نجحت الثورة المصرية المباركة فى تحرير الشعوب من النظم السياسية المستبدة القهرية والسياسات الاجتماعية المنفتحة غير المتفقة مع طبيعة هويتنا العربية والإسلامية والسياسات الإقتصادية المخربة التى عمقت من هوة الفجوة بين من يملكون الكثير ومن لا يملكون. وهي كلها سياسات فى سبيلها للتغيير مع وجود نمط عقلية جديد يهىء لكافة المواطنين القيام بدورمشارك وفاعل فى المجتمع و على جميع الأصعدة. ويبقى لتكتمل منجزات ثورتنا إدارة ثورة على الذات، لتحرير العقول من مفاهيم التآمر والتحيز والتبعية والسلبية واللامبالاة وفقدان الثقة التى غرسها النظام على مدار ثلاثين عاما مضت مدعما لفكرة ضعف الأنا مقابل تفوق وقوة الآخر. ويتطلب ذلك فى حقيقة الأمر تحرير النظام الاعلامي من الهيمنة السياسية والاقتصادية أى من "السلطة" و"الثروة". ليحقق المصلحة العامة وليست الخاصة المرتبطة بحاكم أو صاحب رأس مال. والمراقب للأحداث يستطيع أن يستنبط عدم اختلاف النموذج الاعلامي لما بعد الثورة عن ما قبلها، صحيح أن سقف الحرية أصبح لا وجود له ولكن اتجاه معالجة القضايا المجتمعية يظهر مدى تهديد المنظومة الاعلامية المصرية لحقوق المواطنة. فما زال حق المواطن فى الحصول على المعلومة الصحيحة والكاملة مهدرا، فضلاً عن عدم فتح المجال العام واتساعه أمام المواطن العادى للتعبير عن رأيه بالقدر الكافى، انطلاقاً من كون وسائل الاعلام غير متاحة أمامه بسهولة. ولعل قضية الأقباط فى مصر والأزمات المشتعلة المرتبطة بها وخاصة حرق الكنائس، تجسد بوضوح هذه الإشكالية. فالأزمة إما عرضية وزائلة من خلال الحوار والتسامح. أو أن هناك اختلافا فى الرأى ولكن ليس خلافاً يؤدى إلى شق صفوف الوطن، أو أن قضية الأقباط تعكس التطرف الاسلامي من جهة، والهموم القبطية ومطالب "الأقباط الضائعة" فى مصر من جهة أخرى، أو أن الأديان السماوية تدعو للتسامح والتعايش مع الآخر، فالدين الإسلامى يقبل التعدد اللغوى والثقافى والدينى و الإخوان المسلمين هم أكثر الناس استعداداً للتواصل مع الأقباط خاصة، والدين المسيحى يقر آليات التعايش السلمى عبر تخويل حقوق لمواطنين غير مميزين على أساس دينى، وإنما مصريين لهم جميعاً حقوق وعليهم جميعاً واجبات، أو اشعال الفتنة وتهديد المواطنة، باستخدام كلمات ساخنة للتعبير عن الأحداث، وتقديم صور سلبية عن الرموز الاسلامية أو المسيحية، وإستفزاز مشاعر المصريين بالتمييز وتوضيح مدى الإساءة التى يتعرض لها كل من المسلمين والمسيحيين، والترويج للشائعات الى تزيد الفرقة بين أطياف المجتمع، والتركيز على تعامل الأقباط مع جهات خارجية أجنبية وابرازهم فى صورة طائفة غريبة عن المجتمع، واتهامهم بالكذب وتفنيد أكاذيبهم، أو على الطابع الهمجي للسلفيين والتعامل معهم كفزاعة جديدة بديلا عن الإخوان المسلمين فى النظام السابق. تغير النظام، وتجددت القيادات، ولم تتحرر العقول. قامت الثقافة العامة فى المجتمع على عدم احترام المواطنة وما زلنا نسهم كاعلاميين بدور فى وجود شرخ فى جدارها نتيجة إهدار وانتهاك الحقوق السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والدينية. للدولة دور فى المرحلة القادمة فى تدعيم مناخ المواطنة فى مصر بعدما ساهمت، فى لحظة من لحظات التاريخ، بضرب حقوقها بالتوجه نحو الخصخصة و دعم سيطرة رأس المال على مراكز اتخاذ القرار، وما صحبهم من مشكلات تتعلق بالفقر وانخفاض مستويات المعيشة، ومن ثم اتساع البطالة وإهدار طاقات المجتمع، وتراجع الحق فى التعليم وانعدام الحق فى الصحة. قد يسهم التحول الديمقراطي فى غرس قيم المواطنة فى المجتمع المصرى، ومع وجود قيم عامة ضابطة، ومع تنقية النصوص التى تُخل بمفهوم المواطنة، تكون المنظومة الاعلامية فى ظل "حرية مسئولة" أقرب للتعبير عن الطوائف والأفكار المختلفة فى المجتمع دون تمييز، وفى نفس الوقت تحافظ على نسيج المجتمع وتخفف من حالة الاحتقان الطائفى أو السياسى التى يشهدها الوطن فى لحظات مولده الجديد. أحبك يا بلدى يا رمز العلا من قبل الثورة وبعدها. بقلم د. ثريا أحمد البدوي الأستاذ المساعد بكلية الاعلام جامعة القاهرة [email protected]