لا أعرف بالضبط ما إذا كان أطفال الوطن الفلسطيني قد عاشوا حياة الطفولة والبراءة والاهتمام والتقدير مثلهم مثل أطفال دول العالم الأخرى، فيما يتعلق بفرص التعليم والاهتمام والتربية والإعداد والتأهيل والتطوير الذهني والنفسي والمعنوي، إضافة إلى تعزيز مهاراتهم وإبداعاتهم، وحقهم في العيش الكريم على تراب وطنهم، لأن أطفالنا وفلذات أكبادنا لم يولدوا ولم يعيشوا حياة الأطفال وبراءتهم حتى يومنا هذا، بسبب الانتفاضات الثورية والانقسامات الجغرافية والحروب الطاحنة التي يشنها أقذر احتلال على وجه البسيطة ألا وهو الاحتلال الإسرائيلي، وما تبعه من حصار ظالم وأثم، دفعت الطفولة الفلسطينية فيه كل براءتها وعفتها ولم تنتهي المعاناة، ولم يعش الفلسطيني مثله مثل غيره حياة البراءة إما بسبب العدوان والإرهاب الصهيوني على الأطفال والأشبال وحتى الأجنة في بطون أمهاتهم. وعندما انصرف الاحتلال من بعض الأراضي الفلسطينية، وشكلت حكومات تلو حكومات فلسطينية وأسس المجلس الأعلى للأمومة والطفولة والذي مات أكثر أعضاءه والباقي موجود خارج الوطن وفقط اسم بلا عمل أو إنتاج، استمر تجاهل الاهتمام بالطفولة من قبل المذكورين، يعني السعي عن قصد وإدراك إلى تدمير المستقبل الفلسطيني المتمثل بالأطفال، ومن أقصر الطرق وعدم وضع المقدمات الصحيحة لبناء مجتمع متكامل قادر على النهوض بأعباء المراحل المستقبلية، لأن الأوطان والشعوب المحترمة والمتقدمة، إنما تبدأ من القواعد الأساسية لتقوية أركانها ووضع الأساسات والدعامات القوية القادرة على صد أعنى الهجمات وهذا البناء يكون عادة من خلال الاهتمام بالنشئ الجديد فكريا وجسديا ونفسيا ومعنويا، مزودا بمصل وحب الأوطان والتمسك بها. يمكن للمتبع بسهولة أن يلحظ مقدار الاهتمام الذي تقوم به الدول المتقدمة لبناء شخصية الطفل وتوفير مستلزمات الحياة الحرة الكريمة له منذ الولادة وتهيئة الأجواء الحياتية والبيئية الملائمة ووضع الخطط التطويرية وتنمية القابليات والمهارات الفطرية لديه وبناء المدارس والمعاهد والكليات،إضافة الى تهيئة الكوادر العلمية القادرة على قيادة النشأ في الاتجاه الصحيح. وقد يكون الوطن الفلسطيني الأكثر استثناءا واحتياجا في العالم لضرورة الاهتمام والالتفات إلى شريحة الأطفال ووضع المقدمات الصحيحة لتربية نشأ مستقبلي لديه الإمكانات المطلوبة للنهوض بأعباء المرحلة المستقبلية لأسباب كثيرة منها داخلية ومنها خارجية، لذا يجب على أصحاب الشأن الإسراع والبدء من الآن بوضع إستراتيجية متطورة للنهوض بطفل فلسطين يكون أساسها مبادرات أصحاب الفكر والتخصص والمهتمين بشريحة الأطفال، لأن استمرار نزف الوقت ليس في صالح الوطن وشعبه. إن دعم أي مبادرة من قبل أي طرف وطني مخلص إنما هو دعم لإعادة بناء وتأهيل الوطن الفلسطيني، وهذا لن يتم إلا من خلال بناء الإنسان الفلسطيني، لأن بناء الأوطان لن يتم إلا من خلال بناء الإنسان، ومعروف أن الإنسان الفلسطيني عاني الكثير خلال العقود الأخيرة الماضية ترتب على أثرها الكثير من الإخلال بطبيعة العلاقة بين الإنسان ووطنه وهذه العلاقة إذا لم يتم إعادتها إلى مستواها الطبيعي لن نتمكن من النهوض بوطننا وشعبنا. عليه ندعو جميع مؤسسات المجتمع المدني وكذلك الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية والهيئات والمجالس العلمية والمهنية، أن تتحمل مسؤولياتها تجاه الطفل في سبيل إبراز جيل يتمتع بفكر نير يحول حياة الفلسطينيين إلى ما هو أفضل من اليوم. كما أن المؤسسات والمجالس الحكومية المعنية بهذا النشاط المهم لم تتحمل إلى يومنا هذا مسئولياتها بالشكل المفروض، لأن ابسط ما يمكن إعطاءه للطفل هي رياض الأطفال والتي تكاد معدومة بالرغم من أهميتها كنقطة انطلاق نحو بناء شخصية الطفل وإخراج طاقاته و مواهبه وإبداعاته خلال السنين الأولى من عمره وعلى أساسها يستطيع كل من المؤسسة التربوية وأسرة الطفل تطوير تلك القدرات. إن أي مبادرة لدعم الطفولة باختصار تعني إعادة تأهيل الإنسان الفلسطيني من جديد وتعني إعادة تمسكه بوطنه وتعني تخلصه من كل رواسب وآثار وآثام المراحل الماضية باختصار تعني بناء أساس فلسطيني جديد يكون للتحضر فيه أثر وللتطور ركن وللتقدم أملا بعيدا عن الماضي ورواسبه وهذا المشروع لن يكلف الحكومات كثيرا لأن الأموال وفيرة من خلال الدعم والمساندات الدولية، أما تأخير هذا المشروع وعدم إقامته فهذا يعني أن الطفولة الفلسطينية على شفا حفرة من الضياع والانهيار، وهي أصلاً لم تولد بعد وإن الوطن الفلسطيني لا زال يقبع في قعر الجهل والظلمات. إعلامي وناشط سياسي [email protected]