لقد استوقفني كثيرا مقال الدكتور معتز عبد الفتاح الذي نشر بجريدة الشروق يوم الأربعاء 25|5|2011 بعنوان "الرأي لكم" لقد قرأت هذا المقال عدة مرات وفي كل مرة ينتابني شيئا من الدهشة فالكاتب له مكانته لدي القارئ وبحكم منصبه كمستشار سياسي لرئيس الوزراء فلابد أن نأخذ كلامه بعين الدقة ومحاولة الفهم الحقيقي لأبعاده السياسية التي ظهرت بين السطور لقد طرح الكاتب أربع قضايا رئيسية تمثل التحدي الحقيقي لصناع القرار السياسي في الفترة الحالية وفي كل قضية يسأل الكاتب عن الحل الآن بعد أن يطرح الخلفية السياسية لهذا التحدي مشيرا لحل هذه القضايا من وجهة نظره السياسية وللأسف فهذه الحلول المقترحة صدمت الكثيرين وأنا منهم ممن تفاءلوا بظهوره كمستشار سياسي لرئيس الوزراء , وقد اخترت التحدي الأول الذي كان طرحه الأكثر إستفزازا يقول الكاتب نواجه تحديات استثنائية تتطلب تفكيرا بالتضحية والعائد. نناقش عدة أهداف متعارضة، والسياسة هى فن التوفيق الخلاق، وليس المفاضلة الساذجة، بينها. تعالوا نحسبها جهاز الشرطة انحاز على نحو واضح مع مبارك ونظامه تنفيذا لأوامر صدرت له أو بحكم أن جهاز الشرطة فى كل دولة هو الأكثر انحيازا للسلطة القائمة. ولكن المعضلة أن نفس الأفراد الذين نريد محاكمتهم لأخطاء منسوبة إليهم هم من نريد منهم أن ينزلوا للقيام بمهام الأمن. وكأننا نقول: «لابد من محاسبتكم، ولكن أثناء محاسبتكم، لابد أن تحمونا». ما الحل إذن؟ الرأى لكم. انتهي كلام الكاتب أرجوا أن تهتموا معي بالمفردات التي استخدمها الكاتب (التحديات- التضحية - العائد – الأهداف المتعارضه – السياسة هي فن التوفيق الخلاق وليس المفاضلة الساذجة) التحدي الأول هو الفراغ الأمني وهو نتيجة التقاعس المفرط والمتعمد أحيانا لبعض أفراد الشرطة في أداء عملهم رافضين أن يحكمهم القانون وعلي المصريين أن يقدموا التضحيات اللازمة لجهاز الشرطة "صاحب الجلالة"حتي يعود الأمن للوطن فالتضحيات الواجبة علي المصريين هي العفو عن قتلة الشهداء والتسامح في ثلاثة عقود من الذل والقهر حتي يمن عليهم رجال الأمن بأداء مهمتهم التي يتقاضون عليها رواتبهم من أموال الشعب, تلك المهمة التي انصرفوا عنها منذ عقود طويلة متفرغين لقمع الحريات وبناء مليشيات البلطجية لتكن سلاحهم الضامن لعودتهم في حال سقوط دولتهم بل مطلوب منهم تضحيات أكثر بناء علي طلب "صاحب الجلالة" وهي التنازل مرة أخري عن كرامة هذا الشعب والانحناء لأفراد الشرطة فلا يحق لك أن تنطق بكلمة في حضرته وإذا ضربك علي خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر فهو سيدك وإن رأيته يمشي فقم له تبجيلا واحتراما ولا ترفع عينك في عينيه فهو رمز السلطة وإياك أن ترد له أمرا وإن طلب منك الركوع علي ركبتيك فأركع فهو صاحب الأمر والنهي وإلا أطلق عليك الكلاب الضالة والمسعورة من البلطجية وأصحاب السوابق أو تجد نفسك متهما بقدرة قادر فصاحب الجلالة يعرف كيف يستخدم القانون لإذلال الشعب وليس لإنصافه (شاهد برنامج "آخر كلام" مساء الثلاثاء 24\5\2011) وذكر الكاتب أن كان جهاز الشرطة في كل دولة هو الأكثر انحيازا للسلطة القائمة أقول له أليست السلطة القائمة الآن هي سلطة الحكومة التي استمدت شرعيتها من ميدان التحرير علي يد الثوار فلماذا لا يكون جهاز الشرطة أكثر انحيازا الآن لهذه السلطة ولو فرضنا جدلا أن المصريين قدموا التضحيات اللازمة من أجل هيبة صاحب الجلالة فهل يكون العائد عليهم هو الأمن والأمان, اعتقد أن الأمن الذيسوف يعود هو أمن الدولة فقط أو الأمن الوطني بكل صلاحياته التي كان عليها في العهد البائد, تري هل يعمل أو ينتج شعب يشعر في كل حارة وكل شارع وكل مصنع وكل مؤسسة بمحاولات متباينه ومستميته لإجباره علي الخضوع من أجل صاحب الجلالة ويتساءل الكاتب كيف نحاسب من نطلب منهم الحماية , وما هو الحل الآن لهذا التحدي الخطير؟ تري هل هناك حل الآن غير سيادة القانون علي أساس أن طرفي المعادلة أمام القانون سواء فالقانون يضمن لصاحب الجلالة الاحترام ويضمن للشعب الحماية من جبروته وأري في سؤاله عن الحل الآن إما عن عجز أو إستطلاع أو إسترشاد فإذا كان سؤاله ناتج عن عجز في تطبيق سيادة القانون بما يحقق التوازن بين أطراف المعادلة لأن صاحب الجلالة يرفض أن يخضع للقانون ويخيرنا بين الفوضي أو الأستقرار القائم علي القمع والتخويف كما أعلن الأب الروحي لصاحب الجلالة قبل خلعه عندئذ فعلي صانع القرار في السلطة الحالية أن يعلن عن عجزه في مواجهة صاحب الجلالة ويستعين بالطرف الآخر للمعادلة وصاحب المصلحة العليا والذراع الأقوي وهو الشعب العظيم الذي أبهر العالم كله بحماية نفسه وممتلكاته من خلال اللجان الشعبية أثتاء الثورة المجيدة وإذا كان سؤاله استطلاعا فمعني ذلك أنه يريد أن يستطلع الرأي علي الحلول المقدمة من وجهة نظره ليري مدي موافقة أو رفض الرأي العام عليها, مما جعلني أعتقد أن صاحب القرار السياسي علي أقل تقدير لم يصدق حتي الآن أن المصريين لن يعودوا إلي ما قبل 25 يناير مهما كلفهم الأمر , ببساطة لأنهم ذاقوا طعم الحرية والكرامة بعد ثورتهم المجيدة . واذا كان سؤاله استرشادا فهل يعتقد أن أبناء الوطن سوف يكون لهم رأيا آخر غير سيادة القانون وحفظ كرامتهم وهل خطر بباله لحظة أن الشعب قد يساوم علي كرامته وحريته من أجل هيبة صاحب الجلالة الذي تلوثت يديه بدماء الشهداء وأخير أطرح علي الكاتب هذا السؤال الآن هل تري تعارض بين سيادة القانون وحرية الشعوب وهل يمكن أن يكون هناك "توفيق خلاق" بين السجين والجلاد وهل هناك مفاضلة أكثر سذاجة من المفاضلة بين شروط العودة لصاحب الجلالة وبين كرامة أبناء الوطن والرأي له ؟ التحدي الثاني هو الأستثمار يقول الدكتور معتز عبد الفتاح نحن نقول للمستثمرين: «بعضكم أو معظمكم فاسدون، وعلينا محاسبتكم، ولكن فى نفس الوقت، لا تتوقفوا عن الاستثمار والإنتاج». ما هو الحل الآن؟ الرأي لكم؟ أنت تعلم يا دكتور أن المستثمرين الشرفاء لا يترددون في استئناف نشاطهم الاقتصادي إذا كانت نواياهم صادقة ويحبون الخير لهذه البلد كما يحبونه لأنفسهم أما المستثمرون الفاسدون الذين دخلوا هذا البلد ظنا منهم أنها وكالة من غير بواب وعندما وجدوا أن أبواب الخير في مصر قد وقف عليها ملايين المصريين الشرفاء يحرصون خيرات بلدهم من النهب والسرقة ظنوا أنهم فوق القانون وقاموا بتهديد الدولة بين الانسحاب أو التحكيم الدولي نقول لهؤلاء لا بارك الله فيكم ولا في أموالكم أذهبوا عنا فشعب مصر أولي بأرضه وخيراته وإذا كنت ذكرت أن أحدهم أنسحب وضاعت 5000 فرصة عمل فهل لديك معلومات دقيقه عن الآلاف الذين شردوا من وظائفهم بعد الخصخصة بحج واهية ولا حضرتك نسيت الإعتصامات والإضرابات علي مدار العشر سنوات الأخيرة والحل عند أصحاب القرار السياسي بأن لا يخضعوا لهذا الابتزاز الاقتصادي ويعيدوا ثروات مصر لأبناء مصر فالدولة التي تملك كل هذه الثروات الطبيعية والأموال المكدسة في البنوك والشباب الذي يلهث ليلا ونهارا بحثا عن فرصة عمل ولا تستطيع توظيف كل هذه الإمكانات يكون بها خلل في قدرات القائمين علي التخطيط والتنفيذ وإذا كانت مصر ولادة كما نقول فأين هم؟ فإن كانوا موجودين فلنفسح لهم الطريق ويرحل المستثمرون الفاسدون التحدي الثالث وهو المظاهرات الفئوية لاشك أن المظاهرات التي تعطل الإنتاج مرفوضه ولكن إذا كان أصحاب القرار السياسي يعترفون بحق هؤلاء في المطالبة بحياة كريمة فهل اتخذوا الإجراءات اللازمة لتهدئتهم وهل هناك قنوات تستمع إليهم قبل أن يقرروا التظاهر. أعتقد أن الحل الآن هو وضع الحد الأدني للأجور وتقليص الفجوة بينه وبين الحد الأقصي, والقضاء علي مافيا الاحتكار , ومراقبة الأسعار سوف تهدئ من روع هذه الفئات المطحونة التحدي الرابع وهو مطالبة البعض بمجلس رئاسي نحن لسنا بحاجة إلي هذا المجلس فالشعب في أمس الحاجة إلي المشاركة في إتخاذ القرار فيما يخص المرحلة الانتقالية مع كامل الاحتفاظ للمجلس العسكري بالقرارات السيادية التي تخص المصالح العليا للدولة وأعتقد أن جميع القادة بالمجلس العسكري أفصحوا عن قبولهم لأي نقد بناء ولكن يبدو أن هناك من يريد الوقيعة بين الثوار والجيش تارة يهمسون في آذان الثوار بأن القرارت السياسية للمجلس العسكري تخرج بشكل مفاجأ دون حوار مجتمعي موسع وتارة يهمسون لدي المجلس العسكري بأن الثوار لا يعجبهم شييء ولا يقدرون الموقف التاريخي للجيش ولا يحترمون رأي الأغلبية في نتيجة الأستفتاء إنها الفتنة بعينها بين أصحاب الفضل في نجاح هذه الثورة المجيدة ولا سبيل لدرئها غير إزاحة هذا الجدار الوهمي بين أهل الفضل والذي يحاول أصحاب المصالح والقلوب السوداء بنائه يوما بعد يوم دون ملل أما عن الدستور الجديد بالرغم من الاستفتاء الذي صوت عليه الشعب واحترامنا لهذه النتيجة ولكن لا يخفي علي الكثيرين أن أسلمة الاستفتاء والرغبة في استعجال الاستقرار كانت وراء هذه النتيجه وليس من العيب أن نراجع أنفسنا إن كنا في حاجة ماسة لدستور جديد قبل الانتخابات البرلمانية والسؤال الذي أطرحه علي الكاتب ألا يستحق شباب 25 يناير الذين تقدموا الصفوف وقادوا الشعب في هذه الثورة أن تتم مشاركتهم في اتخاذ القرار وأن تقدم لهم كافة الضمانات ليتصدروا المشهد السياسي في المستقبل الرأي له ؟