و طرب زمان و اللى راح يجمعنا تانى فى سماع المحطات الاذاعيه المنتشره و خاصة اذاعة الاغانى عندما يتنافس الموهوبون والمبدعون , تزدهر الفنون والثقافة , بعكس تنافس آخر يتجه للتدمير وينطلق من الغيرة القاتلة والكراهية للآخر الفني , بهدف نسفه تماماً وإبعاده عن ساحة الفن إن لم يكن نفيه من الحياة نفسها . قول للزمان ارجع يا زمان – راح يرجع وهذه حكايات الفن وأهله والتى لا تنتهي ً , فهي تملك جاذبية محبوبة تشد الناس إليها , خصوصاً إذا كانت متعلقة بشخصيات حفرت في دفتر الفن علامات ومسارات عميقة , ان الموهبة والابداع والتألق مثل مجموعة الكواكب والنجوم التي تمتد من منيره المهديه ونادره امين وفتحيه احمد وأم كلثوم حتى وقتنا هذا , مع ذكر العشرات من المؤلفين والملحنين والمطربين في عصور ذهبية شهدت انطلاق الحياة الفنية والتنافس بين كبار على التفوق والانفراد بالساحة .ومن طبيعة الفنان حرصه على التفرد والبقاء على قمة الشهرة , لا ينافسه فنان آخر مهما بلغت عبقريته ونجاحه ونفوذه . والتنافس يفيد الفن , مثلما يفيد الأدب والابداع بشكل عام . والعصر الذهبي للغناء والموسيقى الذي ارتبط بالقاهرة , يحفل بعشرات بل مئات الحكايات والقصص والمعارك الفنية , التي تعطينا صورة عن حياة خصبة تتألق على ساحة نجوم تتنافس وتتعارك , وأحياناً يفلت منها العيار فيدوي بشكل سلبي , عندما يتجاوز السباق الفني معناه وأغراضه ويتحول إلى غيرة تتجه إلى التدمير واثارة معارك ضارية . وكانت مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات وحتى الستينيات , وكانت قفزة الفن الموسيقي والغنائي والسينمائي , وقبل أن تهب موجة الانحسار والفقر والتراجع وظهور موجات أخرى , لا علاقة لها بهذا الازدهار الجميل , الذي ظل ينمو منذ بدايات القرن الماضي ويصل إلى أعلى مراحله في الخمسينيات ثم بعد ذلك في الستينيات , حتى تأتي السبعينيات فترخي الستار على حقبة عظيمة , هي عصر الفنون الذهبي لأحقاب عاشت على أرضها نجوم مثل أم كلثوم , محمد عبد الوهاب , فريد الأطرش , فايزة أحمد وهدى سلطان وكارم محمود وعبد الحليم حافظ . وشهدت هذه الفترة الجميلة تألق جيل ما بعد محمد عبد الوهاب , ومنهم ابداعات احمد صدقى وعلى فراج وعبد العظيم عبد الحق وفؤاد حلمى ويوسف شوقى محمد الموجي وكمال الطويل ثم بليغ حمدي , وقبل فترة تألق محمد عبد الوهاب كان هناك محمد القصبجي والشيخ زكريا أحمد وقبلهما كان سيد درويش ومجموعة شيوخ الألحان والأوتار الذهبية . وهل يمكن تجاهل ثراء هذه المرحلة , التي امتدت بهذا العمق تعزف على أنغام الفن ألحان الجمال والابداع وتنطلق الحناجر الجميلة تشدو بكلمات بديعة يضعها ويؤلفها بيرم التونسى وامين صدقى واحمد شوقى واحمد رامى و وحسين حلمى المناسترلى وزين العابدين عبد الله وعبد السلام بدر ومحمد مكيوى واحمد ملوخيه وعبد المنعم كاسب وعبد اللطيف البسيونى وعبد الوهاب محمد ومرسي جميل عزيز , وحيرم الغمراوى ومصطفى عبد الرحمن و يوسف بدروس , و عبد الفتاح مصطفى وابو السعود الابيارى وصالح جودت ومحمد على احمد وحسين السيد وعبد المنعم السباعي ومأمون الشناوي ومصطفى الضمرانى مع ألحان زكريا أحمد ورياض السنباطى ومحمود الشريف وحسين جنيد وعبد الروؤف عيسى وخليل المصرى وغيرهما من أعلام المدرسة الكلاسيكية الجديدة وأزهارها اليانعة في حقول الفن . كانت القاهرة مدينة جميلة وبديعة , وحضر جيلنا مرحلة عاصمة متدفقة بالمطاعم ودور السينما والملاهي والمقاهي والمسارح ومفتوحة على حياة متنوعة من آخر نهاية العصر الليبرالي الذي استمر في شكل الفن , واستمر انتشار الفن بوجه عام مع نمو الأصوات الجديدة في عصر ما بعد أم كلثوم , فجاء عبد الحليم حافظ مع محرم فؤاد وماهر العطار وسيد اسماعيل وكمال حسنى واحمد سامى ومحمد رشدى وعبد اللطيف التلباني وعادل مأمون . وفي مرحلة ما بعد أم كلثوم ظهرت نجاة على ورجاء عبده وملك محمد ونور الهدى وليلى مراد وسعاد مكاوى وشهر زاد وفايده كامل وعصمت عبد العليم وردة وفايزه احمد ولا ننسى المطربه صباح وما أجمل صوتها في الأغاني التي تؤديها باللهجة المصرية وسلامة نطقها الجميل .وايضا كلما استمعت إلى نور الهدى اللبنانية وعشرات الأسماء العربية الأخرى التي انطلقت من مدينة القاهرة , تشعر بمدى أهمية وجود عاصمة أبوابها مفتوحة للفن والفنانين . وكان الفن المصري دائماً هو القلب الذي يستقبل المواهب العربية ويفتح أمامها الفرص . وأتذكر النجاح الساحق للمطرب السوري فهد بلان الذي سيطر فجأة على ذوق الشارع المصري وأثره بلهجته وطريقة الغناء البدوي الجميل . ومن السخف في شأن الفن الحديث عن إقليمية وعنصرية . فالفن لا وطن له على الاطلاق , إنه ملك للإنسانية , فكلنا نستمتع بألحان بيتهوفن الألماني , وتطربنا أصوات فريد الأطرش وأسمهان وفايزة أحمد القادمة من سوريا . وكانت القاهرة المتألقة بالحضارة والجمال , مكاناً لجذب كل عاشق للفن والحرية أيضاً . فقد توفرت لهذه المدينة البديعة بعض الظروف التي ساعدت على نهضة حضارية لا تعرف الحدود والفواصل , فعلى هذه الأرض تألق عبد السلام النابلسي وماري منيب وبشارة واكيم ومحمد البكار ومحمد سلمان وإلياس مؤدب , بجانب استيفان روستي وكاميليا وراقية إبراهيم وغيرهم كانت القاهرة تتباهى بالحضارة والفنون قبل وصول موجات الاحباط والحزن والدموع التي انهمرت بعد نكسة 1967 , ثم غياب أم كلثوم وبعدها فريد الأطرش ثم عبد الحليم حافظ و محمد عبد الوهاب وبلعت آلة الزمن اللعينة كل النجوم التي تألقت وتوهجت بأصواتها وألحانها , ولم يبق في الساحة الآن سوى وردة مع نجاة وصباح من رموز هذا الجيل بكل ما فيه من ملحنين وأصوات ومؤلفين ونجوم كانت تبرق في سماء الفن .ومن الخلافات الفنيه بين أم كلثوم والملحن البديع والجميل الشيخ زكريا أحمد .عندما التقيا أبدعا أجمل الألحان وأعذ ب الكلمات من تاليف بيرم التونسي صاحب الورد جميل واللحن الأخير الذي أبدعه الشيخ زكريا قبل رحيله وبعد مصالحته مع أم كلثوم هوّا صحيح الهوى غلاب من تأليف بيرم التونسي , وكان اللحن مسك الختام في رحلة الملحن والمطربة والتي بدأت مع صعود الفنانة العظيمة إلى خشبة الغناء والأداء الصوتي المتفرد ولقد كان صوت أم كلثوم آية من آيات الاعجاز , لكن اختيارها للكلمات والملحنين , أضاف إلى موهبتها حسن تكوين صيغة فنية رافقت حياتها , والتي اختارت مع مرحلة التألق الغناء من ألحان محمد عبد الوهاب , وافتتحت هذه الفترة بالأغنية الرائعة إنت عمري وكانت قفزة للمدرسة الكلثومية للاستقرار على نهر ابداع موسيقار الأجيال . واختارت المطربة العظيمة قبل غيابها عن الحياة العودة للسنباطي في لحن الوداع , فأبدع لها من كلمات إبراهيم ناجي الأطلال ثم الثلاثية المقدسة من تأليف صالح جودت . كان الخلاف بين زكريا أحمد وأم كلثوم بشأن معركة أجر الملحن والحصول على نسبة من الأداء العلني .من خلال طبع الاسطوانات الحجريه , ,وايضا هناك مشادات ومعارك السرقات الفنيه حيث اتهم الناقد جليل البنداري الصحافي المشهور آنذاك , مؤلف الأغاني مرسي جميل عزيز بأنه يسطو على التراث الشعبي ويغرف منه , وأن أغانيه الناجحة مثل يامّا القمر عالباب مسروقة من مؤلف آخر . ودخل المعركة ضد مرسي جميل عزيز , عشرات المؤلفين الذين كانوا يعز عليهم رؤية هذا المؤلف ينفرد بكل أعمال عبد الحليم حافظ ونجاة وفايزة أحمد بالاضافة إلى محمد قنديل حتى المطربة اللبنانية فيروز .وقد أنصف نقاد مثل د . علي الراعي وصلاح عبد الصبور , مرسي جميل عزيز وانحازوا إلى جانبه وأكدوا على ابداعه في التأليف ونصروه في المعركة التي شنها عليه الناقد والمؤلف جليل البنداري , الذي كان مشهوراً بهجومه اللاذع على خصومه . ومن منا ينسى للوقوف على المعركة التي انطلقت ضد المؤلف يوسف بدروس , بدعوى أن كلمات أغانيه تحض على الخلاعة والانحلال , عبر أغنية كتبها لفريد الأطرش . وكنت دائماً معجباً بكلمات بدروس الحالمة والرومانسية وصوره الرقيقة . وعندما أصدر ديوانه الوحيد , اطلعت عليه بمحبة جارفة لكل الأعمال التي كتبها وغناها فريد الأطرش , مطربي الأثير خلال مرحلة التكوين في شوارع القاهرة ومقاهيها وجامعاتها ودور السينما الشعبية .ولا ننسى المعركة التي فجرها الملحن رؤوف ذهني الذي ادعى أن الموسيقار محمد عبد الوهاب كان يسرق ألحانه ونسب إلى نفسه أكثر من خمسين لحناً وأن الأغنية التي غنتها أم كلثوم من لحنه فكروني , وطبع محمد عبد الوهاب اسمه عليها . ورؤوف ذهني , كان يعمل لدى محمد عبد الوهاب كسكرتير له في مكتبه . ويذكر المؤلف عدة طرائف في مجال تسجيل المعركة وأن الموسيقار الراحل كان يعطي لذهني الأموال حتى يكف عن صراخه واتهامه على صفحات الجرائد بسرقة ألحانه . ويحسم الملحن كمال الطويل هذه القضية بأن يقول أن محمد عبد الوهاب كان ينصت إلى بعض الجمل الموسيقية أو يهتم بسطر لحني ويستخدمه ويبني عليه معماره الموسيقي الدال على عبقريته وموهبته أيضاً . وينفي الطويل في شهادته السرقة عن الموسيقار الذي قدم لنا أعذب الألحان خلال سنوات ابداعه الطويله . ومعركة روؤف ذهني مع محمد عبد الوهاب , تكشف عن مدى اشتعال الوسط الفني خلال أيام عصره الذهبي بالحكايات والشائعات , منها ما هو حقيقي , ومنها ماهو من صنع الخيال والغيرة الفنية ., ونعود إلى طموح الفتى الصاعد آنذاك , عبد الحليم حافظ , الذي كان يحلم بالهيمنة على ساحة الغناء كلها . ولأن محمد عبد الوهاب اختار في مرحلة صعود المطرب الشاب الانزواء بصوته والاكتفاء بالتلحين له ولآخرين , مع تهميش أغلب الأصوات الرجالية الأخرى لنفسها في هذه المرحلة , مثل عبد العزيز محمود ومحمد فوزي , لتغير المزاج الموسيقي والغنائي , فأن عبد الحليم لم يجد أمامه سوى فريد الأطرش , المنافس الأول له , فحاول الدخول معه في مواجهة شرسة وازاحته بدعوى أنه غير مصري ولا يستحق كل هذه الهالة من الضجيج والنجاح حوله . لكن فريد الأطرش وجد من ينصره , ويسجل المؤلف أن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر , وقف بجانبه ومنحه أعلى الأوسمة وطلب من حليم الكف تماماً عن محاولة الاساءة إلى مطرب كبير كان الزعيم يلقبه ويناديه بالأستاذ فريد .وايضا هناك معركة أخرى بين محمود الشريف وكمال الطويل . والأخير يمثل موجة ما بعد محمد عبد الوهاب وخرج من معطفه , وحققت ألحانه شهرة بالغة وله أسلوبه الخاص في جمل موسيقية رشيقة وجميلة مثل ياهل اسكندرية. وقد اندلعت معركة بين كمال الطويل ومحمود الشريف صاحب الألحان العميقة بأسلوب الكلاسيكية الجديدة والتي انطلقت من عباءة زكريا أحمد والقصبجي ورياض السنباطي . تكشف المعارك كافة , أن كل مدرسة جديدة حاولت محو الأخرى القديمة أو الكلاسيكية والهجوم عليها والتقليل من شأنها . ولم تعترف هذه المعارك بفكرة التجاور , أي أن تصبح كل الألوان معاً في ساحة واحدة , تعبر عن تعددية الذوق وتنوعه بحيث لا تنفرد مدرسة واحدة بالساحة , حتى ولو كانت متفوقة ومبدعة . وبعد دوران آلة الزمن , نرى أن هذه المعارك كلها كانت تدور في مناخ صحوة وحركة وطموح . والآن يستطيع المتذوق التعامل مع الأعمال الجميلة المتألقة , التي لم تقض عليها موجات الصخب الحالية في داخل الألوان الجديدة التي تغمر الساحة وتنكرت بشكل مؤسف لكل هذا التراث .وعن عصر عاش فيه هؤلاء المبدعون بكل نشاطهم وغيرتهم الفنية وتنافسهم مع الآخرين . وكان التنافس يفرز كل هذا الفن من غناء وموسيقى وكلمات وألحان .إن المرء عندما ينظر في أوراق هذا السجل , يتعجب عن سحر مدينة القاهرة التي تدفق على شاطئ نيلها كل هذا الفن , وكل هذه الطاقة بزخم الألحان والأصوات الذهبية والحناجر المتألقة بدرجات متنوعة لحرفة الغناء والى مقالات اخرى لكم كل الحب = المؤرخ والباحث فى التراث الفنى وجيه ندى [email protected] 01006802177 01204653157 .