لم تكونوا يوما لنا أعداء ، ولم نكن يوما لكم عدواً ، زمن طويل ونحن جيران وأصدقاء ، وزملاء دراسة وعمل ، زمن طويل لم يعتد مسلم على مسيحي ، ولا مسيحي على مسلم ، كنتم ومازلتم لنا سنداً، وكنا ومازلنا سنداً لكم ، زمن مديد لم نشعر باختلاف الدين ، ولم تشعرونا بأننا مختلفون عنكم ، ولم نشعركم بهذا الإحساس القاتل . قضيت شطراً من حياتي ساكناً ببيت مسيحيين ، كانوا أهلاً ، وأصدقاء ، ومنقذاً، كانوا دوماً في شقتنا، يأكلون ويشربون ،ويلعبون ، وكنا في شققهم نأكل ، ونشرب، ونلعب ، لم نفعل هذا إلا لأن الكبار سبقونا إليه ، كنا ننتظر أعيادهم كي نستمتع بكعك عيدهم ، وكانوا ينتظرون أعيادنا ليستمتعوا معنا بفرحتنا ،لم يكن للضغينة مكاناً في قلوبنا ، لم نعرف فرقاً بين الإسلام والمسيحية ، لم تشعرونا بذلك أبداً، لا أنسى أيام رمضان عندما كنا نطرق أبوابكم صائحين ( إدونا العادة حبة وزيادة ) ، كانت حلواكم ،وفاكهتكم ، وقروشكم تملأ أكياسنا ، كان صغاركم يشترون فوانيس مثلنا، ويطوفون معنا، الفرحة فرحتهم وفرحتنا ، كنا نسلم على قسيسيكم بكل براءة تسر ، وكانت عجائزنا يتباركن بهم، ظلت علاقاتنا علاقة ود ومحبة . كثيراً ما رأيت مسيحيين في شوادر عزاء المسلمين، يستمعون للقرآن بكل خشوع ، وكثيراً ما رأيت المسلمين يواسون المسيحين في كنائسهم. وكثيراً ما حضر مسيحيون أفراحنا في المساجد ، وكثيراً ما حضرالمسلمون أفراحهم بالكنائس .كنتم ومازلتم إخواننا ، وسنظل إخوانكم حباً لا كرهاً . لا أنسى دماسة خلق زميلتي المسيحية في رمضان ، كانت لا تأكل طوال ساعات العمل، وإن أرادت ماءً تسحبت دون أن نشعر، احتراماً لصيامنا ، كنا نلح عليها كي تتناول طعامها، كانت تصدمنا بأنها لم تحضر معها طعاماً ، وتقول بملء فيها أنا ( صايمة زيكم)، كنا نحترم صيامها ، كانت شريكتنا في الإفطار كل يوم، فكنا نحرم على أنفسنا ما هي صائمة عنه، لم تكن تصرفاتها تصنّعاً ، ولا تملقاً لنا ، ولم تكن تصرفاتنا رياءً وسمعة ، فقد تربينا على أننا أهل ، ولم يكن الدين يوماً سبباً في تباعدنا . لم نتباعد إلا في أواخر الحقبة ( الحسنية ) يرفض قلمي أن يقول المباركية ، فلم أشعر فيها بأية بركة أشعل النظام البائد الفاشل نيران التعصب في النفوس ، قتل هنا ، واغتصاب هناك ، وحوادث مدبرة تنفخ في كل جذوة كي تعلو ألسنة لهبها ، فيستقر الظالمون على مقاعدهم بإلهاء الناس عنهم، كانت سياسة فرق تسد سياسته الوحيدة ، ونجح في تنفيذها ، فظلت رأس النظام جاثمة على أرواحنا ثلاثين سنة ( وليست ثلاثين عاما ) طبعاً عارفين الفرق بين السنة والعام وظل أعوانه يرتعون مطمئنين بانشغال العيون عن فضائحهم بالصراعات ، والاتهامات ، والتظاهرات المؤججة للكراهية في النفوس . النظام البائد هو من دبّر حوادث الصعيد الكثيرة ، وهو من فجر كنيسة القديسين بالإسكندرية ، وهو من فعل .. وفعل .. وفعل ... سنوات طويلة ينفخ سمه ، وينفذ زبانيته الحوادث المشينة ، يلصقونها مرة بالمسلمين ، وأخرى بالمسيحيين. وعلى ما يبدو أن مبارك مازال قادراً على النفخ ، وأن نفسه لم ينقطع حتى الآن ، فما يحدث في مصر ليس من شيم المصريين ، وهدم الكنيسة ليس من فكر المسلمين ، المسلم يحترم الكنائس كدور عبادة ، ويعلم أن إيمانه لن يتم إلا بالإيمان بعيسى عليه السلام ، وبكتابه الإنجيل، ما حدث فعل فاعل يريد إشعال نيران الفتنة ، لا استبعد أن يكون وراء ما حدث فلول النظام القديم ، محتكرو لقمة عيش الغلابة ، خاسرو الإتاوات ، والرشاوي ، وعمولات بيع السلاح ، ناهبو الأراضي ، سارقو القطاع العام، الطامعون في عودة مبارك زعيم التنظيم ، أو على الأقل جمال الضعيف ، ووزراء الأدراج المفتوحة عفواً الدواليب المفتوحة ؛ فقد ورد في معجم اللصوص أن الدرج خاص بالموظف المرتشي المنحوس، والدولاب بالوزير محب الفلوس ومفصّلو القوانين الخادمة مصالحهم ، الرادعة المعترضين سياستهم ، ولا استبعد وجود أيد خارجية ، غربية أو صهيونية وراء ما يحدث ؛ فالثورة المصرية ترعب إسرائيل رعباَ ما بعده رعب ، ليس خوفاً من إلغاء معاهدة السلام، أو قطع الغاز كما يردد أصحاب الأفق الضيق ، بل خوفاً من تغير الشخصية المصرية ، وتحولها غير المتوقع ، ومفاهيم الشباب عن الدين ، والعمل ، والوطن . العالم كله يتوقع نهضة مصرية شاءت القوى العظمى أم أبت ، وتغيرات اجتماعية وسيسيوثقافية ستحدد علاقة مصر بالغرب ، وأمريكا، وإسرائيل ، وإيران ، وروسيا وتركيا . لقد فشلت مخابراتهم في توقع سيناريوهات الثورة ، ولم تفشل في توقع ما بعدها، لذا يحاولون بسب تأكدهم من صعوبة استمالة أى شخصية من الشخصيات المرشحة لقيادة دفة الأمور في المرحلة القادمة ، القضاء عليها بإثارة الفتن والقلاقل بين المصريين ، بخلق حالة من الرعب داخل المجتمع ، ببلطجة هنا وبلطجة هناك، سرقة بالإكراه هنا ،وإرهاب هناك ، خطف بنات هنا، وإشاعات اغتصاب هناك. إخواننا في الوطن ، في حرب أكتوبر المجيدة استشهد المسلم دفاعاً عن أخيه المسيحي وتلقى المسيحي في صدره رصاصات لينجو إخوانه المسلمون ، وفي ميدان التحرير من أيام حميتم المسلمين وهم يصلون من هجمات البلطجية ، وهراوات الأمن المركزي ، وتقاسمت الطعام مع إخوانكم المسلمين، وقبلتم طعامهم ، سنظل نذكر لكم ذلك ، مشايخنا أشادوا بوقفتكم ، وقساوستكم مدحوا محبتنا لكم ... أفيقوا إخواننا ولا تسمحوا لنفخات الشر أن تؤتي ثمارها وتفرق بيننا ... وثقوا في أن من اعتدى عليكم ليس منا ؛ فقد وصانا عليكم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وقال إننا في رباط إلى يوم الدين . لا تقضوا على فرحة مصر بأفعال ليست من شيمكم ، واسألوا أنفسكم سؤالاً لو كان المسلمون هم هادمو كنيستكم فلماذا حموها في أيام الثورة ؟ لماذا لم يسجل اعتداء واحد على كنيسة من كنائسكم وهى بلا حراسة ؟ اسألوا أنفسكم لماذا تهدم كنيسة في هذا التوقيت بالذات ؟ ألستم معي أنها حاجة تحير ؟ وشكلها نفخة من ( نفّيخ أراري ).