الحمدلله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه , أما بعد : الكل يشتكي من ظلم الناس بعضهم لبعض و لكن ألم تتأمل في يوم ما ظلمك لنفسك و للآخرين ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز و جل) رواه الطبراني و صححه الألباني و قال عز من قائل (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) و روي عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه قال : (جاهدوا أنفسكم فمن لم يقدر على نفسه فكيف سيقدر على غيره) و لا أعرف صحة سند هذا الحديث لكن لا شك ان المعنى صحيح و ذكرته من الباب الفائدة ليستأنس به. فالكل يشتكي و يبحث الذي له و لننظر الآن ما الذي علينا ؟ قال تعالى (وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فكم آذيت الناس بيدك ؟ و كم غيرت معروفا بيدك ؟ و كم جلبت منكرا بيدك ؟ و كم ذهبت الى المحرمات ؟ و كم سعيت في الأرض فسادا ؟ و كم ذهبت الى أماكن عرضت نفسك و ايمانك للخطر ؟ و كم كم ... ؟ و قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)متفق عليه. فكم نظرت الى ما لا يحق لك أن تنظر اليه ؟ (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) و كم وقع نظرك على شيء محرم ثم لم تصرف بصرك عنه ؟ مع أن ورد عن جرير بن عبد الله أنه قال : (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري) صحيح مسلم. و قال عليه الصلاة والسلام (قال لو أن رجلا اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح) صحيح مسلم. و قال (من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه) متفق عليه. و كان رجل اطلع من جحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى يرجل به رأسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لو أعلم أنك تنظر طعنت به في عينك إنما جعل الله الإذن من أجل البصر) صحيح مسلم. فأين نحن من هذه الآداب ؟ و كم طبقناها في حياتنا ؟ و قال تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فلماذا لا تختم أنت على فيك في الدنيا عندما تريد أن تتكلم بالباطل حتى لا تكسب السيئات ؟ و كم سببت هذا و اغتبت هذا و نممت هذا ؟ قال عليه الصلاة والسلام : (قتال المسلم فسوق و قتاله كفر) متفق عليه. و قال تعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) و كم همزت و لمزت ؟ (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) فالويل وعيد شديد بالهلاك و ورد عن بعض السلف أن الويل هو واد في جهنم. و كم من كذبة كذبتها و سميتها كذبة بيضاء ؟ و كم تكلمت في المجالس بغير علم ؟ قال عليه الصلاة والسلام : (لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)متفق عليه. و كم أسرفت في اللغو من باب الاستمتاع بالوقت ؟ وصف الله المؤمنين (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) و كم ضيعت وقتك في الدواوين لساعات طويلة في كلام لا خير فيه و تركت أهلك و أبناءك و هم بأشد الحاجة اليك ؟ قال عليه الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر ليقل خيرا او ليصمت) متفق عليه. و في الحديث المتفق عليه (نهى عليه الصلاة والسلام عن القيل و القال و كثرة السؤال و اضاعة المال). و كم كتمت من علم حصل بسببه حرمان انتشار الخير في شتى المجالات ؟ قال عليه الصلاة والسلام (ما من رجل يحفظ علماً فيكتمه إلا أتي به يوم القيامة مُلْجَمَاً بلجام من النار) رواه ابن ماجه و صححه الألباني. و كم أدخلت في جوفك من محرمات فعصيت الله به أولا ثم كان سببا في تغير صحتك و نفسيتك و حياتك الى الأسوأ ؟ (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). و لو لاحظنا أن أكثر المعاصي تأتي من قبل اللسان و لهذا قال عليه الصلاة والسلام : (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ) صحيح البخاري. و كم تجسست و سمعت ما لا يحق لك أن تسمع ؟ (وَلا تَجَسَّسُوا) و ما أحسن من قال : (وسمعك صن عن سماع القبيح - كصون اللسان عن النطق به, فإنك عند سماع القبيح - شريك لقائله فانتبه). و كم تكبرت على مسكين أو فقير أو يتيم أو محتاج , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )صحيح مسلم. و قال الله في الحديث القدسي : (الكبرياء ردائي و العظمة ازاري فمن نازعني واحدا منهما أدخلته النار) صححه الألباني في صحيح الجامع. و قال عليه الصلاة و السلام : (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم)صحيح البخاري. فكم تكلمت و عملت بتلك الوساوس – سواء كانت شهواتية أم شبهاتية- حتى سببت لك مشاكل ايمانية و نفسية و صحية و معنوية و اجتماعية ؟ و كم آذيت معك خلقا كثيرا بتلك الوساوس و حديث النفس ؟ و كم غيرت منهجك و تلونت بألوان و سلكت غير سبيل المؤمنين من أجل الحماس و العاطفة ؟ (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْر سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). و اذا كل هذه المعاصي تحدث لنا في اليوم و الليلة فهل تظن أننا سنعيش سعداء ؟ و هل تظن اذا تغير الحاكم سيتغير الشعب و ستتغير الحياة الى الأفضل ؟ قد يتغير صوريا و لكن باطنا و تعاملا يظهر خلاف ذلك , ثم اذا تراكمت هذه المعاصي معصية تلو المعصية ماذا سيحصل للذلك العبد العاصي ؟ (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فيصبح العبد غرقا بالمعاصي لا يبالي و هنا يتبين لنا كيف يتدرج العبد الصالح في المعصية الى أن يصبح لديه عدم مبالاة , بل قد يصبح عنده شيئا طبيعيا و كأنها عادة بل – و العياذ بالله – قد تصل به الحال حتى يظن أنه على صواب و أنه مصلح و غيره مفسد اذا لم يتدارك نفسه ! أرءيت هذا الظلم الذي نمر فيه في اليوم و الليلة ؟ و لربما عندما قرأنا الأدلة في النهي و الزجر عن الظلم نشعر كأننا نقرأها و نفهما لأول مرة لا سيما الأمور المنهي عنها يترتب على فاعلها وعيد شديد و ربما القراىء اذا قرأها يفهم ان تلك الأفعال تخرج من الملة ! و الأمر ليس كذلك و لكنها من الكبائر و يترتب عليه وعيد شديد حتى يمتنع الفاعل.فالتذكير و التحذير من ظلم النفس و ظلم الآخرين معك واجب لأن الانسان سمي انسانا لأنه ينسى و أيضا لقوله تعالى (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً) و قال (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) فليسارع الانسان في كل وقت و حين الى التوبة (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) فاحرص كل الحرص أيها الحبيب على الأسباب التي تعينك على الفلاح و انما التغيير الحقيقي يكون بتغيير النفس و أن تتعاون أنت و زملائك على التعلم و العمل و التواصي به و الصبر عليه و يا أيها اللبيب عليك أن تحكم بشريعة الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بين أهلك و جيرانك و أحبابك و عامة الناس حتى يعرفوا سماحة هذه الشريعة المباركة و بذلك تنتشر بسرعة و بقوة فما فائدة تغيير المسؤولين و الحكام ان كان الناس على مثل ما هم عليه ؟ فهذا يسمى تغييرا صوريا , فان كان و ما زال أدنى موظف يقبل الرشوة و يسرق و ما شابه بحجة ( كلنا بالهوى سوى ) فكيف ستتغير الدولة ان لم يتغير الشعب و تصرفاته ؟ و أنا لا أقول هذا الكلام خوفا من المسؤولين الكبار و لا رجاء من ورائهم الدريهمات و لكن الحقيقة المرة أننا نحتاج الى تغيير المحكوم قبل الحاكم و هذا الكلام ليس من عندي بل قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فتريد قوما و شعبا كاملا أن يتغير بدون أن يغيروا ما بأنفسهم و بدون دعوتهم الى التوحيد و العقيدة الصحيحة ؟ بل تدعوهم الى الديمقراطية و الحرية بفهم معكوس و شعارات زائفة ؟ و اذا أردت أن تبدأ بالتغيير و تستمر عليه فذاك لا يتم الا بأن تتذكر أن الله يراك و لن يتركه هملا و ان غرته الحياة و يتذكر قوله تعالى (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) و العمل بصدق و اخلاص كأنك ستموت بأي لحظة و من ثم سيحاسبك الله على ما قدمت كما قال ابن عمر – رضي الله عنهما - : (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) صحيح البخاري.