في اليوم العالمي للتمريض.. مدير معهد ناصر يهنئ طاقم المعهد    وزير العمل يُعلن طرح مشروع قانون العمل على "الحوار الإجتماعي".. غدًا    رئيس الوزراء يتابع استعدادات مؤتمر الاستثمار مع الاتحاد الأوروبى وأوجه التعاون المشترك    باستثمارات وصلت إلى 100 مليون يورو في مصر.. بروميتيون تطلق أول إطارات تحمل علامتها التجارية تزامنا مع الذكرى الثلاثين لإنشاء مصنعها بالإسكندرية    الفصائل الفلسطينية: بايدن تراجع عن نتائج الجولة الأخيرة لمفاوضات وقف إطلاق النار    إصابة 4 من رجال الشرطة خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في العاصمة الألمانية    قائد الجيش الأوكراني: الوضع في خاركيف تدهور بشكل كبير    بلينكن: إسرائيل ليست لديها خطة ذات مصداقية لحماية المدنيين في رفح    تحذير للزمالك قبل نهائي كأس الكونفدرالية.. ماذا ينتظره؟    «الشروق» تكشف قرار لجنة الانضباط في أزمة الشيبي والشحات    اسكواش.. نتائج منافسات السيدات في الدور الثاني من بطولة العالم    فرحة في الكامب نو.. برشلونة يقترب من تجديد عقد نجمه    وزير التعليم: اعتماد نظام الجدارات المهنية في 1300 مدرسة فنية    وكيل «تعليم الجيزة» يشدد على منع الطلاب من دخول الامتحانات بالتليفون المحمول    رئيسة جمهورية اليونان تزور المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية    متصلة تسأل: زوجة ابني لا تطبخ له وعايز يطلقها نعمل إيه؟.. وأمينة الفتوى ترد    "العيد فرحة وأجمل فرحة".. موعد عيد الاضحى المبارك حسب معهد البحوث الفلكية 2024    إصابة 8 أشخاص في انقلاب ميكروباص بترعة الإبراهيمية ببني سويف    الصحفيين تعلن فتح باب الحجز لعدد 75 وحدة سكنية فى مدينة السادس من أكتوبر    أحمد عز يصور «ولاد رزق.. القاضية» بحلوان.. متبقي 3 أيام للانتهاء منه    رئيس تركيا: «نتنياهو بلغ مستوى في أساليب الإبادة الجماعية تثير غيرة هتلر»    مودرن فيوتشر يعلن رحيل تامر مصطفى من تدريب الفريق    «إعلام النواب» توافق على موازنة «الوطنية للصحافة».. و«الشوربجي»: لدينا ديون سيادية وضرائب متراكمة منذ الثمانينيات    لجنة حماية الصحفيين: نشعر بالقلق جراء إفلات إسرائيل من العقاب    الثلاثاء.. مناقشة رواية "يوم الملاجا" لأيمن شكري بحزب التجمع    الليلة.. وهابيات تجمل معهد الموسيقى    مجاني وبدون تقطيع.. مباراة مانشستر يونايتد ضد أرسنال بث مباشر | الدوري الإنجليزي 2024    المفتي يحذر الحجاج: «لا تنشغلوا بالتصوير والبث المباشر»    لحماية صحتك.. احذر تناول البطاطس الخضراء وذات البراعم    الصحة: الجلطات عرض نادر للقاح أسترازينيكا    هاني سعيد عميدا لكلية التربية الرياضية بجامعة طنطا    ضبط دقيق مدعم وكراتين سجائر قبل بيعها بالسوق السوداء في المنيا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته في الفيوم لعدم حضور الشهود    إعلان خلو مقعد الراحل عبد الخالق عياد من الشيوخ وإخطار الوطنية للانتخابات    مواعيد امتحانات كليات جامعة حلوان الفصل الثاني 2024    هشام آمنة: 256 مليون جنيه لتطوير منظومة إدارة المخلفات بالمنوفية    البورصة تخسر 25 مليار جنيه في ختام تعاملات أول الأسبوع    المشاهد الأولى لنزوح جماعي من مخيم جباليا شمال غزة هربا من الاجتياح الإسرائيلي    المندوه يكشف كواليس الساعات الأخيرة للبعثة قبل نهائى الكونفدرالية.. فيديو    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات بأفغانستان إلى 315 شخصًا    بعد توجيهات الرئيس بتجديدها.. نقيب الأشراف: مساجد آل البيت أصبحت أكثر جذبا للزائرين    مجلس الشيوخ يقف دقيقة حدادًا على النائب الراحل عبد الخالق عياد    اليوم العالمي للتمريض.. قصة "سيدة المصباح" التي أنقذت الكثير من الأرواح    مجلس الجامعات الخاصة يكشف قرب الانتهاء من إنشاء 7 مستشفيات    8 نصائح لتقليل خطر الإصابة بسرطان المبيض    بايرن ميونخ يستهدف التعاقد مع مدرب "مفاجأة"    بعد ظهورها بملابس عروس.. لقاء سويدان تتصدر مؤشر جوجل    تطورات قضية زوج المذيعة أميرة شنب.. وقرار جديد من المحكمة    «الداخلية»: ضبط 4 عاطلين بتهمة سرقة أحد المواقع في أسوان    إيرادات مفاجئة لأحدث أفلام هنا الزاهد وهشام ماجد في السينما (بالتفاصيل والأرقام)    بنك ناصر يطرح منتج "فاتحة خير" لتمويل المشروعات المتناهية الصغر    أسيوط: إزالة 8 تعديات على أراضي زراعية ومخالفات بناء بمراكز أسيوط وصدفا وحي شرق    مدبولي: نراقب الدين العام ووضعنا قيودا على النفقات الحكومية    الإفتاء: توضح حكم سرقة التيار الكهربائي    التنظيم والإدارة يعلن عن وظائف بجامعة مطروح    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    الصحة: تطوير وتحديث طرق اكتشاف الربو وعلاجه    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أثر النكبة في الشعر الفلسطيني
نشر في شباب مصر يوم 25 - 05 - 2011

في العام 1948 حاقت النكبة بالوطن الفلسطيني ، وأدت الى تهجير وتشريد الآلاف من أبناء شعبنا العربي الفلسطيني ، الذين تحولوا الى لاجئين منفيين في الخيام السود. وهنالك من واجه البنادق، وتحدى الخوف والاقتلاع، وأبى التشريد والتهجير، وبقي صامداً وراسخاً ومتشبثاً بارضه ووطنه وجذوره.
ولا شك ان زلزال النكبة والمأساة ، التي حلت بالشعب الفلسطيني قد هزت وجدان عشاق الكلمة والحرف ، واشعلت فيهم الحماس والعواطف واججتها ، وفجرّت فيهم ينابيع الشعر وامدتهم بطاقة الابداع . وانطلق الشعر الحماسي الخطابي الصاخب والغاضب المتجاوب مع الضمير والنبض الشعبي ، وبدأ يتأسس في الخارج أدب عربي فلسطيني هو أدب المنافي واللجوء والشتات، ظهرت من خلاله الخيمة كرمز للهزيمة التي يجب تجاوزها. وتميز هذا الأدب بالشجن والأسى، وامتلأ بأمل وحلم العودة الى الديار . ونلمس ذلك في قصيدة الشاعر هارون هاشم رشيد ، التي تغنيها سفيرتنا الى الكواكب والنجوم المطربة الرائعة فيروز:
سنرجع يوماً الى حينا ونغرق في دافئات المنى
سنرجع اخبرني العندليب غداة التقينا على منحنى
أما زيتزنة فلسطين ، الشاعر الفلسطيني الخالد عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) ، الذي شرد من وطنه وحمل فلسطين في قلبه وروحه ، وظلت مفاتيح بيته في حيفا في جيبه ، وعاش شريداً طريداً يسائل:
يا فلسطين ! وكيف الملتقى هل أرى بعد النوى أقدس ترب
وهذا الشاعر نشأ مع النكبة وعاشها بكل جوارحه ، وذاق طعم الغربة والتشرد والحرمان وقاسى الآلام والجراح الفلسطينية ، وكتب بالدم والدمع وخلجات القلب قصائد ديوانه "المشرد " المكرسة للنكبة، والمشحونة بالغضب والثورة والحنين لتراب الوطن الغالي والمقدس . وبقي مؤمناً بالعودة وبحتمية انتصار قضية شعبه ، الذي قدم التضحيات الجسام وسجل ملاحم الصمود والبطولة ،وهو يعلنها صرخة عالية ومدوية في وجه الغازي المغتصب :
قل للذين جنوا على وطني ما بيننا الأيام والحقب
من قبلكم مرّ الطغاة بنا هل تعثرت بهم؟لقد ذهبوا
عصفت بهم نار مقدسة فاذا بهم لجهنم حطب
ولم يعرف الأدب العربي الحديث شعراً حنينياً مثل شعر الحنين ، الذي تفتقت به موهبة وقريحة "أبو سلمى" . انه حنين ممزوج بالأمل الثوري وتجاوز الواقع وانتصار الحلم الفلسطيني .. لنسمعه هاتفاً:
اختاه لا تبكي على ديارنا فالتربة السمراء في انتظارنا
نلثمها بالحلم حتى نلتقي شفاهنا على سنى تذكارنا
لا تسألي أين الهوى ولم يزل يمشي المجون على آثارنا
تحملنا الأشواق كل ليلة الى ربانا والى انهارنا
وهنالك العديد من الشعراء الفلسطينيين ، الذين صوروا المأساة الفلسطينية ، وكتبوا عن اللاجئين وحياتهم القاسية في المخيمات. وعكسوا في أشعارهم آلام النكبة والتشرد والضياع والعذاب النفسي والشعور بالغربة والاغتراب ، منهم خليل زقطان وهارون هاشم رشيد ويوسف الخطيب وحسن البحيري ومعين بسيسو وتوفيق الصايغ وجبرا ابراهيم جبرا . بالاضافة الى شاعرتنا الكبيرة خنساء فلسطين الراحلة فدوى طوقان ، التي تناولت التراجيديا الفلسطينية بقولها:
يا وطني مالك يحنى على روحك معنى الموت معنى العدم
جرحك ما اعمق اغواره كم يتنزى تحت ناب الألم
أين الألى استصرختم ضارعاً تحسبهم ذراك والمعتصم
أما في الداخل الفلسطيني ، ففي ظل الحصار الفلسطيني والحكم العسكري البغيض ، الذي فرضته المؤسسة الصهيونية الحاكمة عل الجماهير العربية الفلسطينية ،التي تمسكت بالارض والهوية والزيتونة والحقل والبيارة والبيدر ، كان الشعر الشعبي هو السباق في نشر وتوجيه نداء المقاومة والكفاح ، والتجاوب مع الحدث والواقع القهري الاضطهادي المرير، والتفاعل مع الأوضاع الجديدة والحركات العربية . وقد تحولت الأعراس في الجليل الفلسطيني الى مظاهرات احتجاج وغضب ساطع ضد سياسة النهب والمصادرة والاقتلاع من الوطن . ولا يزال الشيوخ وكبار ، ممن عاصروا تلك المرحلة، يتذكرون الأهازيج الشعبية ، التي كان يرددها الزجالون الشعبيون الفلسطينيون ، وابرزها اهزوجة "نادى المنادي" التي تقول:
نادى المنادي في الجليل ارض العروبة للعرب
شاغورنا مالك مثيل وترابك اغلى من الذهب
وبوحدة رجال الشاغور أمر المصادرة انشطب
ديان امرك مستحيل بالوحدة راح ينشطب
وكان الحادي ينشد أثناء السحجة التقليدية المعروفة لدى أهل الجليل والمثلث :
هبت النار والبارود غنى
تسلم لينا يا أبو خالد
يا حامي ظعنا
هبت النار من عكا للطيرة
تسلم يينا يا أبو خالد
يا حامي هالديرة .
ولعبت الطلائع المثقفة الفلسطينية المتبصرة بالفكر التقدمي الثوري الانساني دوراً بارزاً في ولادة أدب المقاومة والاحتجاج. وفي خضم الواقع، الذي أفرزته النكبة، ولدت القصائد والأشعار الحماسية ذات النبرة النارية ، التي استلهمت المأساة وعكست الوجع الفلسطيني والأوضاع الجديدة . ويبدو أثر النكبة واضحاً في عشرات النصوص الشعرية والأعمال الابداعية لشعرائنا الفلسطينيين الأوائل ، من أمثال حنا أبو حنا وتوفيق زياد وحبيب قهوجي وعصام العباسي ومحمود الدسوقي وراشد حسين ومحمود درويش وسميح القاسم وشكيب جهشان وحنا ابراهيم وسالم جبران وسواهم. وكان هؤلاء الشعراء يشاركون في المهرجانات الشعرية والنشاطات والفعاليات الثقافية في مدن وقرى الجليل في اواسط الخمسينات ،بهدف التفاعل مع الشعب وتعبئة الجماهير وتحريضها، وحثها على المشاركة في النضال ومقاومة مشاريع التهجير والاقتلاع وتذويب الشخصية الوطنية وتزوير الهوية الفلسطينية .
وقد تفرد الشاعر الشهيد راشد حسين ، الذي مات احتراقاً واختناقاً في غرفته بنيويورك ، بين شعراء جيله بمجموعة من القصائد ، التي يتحدث فيها بشمولية ودقة ، عن حياة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والمنافي القسرية . وهو في هذه القصائد يكثر من استخدام التعابير والمفردات ، التي تدل على هول السبي الفلسطيني الذي ولدته النكبة . ويظهر ذلك بجلاء ووضوح في قصائده "الخيمة الصفراء" وأزهار من جهنم" و"أنة لاجىء " و"الى ابن عمي في الاردن" .. لنسمعه يقول:
في الخيام السود في الأغلال في ظل جهنم
سجنوا شعبي واوصوه بألا يتكلم
هددوه بسياطه الجند بالموت المحتم
أو بقطع القمة النتنة ، ان يوماً تألم
ومضوا عنه وقالوا عش سعيداً في جهنم
أما في قصيدته "لاجئون" فنستشف الحزن النابع من اعماق ، والاحساس العارم بالقهر نتيجة الاذلال والبطش والظلم الانساني الذي لحق بشعبه ،جراء طرده من وطنه ووقوعه تحت وكالة غوث اللاجئين ، التي توزع المواد التموينية على اللاجئين الفلسطينيين :
وترى نجوم الليل مثل معسكرات اللاجئين
وكهيئة الغوث الحزينة يخطرالقمر الحزين
بحولة من جبنة صفراء أو بعض الطحين
ويقول الشاعر المكافح والمقاتل ، شاعر الجماهير الراحل توفيق زياد في قصيدته الشهيرة "هنا باقون" المليئة بالكدح والرفض والتشبث والالتحام بالتراب والثرى الفلسطيني :
هنا على صدوركم باقون
ننظف الصحون في الحانات
ونملأ الكؤوس للسادات
نجوع نتحدى ننشد الأشعار
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات
ونملأ السجون كبرياء
ونصنع الأطفال جيلاً ناقماً وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
وغربة الانسان الفلسطيني وبعده عن وطنه، كانت أحد الموضوعات الرئيسية ، التي طرق أبوابها الشعراء والمبدعون الفلسطينيون في الداخل ومناطق الشتات القسرية . وقد تغنوا بها وصاغوا اشعاراً تتراوح بين رنة الحزن والأسى والحنين والشوق المستعر في أفئدة المغتربين والمشردين ، ظمأً للعودة ولوعة وتوقاً للقاء الأحبة،واستحضاراً للذكريات الجميلة في الوطن تحت افياء وظلال الزيتون والكروم الجليلية .
في الاجمال يمكن القول ، ان النكبة أو التراجيديا الفلسطينية كانت وستظل نبعاً لا يجف ،ومعيناً لا ينضب في الشعر الفلسطيني الثوري الملتزم . وجعلت من هذا الشعر شعراً عروبياً وقومياً وطبقياً ووطنياً وثورياً ومقاوماً ومنحازاً للفقراء وأبناء الشوارع والارصفة والمخيم ، ورافضاً لواقع التشرد والبؤس والشقاء والعذاب الانساني الفلسطيني . ورغم التفجع والشعور باليأس والهزيمة ، الذي خيم على هذا الشعر في بداياته الا انه أدى بالتالي الى خلق وتهيئة جو اعتملت فيه الثورة والمقاومة والاحتجاج والرفض في النفوس المعذبة .كما اشتد نبض شعرائنا وايمانهم بالوعد الذي اعطته المقاومة ، وأضاءت كلماتهم المقاتلة ليل واقعنا المرير، وزرعوا الاماني بلسماً على جرحنا ونكبتنا ، ونشر الأمل على جهات الروح، ونثر العبير على الجرح الفلسطيني الذي لم يندمل حتى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.