إن الجهاد أفضل الأعمال قال الله تعالي : "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين. الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون" وفي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير قال: "كنت عند منبر النبي صلي الله عليه وسلم فقال رجل: لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر. لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمِّر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة. ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فأنزل الله عز وجل : "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الاخر" إلي آخر الآية.. فهذا الحديث الذي فيه ذكر سبب نزول هذه الآية يبيِّن أن المراد أفضل ما يتقرب به إلي الله تعالي من أعمال النوافل والتطوع الجهاد. وأن الآية تدل علي أن أفضل ذلك الجهاد مع الايمان. فدل علي أن التطوع بالجهاد أفضل من التطوع بعمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج. وعلي مثل هذا يحمل حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا. وأن الجهاد أفضل من الحج المتطوع به. فإن فرض الحج تأخر عند كثير من العلماء إلي السنة التاسعة. ولعل النبي صلي الله عليه وسلم قال هذا الكلام قبل أن يفرض الحج بالكلية. فكان حينئذ تطوعاً. وقد قيل: إن الجهاد كان في أول الإسلام فرض عين فلا إشكال في هذا علي تقديمه علي الحج قبل افتراضه. فأما بعد أن صار الجهاد فرض كفاية والحج فرض عين فإن الحج المفترض حينئذ يكون أفضل من الجهاد. قال عبدالله بن عمرو بن العاص: "حجة قبل الغزو أفضل من عشر غزوات. وغزوة بعد حجة أفضل من عشر حجات". وروي ذلك مرفوعاً من وجوه متعددة في أسانيدها مقال. وقال الصًَّبي بن معبد: "كنت نصرانياً فأسلمت. فسألت أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم : الجهاد أفضل أم الحج؟ فقالوا: والمراد والله أعلم أن الحج أفضل لمن لم يحج حجة الإسلام مثل هذا الذي أسلم. وقد يكون المراد بحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن جنس الجهاد أشرف من جنس الحج. فإن عرض للحج وصف يمتاز به علي الجهاد وهو كونه فرض عين صار ذلك الحج المخصوص أفضل من الجهاد وإلا فالجهاد أفضل.. والله أعلم. وقال دل حديث أبي هريرة رضي الله عنه علي أن أفضل الأعمال بعد الجهاد في سبيل الله جنس عمارة المساجد بذكر الله وطاعته. فيدخل في ذلك الصلاة والذكر والتلاوة والاعتكاف وتعليم العلم النافع واستماعه. وأفضل من ذلك عمارة أفضل المساجد وأشرفها وهو المسجد الحرام بالزيارة والطواف» فلهذا خصه بالذكر وجعل قصده للحج أفضل الأعمال بعد الجهاد. وقد أخرجه ابن المنذر ولفظه "ثم حج مبرور أو عمرة". وقد ذكر الله تعالي هذا البيت في كتابه بأعظم ذكر وأفخم تعظيم وثناء قال الله تعالي : "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي وعهدنا إلي إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود" البقرة: 125. وقال تعالي: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدي للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً" آل عمران:96. 97. وقال تعالي: "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئاً وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود. وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق" الحج: 26. .27 فعمارة سائر المساجد سوي المسجد الحرام وقصدها للصلاة فيها وأنواع العبادات من الرباط في سبيل الله تعالي كما قال النبي صلي الله عليه وسلم في "إسباغ الوضوء علي المكاره. وكثرة الخطي إلي المساجد. وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط. فذلكم الرباط. فذلكم الرباط". فأما المسجد الحرام بخصوصه فقصده لزيارته وعمارته بالطواف الذي خصه الله به من نوع الجهاد في سبيل الله عز وجل وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "يا رسول الله نري الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد فقال: لكن أفضل الجهاد حج مبرور" يعني أفضل جهاد النساء. ورواه بعضهم: "لكن أفضل الجهاد حج مبرور". فيكون صريحاً في هذا المعني. وقد أخرجه البخاري بلفظ آخر وهو "جهادكن الحج". وهو كذلك. وفي المسند وسنن ابن ماجة عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "الحج جهاد كل ضعيف" وخرج البيهقي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة" وفي حديث مرسل "الحج جهاد والعمرة تطوع".