا جوليا: نحن جيل ضائع والفيلم يلامس الحقيقة بطريقة مؤلمة    ما أهم الأدعية عند الكعبة للحاج؟ عالم أزهري يجيب    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بعيادة الجلدية ووحدة طوسون الصحية    أيمن موكا: الجونة لم يبلغني بمفاوضات الزمالك ولم أوقع    عقوبة تصل ل مليون جنيه.. احذر من إتلاف منشآت نقل وتوزيع الكهرباء    سعر الزيت والارز والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأحد 9 يونيو 2024    إزالة فورية للتعدي على الأراضي الزراعية بقرية بني صالح في الفيوم.. صور    حظك اليوم برج الجدي الأحد 9-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    يربط ب"طريق مصر أسيوط الزراعي".. صورة ترصد تطوير طريق أبو ربع في البدرشين بالجيزة    ما هي أيام التشريق 2024.. وهل يجوز صيامها؟    دعاء ثالث ليالي العشر من ذي الحجة.. اللهم بشرنا بالفرح    زراعة القاهرة تحصل على شهادة الأيزو لجودة المؤسسات التعليمية.. وعميد الكلية: جهد جماعي    وزير الصحة يتفقد مستشفى رأس الحكمة والضبعة المركزي بمحافظة مطروح    «تخلص منه فورًا».. تحذير لأصحاب هواتف آيفون القديمة «قائمة الموت» (صور)    اليوم، مغادرة آخر أفواج حجاج الجمعيات الأهلية إلى مكة المكرمة    قومي حقوق الإنسان يكرم مسلسل بدون سابق إنذار (صور)    انتصار ومحمد محمود يرقصان بحفل قومي حقوق الإنسان    وزير الصحة يوجه بسرعة توفير جهاز مناظير بمستشفى الضبعة المركزي    حظك اليوم برج العذراء الأحد 9-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج الميزان الأحد 9-6-2024 مهنيا وعاطفيا    تحرير 40 مخالفة تموينية فى حملة على المخابز والمحال والأسواق بالإسماعيلية    وزير التعليم الفلسطيني: تدمير 75% من جامعاتنا والمدارس أصبحت مراكز للإيواء    جامعة المنوفية تشارك في مبادرات "تحالف وتنمية" و"أنت الحياة" بقوافل تنموية شاملة    فضل صيام العشر من ذي الحجة 1445.. والأعمال المستحبة فيها    وكيل صحة الشرقية يتفقد سير العمل بمستشفى أبو كبير المركزي    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية الأزهرية بشمال سيناء    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة خلال مايو 2024    وزير الأوقاف: الأدب مع سيدنا رسول الله يقتضي الأدب مع سنته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تناص العتبات العنوانية داخلياً / سيميائية النص القناع
نشر في شموس يوم 18 - 06 - 2019


– دراسة تحليلية – …………..
في نص”سقراطُ يموتُ واقفاً !” للشاعر”عبد الجبارالفياض “
النص
*****
يبابٌ
يرقبُ غيمةً في ساعةِ طَلْق . . .
أقزامٌ
يقتسمون هواءَ المدينة . . .
تموجُ بما لم تألفْهُ من قبلُ أروقةُ المشائين . . .
من أينَ جاءَ هذا الدّميمُ بأتعسِ ما رأتْ عيونُ النّهار؟
يقلِبُ ما قد غارَ في جماجمَ مذ التصقتْ بها الأسماء . . .
قيّدوه . . .
إنًّهُ يُلقي الحَصى في بحيرةٍ راكدة . . .
يُفسدُ علينا ما نحنُ فيه . . .
لا تدَعوا لهُ قدَماً في مجلس
فانفاسُهُ غيرُ الأنفاس . . .
إنَّهُ ينتصرُ لدمامتِه
بخرقِ ما نراهُ جمالاً !
. . . . .
قُضاةَ القصر
بيدِكم تُستَلُّ من تحتِ لذتِها الخطيئة
يُدارُ دولابُ القَرارِ لبوصلةِ الشّرفةِ المُنيفة !
حيثُ الظّلامُ يصنعُ توابيتَ بلا أسماء . . .
مالكم
علقتُم الكلمةَ من ثدييْها
حتى تساقطَ لحمُها في أفواهِ السّفهاء !
كأنَّ الأمسَ روحٌ مقدسةٌ لا تُمسّ
تُحرقُ حولَها الفصولُ الأربعةُ بخوراً بترتيلةِ الوَلاء . . .
خذوا هذهِ التي أتنفسُ بها
لكنَّكم لنْ تأخذوا ما باحتْ بهِ لهذا الكون . . .
تبّاً لعصرٍ
يُخنقُ على الأشهادِ شاهدُه . . .
. . . . .
لم يعلُ الموتُ قامتَهُ القصيرة
اصطحبَهُ بثباتِ قِممٍ
يرتقيها
لكنَّهُ
يظلُّ بجوارِها مملوكاً . . .
يَسرُّهُ :
لا يليقُ بعظمتِكَ أنْ تكونَ تافهاً إلى هذا الحدّ . . .
بئسكَ أنْ تُسكبَ سُمّاً في قعبٍ من فخار . . .
أغلقَ عينيْه . . .
القابعون فوقَ التّل
ليسَ لهم أنْ يقتربوا من حافرِ بَغل . . .
ليتَّهم يغادرون خوفَهم قليلاً
ليروْا أنَّ الحرَّ حينَ يموت
يُكفَّنُ بورقِ الشّمس !
صرخةُ الأمواتِ
تسمعُها إذنُ الطّغاةِ فقط !
. . . . .
السُّمُّ
يرسمُ لوحةً مفتوحةَ الأبعادِ
تُرى بعينِ كُلِّ العصور . . .
ليسَ كوجهِ أثينا وجهٌ
تغادرُهُ كُلُّ الألوان جليداً أسود . . .
رجعتِ الشّمسُ إلى بيتِها بحفنةٍ من حزن . . .
كيفَ يُقشطُ ندمٌ تخثّرَ في حنايا مُعتمة ؟
لاتَ حينَ نَدم
فلا يُغفرُ لسهمٍ خرقَ حنجرةً
هتفتْ لانسانيّةِ الإنسان !
………………………
الدراسة
*******
لما كنت لااقول بانغلاقية النص ، او موت مؤلفه بعد فراغه من كتابته ، فقد انسقت وراء مابعثته في ذاكرتي بنية عتبة هذا النص العنوانية ( سقراط يموت واقفاً ) الموحية بإنسانية الثيمة ، من تداعيات قرائية لبعض آثار الكاتب الشعرية التي اطلعت عليها فإذاي اخلص الى انه قام بتناص داخلي ، بين هذه العتبة ، وعتبة اخرى موازية لها تركيبياً ودلالياً بعنوان ( السياب يموت غدا ) تعود لنص مخصوص الثيمة ، كان الشاعر قد كتبه سابقاً ، لتتشكل من هذا التناص ملامح نص غائب يشي بالمقاصد الحقيقية التي يضمرها ذلك النص السقراطي ،الذي سنشتغل على التعرف عليه في نهاية دراستنا ، ويتمظهر هذا التوازي العتباتي سيميائياً في عدة مستويات هي :
1 – مستوى البنية التركيبية لجملتيهما المتوازيتين فيما يلي :
– تماثلهما في الثبوت والديمومة والاستقرار، فكلتاهما اسميتان .
– تشابه عناصر بناء الجملتين في سياقهما التعبيري ، عددياً / ثلاث اشارات ، تسلسلياً و تراتيبياً / تجاورياً ( اشغالها ذات الموقع في الجملة ) ، وكما في هذه المقاربة الاسنادية لهما :
اشارة اسمية مسند اليها ( سقراط / السياب ) + اشارة فعلية مسند / يموت + الاشارة ( واقفاً / غداً ) اشارة قيدية تركيبية ( القيود : اشارات تحدد معنى الجملة ) مع وجود ( استبدال ) هنا .
– تماثل البنية الصوتية للاشارتين البؤرويتين ( سقراط / السياب ) ، على مستوى الوزن الايقاعي ، واصوات حروفهما الداخلية ، كما يلي :
– وزنهما الايقاعي :
سقراطُ / سيّابُ ( بعد حذف ” ال” التعريف كونها مزيدة ) :
كتابتهما عروضياً : سُقْرَاطُو / سَيْيَابُو ( فك التشديد )
تقطيعهما : متحرك / ساكن / متحرك / ساكن / متحرك / ساكن
الوزن : مفعولن
– اصوات حروفهما الداخلية :
سقراط ………: مهموس / مجهور / مجهور / مد / مجهور
سيّاب / سيياب : مهموس / مجهور / مجهور / مد / مجهور
2 – مستوى البنيتين النحوية والزمانية :
تطابقت الاشارتان البؤرويتان ( سقراط / السياب ) في نوع التعريف / اسمان علمان ، والموقع الاعرابي / كلاهما مبتدأ مرفوع ، خبرهما ذات الجملة الفعلية / يموت ، و مضارعية الفعل دلالة على استمرارية اثره في الوقت الحاضر مع انفتاحه على المستقبل .
3 – مستوى البنيتين الصرفية و الدلالية :
– سقراط : في سياقها المقامي / تاريخ الفلسفة :
بتكثيف رمزية الاشارة سقراط الفكرية و اشتغالاته الفلسفية : معارض لحكومة الطغاة والنبلاء الاثينية ( نسبة الى اثينا ) وديمقراطيتها المنحرفة ، بثوريته الهادفة الى تحرير العقل من الجهل و هيمنة الفكر اللاهوتي الغيبي ، فهما عنده سبب الاثام والرذائل ، وان الحقيقة وتحقيق العدالة والفضيلة انما تكون بالمعرفة والتخلي عن ماقبليات الاعراف والتقاليد البالية ، وكان ( الجدل ) سلاحه المبتكر والناجع في ميادين حواراته مع خصومه وحلقات دروسه يهد ويبني به الافكار والمعتقدات الجمعية ، حتى صار اكبر خطر يهدد شمولية عرش السلطة الحاكمة ، ومن تحالف معها من نبلاء ورجال دين ، فاتهمته بالهرطقة وافساد عقول الشباب والسخرية من قدسية الالهة فحكمت عليه بالاعدام بتناول السم ،
– الاشارة يموت : دالة فعلية ، مخادعة مضللة في حقيقة داليتها ، فحقيقة البنية الصرفية لفعلها الثلاثي المجرد مبنية للمجهول: مِيتَ ، لا مبنية للمعلوم / مات ،لأنه من الافعال المبنية لغير فاعل (على غرار : أُغميَ عليه ، جُنَّ ، وُلِدَ ، أُعدِم ..الخ ) ، وهذا يعني ان هناك فاعلاً حقيقياً متوارياً هو من يقررالموت ويقدّره على ( اخر ظاهر) في الجملة ظهوراً مجازياً ،فحين نقول مات فلانُ بالسيف : ففاعل وعلة الاماتة الحقيقي هنا هو السيف الذي سلب حياة ( فلان ) الذي توهمنا الفاعلية فيه لوروده مرفوعاً بعد الفعل ( مات ) ، واسناد فعل الموت الى مسند اليه متوهّم ماهو الا تساند غير حقيقي تآلفه الناس لكثرة استعماله ، وهذا الفاعل المتوارى ، اما ان يكون عاقلاً ( شخص ما / .الآمر بالإماتة ) ، اوغيرعاقل ( مرض ، حادث..الخ ) ، فما من كائن حي يملك ان يتحكم بفعل ( الموت ) تقديراً او تقريراً ، الا بأن يخرجه من لزوميته ، وتعديته بإحدى الصيغ الصرفية المعروفة كالهمزة الاولية ، فنقول مثلاً : أماتَ الجفافُ الزرعَ ، يُميتُ ) وهنا لابد ان تغدو جملة العنوان/ سقراط يُميتُ نفسَه واقفا ) وفي هذه الصياغة ضعف حبكة ، فإماتة النفس / كمدلول ، يدل عليه معجمياً الدال / انتحر ، فتكون الصياغة اللغوية الانسب / سقراط ينتحر واقفاً ، لكن استخدام الشاعر لصيغة المبني للمعلوم ( يموت ) عنوانيا ، انما كان بقصدية الايحاء ان سقراط هو من قدّر الموت على نفسه بشمم ( واقفاً ) حيث قام الشاعر هنا بالتناص مع قصدية واقعة الموت السقراطي ( تناول سقراط السم المميت ، رغم مااتاحه له طلابه وانصاره من اسباب الهروب من سجنه ، قاصداً تأكيد على ان الافكار السامية تستحق الاستشهاد دونها ) .
اما عتبة عنوان النص المتناص معه ( السياب يموت غداً ) : فهي ذات اشارات متعارضة ظاهرياً ، فالسياب كدال ، اشارة لها مدلولان :
إحدهما لغوي : لقب انسان ( بدرشاكر)، دميم قبيح الخلقة ، مات بايولوجياً ( غياب نهائي لوظائفه الجسمانية ) ، و غادر الحياة ( الغياب الجسدي ) ، منذ اكثرمن خمسة عقود خلت ، والاشارة الظرفية المستقبلية ( غداً ) تتعارض مع هذا المعنى زمانياً .
والآخرسياقي المقام : شاعرمبدع مجدد ( احدث ثورة ادبية بابتكاره الشعرالحر ) متعارض مع طغاة الحكام ، له رمزية و قيمة انسانية عابرة للزمن ( شاعر رساليّ متجدد الحضور ) ، وبالتالي تخرج الإشارة ( يموت ) ، من دلالتها التوقُّفية بايولوجياً للاجهزة العضوية للكائن الحي ، وانتهاء زمنه المعاش ) ، الى رمزيتها الايحائية التصوُّرية ( الموت المعنوي / تغييب / محو الأثر ) ، وهو هنا موت مؤجل بدلالة ( غداً ) ، إيماءة إيحائية ، بوجود إرادةٍ ما قضت بإنقبار وإمّحاء اثار الرمزية السيابية ، كقيمة ( إنساشاعرية ) وطنية ميتا زمانية ، من الذاكرة والحياة
( الثقافكرية) العراقية ، وهي إرادة ( اخر ) نافذ القرار سلطوياً ( فهو وحده من يقرر مصائر الآخرين ) و مؤدلجاً ظلامياً ( بدلالة قراره الإفنائي لآثار تلك الرمزية التحررية التنويرية ) ، شمولياً ( لأنه لايتقبل نقيضه وجودياً ) .
بذا يتحقق التوازي بين الاشارتين ( يموت ) في العنوانين المذكورين ، في تقابل ارادة ( الانا ) السقراطية ، وارادة الآخر ( الهو ) المار ذكره ، كما ان كلتي الاشارتين متعارضتا الدلالة :
دلالة الاولى / موت جسدي
والثانية / موت معنوي.
بذا فان التوازي ( السُّقْراسيابي ) على المستوى المعنوي المقامي يتمظهر كفكر حر انساني الثورة / خلق الحياة ، مقابل قداسة سلطة شمولية مؤدلجة / وأد الحياة.
والمقاربة التأويلية لهذا التقابل :
الموت ( السقراسيابي ) محض وهم يشيعه اعداء الانسان لسلبه ارادته بالتحرر من نير فكرهم الظلامي
فمن يصنع الحياة يُخلد في الذاكرة الانسانية ، على الضد ممن يئدونها ويفرغونها من معناها ، فستُمحى آثارهم من صفحات الزمن خلا السوداء منها ، ويطويهم النسيان .
نخلص من تحليلنا لمستويات التوازي بين العتبتين اعلاه ، الذي قارب الثماثل بين مركبات بنيتي جملتيهما ان يكون تطابقاً ، ان الشاعر تقصد التناص بينهما ، ليبعث رسالة خفية مفادها ان النص الحقيقي مغيًَّبٌ تحت سطح النص السقراطي (القناع ) ، كآلية ( اتقائية ) وقائية تصيب بعمى الالوان عيون الرقيب السلطوي المتلصصة على ما بين سطور كل اثر مكتوب ، فتلقي القبض على كل حرف او اشارة تشم فيهما رائحة تمرد او تتوهم تلميحاً بانتقادٍ او مسٍّ بجلال المؤسسة الحاكمة ، مما سيعود عليه ( اي كاتب النص المارق ) بعظيم الأذى وفادح الخسران .
ولما كان متن النص يفسر ويوضح دلالات العتبة العنوانية ويجيب عمّا تثيره من اسئلة كما يذهب (علم العنونة ) ، لذا فإن التناص بين عتبتي النصين المذكورين ، سيكون له تماثلاته المعنوية في الفضاء التعبيري بلْهَ ثيمة النص السقراطي ، حتى ليصح دلالياً تأويل اشاراته المحورية وثيمة مقاطعه ، بما يتسق مكزمانيا مع الهم السيابي/ العراقي الذي مازال مستمراً حتى اليوم ، ًذلك الهم الذي بسببه يسعى (الآخر المؤسساتي ) الذي عدَّه خطراً محدقاً بشمولية سلطته ، الى قتل / إماتة ، آثاره في الذات العراقية الواعية ً، وهذه التماثلات والتأويل هما ما انتجا النص الغائب ، الذي ضمنه الشاعر حقيقة فكرته السيابية ( رمزية الهم الوطني في الذات الواعية النازعة للثورة ) بعد ان كساه جلباباً سقراطياً تحاشياً للرقيب كما اسلفت ويتجلى هذا التماثل ( لن اشير للمقاطع السقراطية التلازم دلالياً فهي ذات قصدية قِناعية حسب) في الاشارات والثِّيَم المقطعية التالية :
– الدميم / ( من أينَ جاءَ هذا الدّميمُ بأتعسِ ما رأتْ عيونُ النّهار؟ ) : الدمامة صفة خَلقية ( سُقراسيابية ) مشتركة بينهما / توازٍ شكلي متماثل
– الثورة السقراطية على الجهل ( يقلِبُ ما قد غارَ في جماجمَ مذ التصقتْ بها الأسماء ) ، واثارة وعي الناس وحملهم على كسر جمودية التفكير( إنًّهُ يُلقي الحَصى في بحيرةٍ راكدة ) و التمرد على قديم الاحكام والقياسات الفكرية والجمالية (بخرقِ ما نراهُ جمالاً ! ) ، من خلال اتيانه ( بالجدل ) كآلية هد وبناء للافكار ، توازي الثورية السيابية في يسارية معارضته للحكم الشمولي ، و ثورته الشعرية على قيود العروض و اعلانه ولادة الشعر الحر.
– تماثل ثيم المقاطع السقراطية وقهرية الاخر المقابل لرمزية الهم السيابي :
أ- عصمة الجور :
( قضاةَ القصر
بيدِكم تُستَلُّ من تحتِ لذتِها الخطيئة
يُدارُ دولابُ القَرارِ لبوصلةِ الشّرفةِ المُنيفة !
حيثُ الظّلامُ يصنعُ توابيتَ بلا أسماء . . ).
ب – تغييب الوعي بإسم المقدس :
( مالكم
علقتُم الكلمةَ من ثدييْها
حتى تساقطَ لحمُها في أفواهِ السّفهاء !
كأنَّ الأمسَ روحٌ مقدسةٌ لا تُمسّ
تُحرقُ حولَها الفصولُ الأربعةُ بخوراً بترتيلةِ الوَلاء . . .)
ت – افناء الضديد :
( خذوا هذهِ التي أتنفسُ بها
لكنَّكم لنْ تأخذوا ما باحتْ بهِ لهذا الكون . . .
تبّاً لعصرٍ
يُخنقُ على الأشهادِ شاهدُه . . .
. . . . .
ث – خلود الفكر الثوري :
( لم يعلُ الموتُ قامتَهُ القصيرة
.ً……
…………….
يَسرُّهُ :
لا يليقُ بعظمتِكَ أنْ تكونَ تافهاً إلى هذا الحدّ . . .
……….
…………..
القابعون فوقَ التّل
ليسَ لهم أنْ يقتربوا من حافرِ بَغل . . .
ليتَّهم يغادرون خوفَهم قليلاً
ليروْا أنَّ الحرَّ حينَ يموت
يُكفَّنُ بورقِ الشّمس !
صرخةُ الأمواتِ
تسمعُها إذنُ الطّغاةِ فقط ! )
. . . . .
ج – جريمة المقابل للفكر الحر بحق رموزه لن يمحوها الزمن :
( لاتَ حينَ نَدم
فلا يُغفرُ لسهمٍ خرقَ حنجرةً
هتفتْ لانسانيّةِ الإنسان ! )
_ باسم الفضلي العراقي _


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.