في ليلة من الليالي المثقلة بهموم الحياة ...بعد طول نهار في كد وعناء ....آويت إلى فراش الراحة حاملا جسد التعب والهمّ إلى حين غفلة لنصبح على يوم جديد ومشروع تعب هو هو.. وتكرار لماضي واجترارا لالالمه التي أكلت آماله...آويت الى شريك متعب مريض منهك من نهار طويل ...تأملته مذاكرا ذكراه وذكرياته ...ثم أخذني الغيب فأبقى جسدي وأطلق روحي ...في تلك اللحظات التي ما جاوزت ساعتين من ليلة الاثنين ...ناداني مناد عنيد .. من وراء جدران البيت ...أنت أيها البيت الآمن النائم ...اخرجوا إلي مرادنا أعطونا من أتانا موعده...كرر النداء ذاك الصوت الأجش النكد بكل صلافته ...آه يا ربي ..اهو كابوس المنام الذي يطل علي أحيانا من غير موعد ضاغطا الروح والجسد ...آه ربما هو ...فلتعد للنوم وتطرد ذاك الكابوس المقيت ...لكن الصوت استمر بالصراخ والصراخ يعلو ويدب فين حولي ويهز النفوس ...إذا هو ليس بكابوس أو أضغاث أحلام بل هي الحقيقة قد تحسبها بعيدة أو تحسب نفسك عنها شريدة ؟؟؟ هزّني الموقف ..أيقظ كل خلايا جسدي فليس الآن من فرار إنهم آتون ...وليس هناك من عمل والآن ولات حين مناص ..إن حملت شيئا عليك أو حُمّلته بدقائقك الأخيرة فقد صار ...أو اُخذت كما أنت فلن يغن عنك الكثير ...أخذوني أولئك الغرباء سحبوني من بين أهلي وبيتي ...تركت الدنيا وزينتها والاحبة والأهل والبيت ...بكوا عليّ تشبثوا في ّ..لا لا ..لا تتركنا ..اتركوه وشأنه دعوه لنا ...لماذا هو ..ليس يومه ..ما لكم وشأنه ...لم يردّوا ولم يلتفتوا ..إنهم مأمورون ..هدفهم واضح صيدهم بين أيديهم.. لا عودة .. لا خطأ ..لن تنفع شفاعة ولا أهل ولا مال ... حملوني في ذاك الحامل الغريب الرهيب في صمت مطبق ..في لحظات ترقّب ..أحان وقت السؤال ،أهذه ساعة الحق والمفاصلة ، أين السائلون وماذا سيسالون ...وما بضاعتي وما أعددت لهذا اليوم ...إني الآن موقن أني سأرى عملي بين يدي ..الآن يتمثل الماضي فتعيشه اللحظه وتستفز الذاكرة الحافظة لن يكون نسيان ..وان نسيت ذُكرت ..وان تجاهلت أُعلمت ...وان ترددت دُفعت ... سينفعك زادك الآن ...سيُسعفك خزائن القلب إن أحسنت خزينه وأبقيت سنبله ...سيعينك قلبك العامر بالقران وسيحيا فيك ويُحييك..ستنفلت عقال المؤمنات المثبتات ..ستسكن الجوارح إن كانت صالح عملها ...وسبرها اليقين وأغطها الأنين في خوالي الأيام ...ولكن ..إن لم تجد فهيهات هيهات ...واثكلاه وواحسرتاه إن لم تجد في مخزونك معادن وفي خزائنك الثقيل القوي الذي يتجاوز عوائد الدهر فلا يعفيه او يفنيه ...فما يغنيك حب المال وكثرة قيل وقال ...أو ينفعك ما تسمّن به هوام الأرض ودوابّ آثامها ..إن كنت قد أعددت طعام دابة الأرض فقد سمنتها لتأكلك وتفزعك وتستفز مضجعك .. وسرت محمولا وعن غايتي جهولا ...ولمن حولي منكرا مفزوعا ...تُرى أيا من عملي سيغلب اليوم ...وماذا سيختار هؤلاء مني ..أثمّ تريث ورحمة وحفاوة وألفة ..ام أن هناك الهزة بعد الهزة ..ولمزة وغمزة ..ودعّ وشدّ بلا عزّة ... يسير فيّ الموكب ويشق الطريق بين كل ما عرفت والذي إذا به يوما مررت ..مشيت معهم أو جلست ...لكنهم الآن عني سامدون وفي حالهم لاهون ..واليّ منكرون والى ما آلت إليه حالتي مقرّون ...الله في تلك اللحظات اليتيمة ،وفي ليلتها البهيمة ،ظلام ساكن وإبصار واهن ،الكل من حولك على حاله كما اعتاده ...إلا أنت لك حال أو مقال جديد وأصبحت في عالم آخر .. الآن انتظر هنا .. في محطتك الأولى ..وكن على استعداد ،واعدّ بداية الجواب ،سنبدأ بك وعليك التعارف ،وفتح السجلات والمعارف ..فجلست في سكون ، مترقب محاولا أن افهم ما أنا فيه ..ومنصتا لكل فيه ...لكني عاجزا عن استكناه خوافيه ..لكن لحظة ...ذاك صوت اعرفه ..وهنا كلام كنت قد سمعته ..وحال ومقال أراه من حالي ومآله كمآلي .... لست وحدي إذا ..فمن حملني حمل غيري .. ومن حشري هنا قد اسبقني غيري ..إلا ان لكل واحد فينا كتابه ..وكلنا ذاهب إلى ملفه لوحده ليفتحه ويتدارسه ويتذاكره ...لكن الله الله انهم حقا معرفتي إنهم أناس آنس بصوتهم واحيا بدندنتهم ..وتُذهب خلساتهم وحشتي ..انهم لي أقرباء ..وفيهم صدق الأصدقاء ..وخلة الأخلاء ..رحماك يا رب ..فهؤلاء عون وسعة بدل الخوف والنزاع والشتيمة .. هي خاطرة خطها قلمي حول ليلة اعتقالي من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي ...من لحظة الاعتقال مرورا بمراكز التوقيف والتحقيق ومن ثم السجن مع الأحباب ...لحظات وجدت نفسي في رحلة أشبه برحلة الموت والانتقال إلى عالم البرزخ ،فالسجون وبالذات عند الاحتلال هي عالم قائم بذاته وفيه شبه كبير مع عالم الموت والأموات ،فمن يشاهد جدران السجن من الخارج يراها ساكنه وادعه ليس فيها حراك ،بينما تضم هذه الجدران عالما فيه أناسه وقوانينه وعلاقاته وحياته الكاملة... ليس السجن فقط عالما يذكرنا بالآخرة ..بل هو النوم الذي يغلبنا في كل يوم ...فنترك الدنيا ونفارقها إما لساعات النوم وإما للآخرة بلا رجعة ... من منا يتعظ ومن منا يتفكر في النوم وأسراره وآثاره ...إن النوم يحييا فينا كل يوم ... ويذكرنا بالموت مرارا ...لكن هل أحيينا في قلوبنا هذه المعاني وهل فهمنا رسائل النوم ..وأخذنا منه عظة واعتبارا ...وصدق الرسول عليه السلام بمعنى الحديث (لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون).