مرت مصر بثلاثة فرص حقيقية لتنفيذ برنامجها النووي، الفرصة الأولي عام 1963حيث بدأ الاهتمام بإنشاء أول محطة نووية ، تقرر إقامتها في منطقة سيدي كرير بعد دراسة عدد من المواقع البديلة في أنشاص ومديرية التحرير بطاقة 150 ميجا وات، لتكون أول محطة في العالم ذات استخدام مزدوج، تعمل لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر بطاقة تعمل بمعدل 20 ألف متر مكعب في اليوم، ولتحقق قدر من التوازن مع جهود إسرائيل في هذا المجال، في الوقت ذاته بدأت الهند مشروعها النووي، وكان المشروعان المصري والهندي بمثابة توأمين ترعاهما علاقة وثيقة ربطت بين جمال عبد الناصر ونهرو، غير أن حرب 1967 قطعت الطريق علي إنشاء محطة سيدي كرير بعد أن أُُرسي عطاؤها علي أكبر الشركات الأمريكية العاملة في بناء المحطات النووية، فأخفقت مصر ونجحت الهند، التي تستطيع الآن تصنيع محطة نووية بأكملها دون الحاجة إلي الخبرات الخارجية، كما تمتلك ما يزيد عن 30 قنبلة نووية. الفرصة الثانية جاءت بعد حرب أكتوبر 1973 بعد دراسات أكدت ضعف احتياطات البترول، فتقرر إقامة 8 محطات نووية تغطي احتياجات مصر المستقبلية من الطاقة، فوقعت مصر اتفاقا مع لجنة الطاقة النووية الأمريكية لتوفير الامداد بالوقود النووي ، كما صدر قرار جمهوري بإنشاء هيئة المحطات النووية المصرية للإشراف علي بناء المحطات وقرار آخر بتخصيص مساحة 50 كيلو متر مربعاً علي ساحل البحر الأبيض المتوسط بطول 15 كم وعمق 3 كم في منطقة الضبعة التي تم اختيارها بعد دراسة 12 موقعاً بديلاً علي امتداد البحر الأحمر جنوباً حتي الغردقة وعلى امتداد الساحل الشمالي من رشيد (مدينة) إلى السلوم.لبناء أول محطتين بها، وأُرسي عطاؤها ايضا علي ذات الشركة الأمريكية التي كانت قد كُلفت بدراسة إنشاء محطة سيدى كرير قبل نكسة يونيو 1967، وذلك بعد موافقة الولاياتالمتحدةالأمريكية علي تزويد مصر بمحطتين نوويتين تصل قدرتهما الي 1800 ميجاوات، وفي عام 1978 فاجأت الهند العالم بقنبلتها النووية الأولي، فكانت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والتي كان من ضمن شروطها اخضاع المحطات النووية للتفتيش من طرف الدول العظمة للتاكد من سلمية المحطات. وعندها اشترطت الولاياتالمتحدة علي الرئيس السادات ضرورة أن تصدق مصر علي المعاهدة، وقد رفض السادات الشرط الأمريكي، وأصر أن تلتزم إسرائيل بالانضمام أيضا إلي المعاهدة، ما أدى إلى اجهاض المشروع. الفرصة الثالثة في فبراير عام 1981 عندما طالب الخبراء من الرئيس السادات بإزالة العراقيل من أمام البرنامج النووي المصري وتعديل اتفاق مصر مع وزارة الطاقة الأمريكية لرفع حصة تحفيز اليورانيوم اللازم لتشغيل المحطلت النووية المصرية من 600 ميجا وات التي كانت مقدرة لمحطة سيدي كرير إلي أربعة آلاف ميجاوات، بما يغطي احتياج 4 محطات قدرة كل منهم ألف ميجاوات، غير ان الانفجار الذي وقع في مفاعل تشيرنوبل بالاتحاد السوفيتى والاحداث التي تلته جعلت العالم يراجع نظرته للمحطات النووية فتم الغاء المشروع. وتواجه عملية إحياء البرنامج النووي المصري مشاكل كثيرة خارجية تتعلق بالتدخل الدولي المتزايد بدعوي الرقابة علي أنشطتها النووية، أو بدعوي ضمانات التمويل التي يحتاجها مشروع ضخم تصل فيه تكلفة المحطة الواحدة إلي ما يجاوز الملياري دولار، وداخلية تتعلق بحالة الغيبوبة السياسية بشأن اتخاذ قرارالبرنامج النووي فى الوقت الذى رصدت جهات رسمية تمويل بعض رجال الأعمال لعمليات تجريف وتقطيع حجارة بموقع الضبعة، ومنحها لمواطنين من المنطقة لبيعها لصالحهم، في محاولة لخلق نشاط تجاري، وفرض أمر واقع، وتغيير طبيعة الموقع، ليصبح غير صالح لتنفيذ البرنامج النووي أو تعطيله أطول مدة ممكنة مع تبشير الأهالي بمشروعات تنموية داخل منطقة الضبعة الجديدة «موقع المحطة النووية تحت شعار «عايزين نعيش» تتمثل فى فتح مشروع محاجر لتصنيع وإنتاج البلوك، والعمل على فتح محاجر لتوريد الرملة والطفلة، وحفر آبار ارتوازية لاستخراج مياه عذبة صالحة للشرب والزراعة.، وتشجيعهم بضرب أمثلة لمواطنين نجحوا في إنشاء مزارع إنتاج دواجن، ومشروعات تربية أغنام، وبناء مساكن، وأن بعض المستثمرين سيقومون قريبًا بافتتاح كافتيريات ومحطات غسيل سيارات." ويأتى هذا فى ظل منطقة شرق أوسطية سوف تشهد خلال العقدين القادمين عدداً من البرامج النووية الطموحة لعدد من دول المنطقة أبرزها إيران، التي يستهدف برنامجها النووي إنشاء 12 محطة نووية رغم احتياطياتها الضخمة من الغاز والبترول، وتركيا التي تستعد لبناء عدد مماثل من المحطات يرفع إسهام الطاقة النووية إلي حدود 20 % علي الأقل من احتياجاتها، فضلاً عن إسرائيل التي تُخطط لبناء محطة نووية في منطقة شفتا علي الحدود المصرية الإسرائيلية لتحلية المياه وإنتاج الطاقة إضافة إلي امتلاكها لترسانة أسلحة نووية. ومن الجدير بالذكر فإنه يمكن لمصر الحصول علي 45 طن من خام اليورانيوم في العام عن طريق استخلاصها من الجرانيت الوردي حسب نتائج المسح الجيولوجي الذى قامت به هيئة المواد النووية. إن التخلف عن الإلحاق بركب التكنولوجيا النووية في هذه الظروف العصيبة، يعني اختيارنا للمكانة الدونية فى مصاف الدول التى طالما كانت تنظر لمصر على أنها هامة شامخة. محمد فاروق يسّ عضوالمجلس المصرى للشئون الاقتصادية [email protected]