إن أمام الثورة المصرية كثير من المهام، التي تفرضها مكانة مصر وموقعها وتاريخها، والتزاماتها القومية والإسلامية والإنسانية. وأول هذه الالتزامات، هي تجاه فلسطين. وقد آن أوان الفعل المصري نُصرة لفلسطين وللقضايا العربية. لقد أثبتت التجربة أنه لا أمان لأي مشروع على الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال، حيث إن العدو يستهدف كل مقومات الحياة الفلسطينية، فقد دمر محطة توليد الكهرباء وكثيرا من المصانع، الأمر الذي يستوجب البحث عن بدائل آمنة. ونحن نعرف أن رأس المال جبان يهرب من المناطق الساخنة، لذلك من الصعب جداً إقناع المستثمرين الفلسطينيين والعرب بالاستثمار الفعال في الضفة والقطاع . بمقدور مصر الثورة بالتعاون مع السلطة الفلسطينية الشروع بإنشاء مدينة صناعية على ساحل البحر الأبيض المتوسط في رفح المصرية لخدمة قطاع غزةوسيناء ، تُقام فيها عشرات المصانع الضخمة بأموال واستثمارات عربية و فلسطينية، العدوان عليها يُعتبر عدواناً على مصر. سيحقق هذا المشروع مصالح لأطراف عدة ؛ أولها الطرف الفلسطيني, حيث يوفر المشروع ما لا يقل عن مائة ألف فرصة عمل للفلسطينيين. سيمرون يومياً عبر معبر خاص بهم قرب شاطئ رفح بوساطة بطاقات عمل خاصة بهم (ممغنطة)، لا تسمح لهم بتجاوز المدينة الصناعية في رفح المصرية، التي ستكون منطقة مغلقة. وسوف تورِّد المدينة الصناعية جزءاً هاماً من إنتاجها إلى قطاع غزة بأسعار مخفّضة وبدون جمارك عبر ممر خاص موازي لممر عبور العمال، وهذا يضمن استغناء مناطق السلطة الفلسطينية عن مثل هذه المنتجات من (إسرائيل)، على طريق التحرر من هيمنة المحتل. كما ستصدِّر هذه المنطقة كثيرا من إنتاجها عبر مينائها الخاص إلى دول عربية وأجنبية بما يعود بفوائد كثيرة على مصر والاستثمارات الفلسطينية والعربية، وتدعم رواتب الموظفين في مناطق السلطة الفلسطينية التي تتعرض دوما للتهديد والابتزاز. كما أن هذا المشروع سيكسب العمال خبرات صناعية مهمة ستسهم يوماً ما في تعزيز الصناعات الفلسطينية حينما تتخلص فلسطين من الاحتلال. وأما على مستوى مصر الثورة: التي ستقدم الأرض للمدينة الصناعية، وتزودها بكل متطلبات البنية التحتية، وتحيطها بسياج وإشراف أمني مناسب، وستسمح لها بالتصدير عبر ميناء خاص بها يطل على البحر، سوف تحقق مصالح عدة منها: 1- تشغيل بضعة آلاف من عمال شمال شرق سيناء، وهو ما يؤدي إلى استتباب الأمن في سيناء. وينعش كافة المدن المصرية في شمال سيناء، وخصوصاً مدينة رفح المصرية. 2- ستستفيد مصر من حركة البناء الضخمة لإنشاء المدينة الصناعية ومينائها. ومن تحصيل جزء من رسوم الجمارك للبضائع المصدّرة عبر ميناء المدينة. ومن حصولها على رسوم إيجار أرض المدينة الصناعية من المساهمين فيها. ومن جباية رسوم الخدمات الأخرى. كما ستبيع مصر معظم المواد الخام اللازمة لهذه المدينة الصناعية، وهو ما سيوفِّر لمصر دخلاً إضافياً. 3- ستسهم مصر بهذه الطريقة في حل المشكلات الاقتصادية للفلسطينيين، بما ينعكس إيجابياً على استقرار المنطقة. كما وسيؤدي شعور الفلسطينيين باحتضان مصر لهم إلى زيادة حبهم وولائهم لمصر وتفانيهم في حمايتها من أي سوء. 4- وتوفر عبر الممر التجاري للمدينة الصناعية الكثير من احتياجات القطاع من البضائع بدل مرورها عبر الأنفاق، ويقلل حاجة الفلسطينيين إلى الأنفاق. إن أمام مصر دوْر مهم في إقناع الأوربيين والأمريكان بجدوى هذا المشروع ,مثلما لها القدرة على تذليل كل العقبات السياسية أو الاقتصادية لهذا المشروع العملاق، لأهميته في تنفيس حالة الاحتقان التي يشعر بها الفلسطينيون وأهالي سيناء جراء السياسات العقيمة للنظام المصري السابق التي أوصلت قطاع غزة، بل وأهالي سيناء إلى مشارف الانفجار. وتستطيع مصر أن توضح لمن لا يفهمون غير لغة الأمن، بأن تشغيل أكثر من مائة ألف عامل فلسطيني، قد يعني بالنسبة لهم إشغال هؤلاء عن المقاومة، ومنع عوامل الانفجار في المنطقة، فمن المتعارف عليه أن من أهم أهداف أموال الدول المانحة لقطاع غزة إخراج الفلسطينيين من حالة الاحتقان ومن البيئة الخصبة لتوليد المقاومة أو ما يسمونه بالعنف، كما يتوجب على الدول الغربية الداعمة (لإسرائيل) أن تفهم بأن الفصل الأمني أحادي الجانب لا يمكن أن يتم بدون فصل اقتصادي موازي له. إذ لا معنى لانسحاب (إسرائيل) من المناطق المحتلة مع إبقائها حبيسة الفقر والبطالة وانسداد الأفق في حياة كريمة تعوضهم عن سنوات الاحتلال، إذ من شأن ذلك أن يعزز توجه الفلسطينيين نحو المقاومة والرغبة في الانتقام، وإسرائيل في غنى عن توفير المزيد من دوافع العنف ضدها. وإن جهود مصر في هذا الاتجاه سوف تشجع الدول العربية والأجنبية على المضي قدُماً في المشروع بلا تردد. إن فوائد هذا المشروع عديدة لجميع الأطراف ,إذ يعمل على فك القبضة الحديدية المفروضة على قطاع غزة في مجالات العمل والاقتصاد، ويخدم الأهداف الوطنية لمشروع التحرير الفلسطيني. كما يعمل على توفير دعائم قوية لمشروع الدولة الفلسطينية الموعودة.