الخوف يقتل الحياة بلاغ للنائب العام دون طلب تحقيق( هو إحنا بنتفتش ليه ؟!! )..الجملة الفاهمة الثائرة الغاضبة القاتلة التي خرجت من بين شفتيَ الشاب الشهيد خالد سعيد .. والتي كانت الشرارة التى أشعلت ثورة شباب مصر وأيدتها كافة طوائف الشعب المصري .. هذا الشعب الذى كتب عليه ان يخرج من سجن الى سجن بسبب بعض أبنائه الذين أعماهم الطمع والجشع عن أداء رسالتهم التي استأمنهم الشعب عليها ..فنسوا انفسهم وعاثوا فساداً فى كنانة الله على الأرض بالاستيلاء عليها ومحاولة تبوير نهضتها وتاريخها إقتصادياً وإجتماعياً وثقافياً لصالح مفاسدهم الشخصية واللاأخلاقية..خدعنا الاعلام أيضاً بتصوير الشاب خالد سعيد أنه كان شابا فاسداً غارقا فى المفاسد والمخدرات..هذا الاعلام الذي لايعرف القائمون عليه أنه اصبح كل شئ فى حياة الناس..وأنه سيكون مقدمة أي حروب عالمية ساخنة تأتي فى السنوات القادمة..ثم نكتشف أنه كان بريئاً من التهم التي ألصقوها به.. ذكرتني جملة هذا المظلوم خالد سعيد بجملة مماثلة قلتها ذات يوم أسود من عام 1974 لضابط شاب مستخدماً حقى كمواطن فى التعرف على شخصية من يواجهني طالباً تفتيشى أو سؤالى كمسئول من النظام الأمنى.. خاصة أنه كان يرتدي ملابس مدنية ( قميصاً وبنطلوناً مشمراً أكمام القميص ) وذلك عندما استجبت لإستغاثة من أمى (رحمة الله عليها) لتخليص إحدى الجارات من أيدي أناس يعتدون عليها أمام منزلها وفى عدم وجود زوجها.. أسرعت بملابس المنزل (البيجاما) أستطلع الأمر..فوجدت رجلاً ضخماً يرتدي جلبابا ويحاول أن يجذبها بعنف وقسوة..ولم أكن فى هذا الوقت أعلم سبباً لهذا الموقف.. خلتها في بادئ الأمر( خناقة ) عادية بين أسرتها وآخرين.. والناس يقفون يتفرجون على مايحدث دون تدخل من أحد..لكنى فوجئت وأنا أحاول منع الرجل من جذب السيدة بيد تمسكنى من الخلف وتجذبنى بقوة وصاحب اليد يطلب منى أن ( أكلم سعادة الباشا الظابط)..كان ثمة شخص يقف بعيداً عنى عدة أمتار ورأيته واقفاً..ظننته لأول نظرة عابر سبيل كالآخرين وقف يشاهد مايحدث..توجهت معه إليه فوجدته هو نفسه من ظننته عابر سبيل ممسكاً بخيزرانة فى يده ولايبدو عليه أنه أحد رجال الشرطة..وسالته : - حضرتك ضابط شرطة ؟ - أجابنى بتهكم وسخرية : - ايوة ياخويا .. – - ممكن من فضلك الكارنيه ؟ .. نظر إلى بضيق وغيظ وأخرجه بسرعة من جيبه ثم أعاده فى لحظات دون أن أتمكن من النظر فيه مستغرباً ومستثقلاً أن أطلب منه تحقيق شخصيته..اعتذرت له بأدبٍ مع إقراري له أنى لا أعرف أنهم يقومون بمهمة شرطية رسمية – كما قال لى- لهدم ( العشة ) التي بناها زوج هذه السيدة على شاطئ البحر لتربية بعض الحيوانات..اعتذرت له عن ذلك لأتركه يكمل ما أتى من أجله..لكنى فوجئت برجلين من المخبرين يمسكان بى من ذراعى وهو يأمرنى قائلاً :( إمشى معاهم يالا ) .. لم أصدق ما يحدث..كابوس..عائد من كتيبتي منذ ساعات قليلة من السويس فوق جبل عتاقة بعد إنتهاء الحرب..أحلم مع غيرى ببعض الراحة وبالحرية والديمقراطية وحق الانسان فى حياة حرة كريمة خاصة بعد إنتصارنا العظيم ..ظننت الحياة ستكون حلوة..وأنه آن الأوان لقطف ثمار الإنتصار على إسرائيل..لكن بدا لي والحال هكذا أن بعض المسئولين فى وادٍ والبعض الآخر فى وادٍ آخر.. تجمع حولى عدد من المخبرين وإقتادونى بطريقة مهينة وقاسية بين أهل قريتى إلى خارجها محذرين أى مواطن من المشى خلفهم..لكن شقيقتي الصغرى ظلت تسير خلفى متحدية تحذيرهم - وكانت صغيرة لم تتجاوز بعد المرحلة الاعدادية - الى أن تجاوزنا حدود القرية فى الغيطان والحقول ..وسعادة الضابط يوجه لي أسئلة سخيفة من نوعية ( إنت بتشتغل إيه يالا ؟) متهكماً ومتوعداً ومنذراً بتأديبى وتعليمي كيفية التعامل مع سادتى..ولما وجد إجاباتى لا تشفي له غليلاً الهبنى في الطريق ضربا بخيزرانته من الخلف بينما يمسك بى ثلاثة من رجاله المخبرين خوفاً من هروبى منهم..وقد كنت بالفعل أحاول الهرب إذا ماتخلى أحدهم عن الإمساك بمعصم يدى لأقفز فى البحر..ولثقتى انني سوف أرى منهم قسوة شديدة وعنفاً..وكأنهم قرأوا مايدور فى عقلي فوضعوا القيود الحديدية فى يديَ واقتادوني كمجرم ضالع فى الإجرام إلى قسم شرطة مدينة مجاورة تابعة للمركز بعد أن أوسعوني ضرباً فى الطريق بطريقة لا يصدقها أحد مما جعل شقيقتى تصرخ وتبكي وتعود لنقل صورة مارأته الى أمي وأسرتي.. داخل القسم تجمع حولى معظم المخبرين والعساكر الموجودين للخدمة الليلية وتناوبوا الضرب مجاملة لحضرة الضابط الهمام (وفين يوجعك)..حتى أصبحت لا أرى أمامي أو حولي أى صورة..لا أشخاص..لامكاتب ..لاجدران .. حرروا محضر الضبط والقيد فى يدي ثم طلبوا منى التوقيع عليه..وعندما رفضت إستمر الضرب والركل والإعتداء بكل الطرق المتاحة..وحيال هذا العنف وقعت المحضر..ثم فكوا القيد من يدي بعد التوقيع ووضعوه فى قدميَ ودفعوني الى غرفة الحجز..إن نسيت كل أيام وسنوات عمرى فلن انسى هذا اليوم وأمى – رحمة الله عليها -- تمسك بقوة حديد شباك الحجز الصغير وهى تبكى بحرقة ولوعة وتطلب مني أن اسامحها على طلبها مني مساعدة الجارة مؤكدة انها لم تكن تعلم حقيقة ما يحدث لجارتها أو من هؤلاء الناس الذين يتعرضون لها وما هي هويتهم.. نقلوني فى اليوم التالي إلى مركز الشرطة الذى مكثت فيه يومين أخرين بهدف تخفيف آثار الضرب على وجهى قبل عرضى على النيابة -- خاصة بعد أن عرفوا أني مجند بالقوات المسلحة وأنني كاتب روائي – من أحد أصدقاء الضابط من أهل القرية..حيث كانت قد صدرت لى روايتي الأولى (عندما يأتى الليل)..ثم حولونى بعد ذلك إلى النيابة العسكرية بعاصمة المحافظة والقيود فى يدى..وفى السيارة التى ركبتها مع الحرس إستطعت أن اقرأ المحضر..وتأكدت أنهم لم يتركوا خلفهم ثغرة واحدة..وما إن شاهد وكيل النيابة العسكرية آثار الضرب على جسدى بعد ان خلعت له ملابسى ومرور ثلاثة أيام على الضرب إلا وأصابه الإنزعاج الشديد وصرخ فى وجهى يسألنى عمن فعل ذلك بى طالباً منى الانتظار قليلا خارج المكتب..وفى الغالب كان يجرى إتصالا لصالحى..لكن على مايبدو كان الأمر أكبر من قرار فى يده .. خاصة وأن المحضر كان قد تم ( تستيفه بمعلمة ) بحيث لاتكون هناك ثغرة واحدة للفكاك ( مثلما توجد ترزية للقوانين يوجد أيضاً ترزية للمحاضر المشبوهة )في عالم الأمن المشبوه..تم الإفراج عنى بضمان تحقيق شخصيتى العسكرية..ثم بعد ذلك تمت إحالتى إلى المحاكمة العسكرية بمحكمة السويس العسكرية والتى بدورها وإستناداً الى المحضر المعروض أمامها حكمت بحبسى لمدة شهر عقاباً لي على أنى عملت ( فتوة ) خارج الحياة العسكرية .. كانت كتيبتى كلها تنتظر عودتى بالبراءة..لكن خاب ظنهم وظن قائد الكتيبة الرائد محفوظ والذى كان يثق فى سلوكي ويؤمن ببراءتي..وإن نسيت أيضاً لن أنسى غضبه على هذا الحكم الذى إستند الى وقائع ملفقة..وأقسم أمام جميع الجنود بعدم تنفيذ الحكم عملياً وعدم دخولى السجن ولو ليوم واحد.. بل أكثر من ذلك أطلق سراحى خارج الكتيبة لكن على مسؤليتى الشخصية لثقته فى براءتى.. أتذكر هذا لنتعلم درس حياة..وليتنبه رجال الأمن ألى أن الظلم لايصنع قائداً ناجحاً..وأن الله لايترك الظالم..ففى اليوم الثالث للقبض علي..كان هذا الضابط فى طريقه إلى مدينة ساحلية ومعه فتاة لاتمت له بصلة..إنقلبت سيارته.. ماتت الفتاة..وحدث له إرتجاج فى المخ إقعده تحت العلاج شهوراً طويله.. ولا حول ولا قوة الابالله العلي العظيم.. تحية ودعاء بالرحمة للشاب خالد سعيد..ولكل الشباب والشابات والأطفال الذين صعدت أرواحهم الى السماء من أجل أن يحيا الشعب الذى ظلمه حكامه وإستباحوا لأنفسهم دمه وأمواله..ونداء من القلب والعقل إلى كل رجالات الأمن أن يراعوا الله فى أعمالهم وعلاقاتهم بالمواطنين .. واذكرهم أنه اذا كان الاطباء ومساعدوهم هم الأمناء على صحة الناس بما يمكن أن نطلق على تسميته ( الأمن الطبى )..فان الشرطة ورجالها مسؤولون أمام الله والوطن عن ( الأمن الشخصى والنفسى ) وحسبنا الله ونعم الوكيل فى معالي الوزير حبيب باشا العادلى وزبانيته الذين ظلموا هذ الشعب وعطلوا مصالحه وأقضوا مضاجعه ولم يحترموا آدميته وإنسانيته وساهموا فى نهب ثرواته ليشبعوا ويجوع الشعب صاحب السلطة والثروة والصبر الكبير والطويل.. واقترح على الأحرار الإكتتاب لإقامة تمثال لمعاليه (بدون رأس) يتم وضعه فى ميدان التحرير ألى جوار نصب الشهداء ليترحم الناس على الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداء للشعب والوطن ويقرأون الفاتحة..ويصبون جام الغضب على من أشعل النار وأطلق الرصاص على الأبرياء وكلابه وذئابه على شعب ظل يتمنى وينتظر عام الرخاء الذي أعلن عنه الرئيس الراحل أنور السادات بعد نصر أكتوبر..ولم يأت حتى الآن إلا للسادة الرؤساء وذويهم..والوزراء ومحاسيبهم..ورجال الأعمال وحوارييهم..وعلى من على شاكلتهم.. من حق هذا الشعب أن ينعم بثروته التي حباها الله له..وأن يحيا ويعيش مع باقى شعوب العالم فى سلام..........والسلام على المستقبل القادم إن شاء الله يحمل رياح ونسائم العدل والحرية..والله أكبر وتحيا مصر وقواتها العسكرية ..