ماذا عسى الإنسان أن يقول ، وماذا عسى التاريخ أن يقول ، في زمن كان من المستحيل أن يكون الإنسان فيه إنسانا ، وما أقسى أن يكون الإنسان إنسانا ، في هذا الزمن العربي الرديء الذي هزمت فيه الأمة العربية ، ونزعت منها شخصيتها ، وماتت فيها إرادتها ، وعندما تنزع شخصية الأمة وتموت إرادتها ، تنسج بالتدريج ثقافة أخلاقية خاصة ، تنسجم مع الهزيمة النفسية وثقافة الهزيمة النفسية ، لأنها أمة بدون إرادة ، أمة لا تشعر بكرامتها ، امة لا تشعر بشخصيتها ، بالرغم من وضوح الهدف ووضوح الطريق الى الهدف ، وبالرغم من قدرتها على التمييز المنطقي بين الديمقراطية والديكتاتورية ، ومعرفة خطورة ميكانيزم تراكم السلطة في قبضة شخص واحد ، ومعرفة ما سوف يخرج من هذه الأنظمة ، لأن التاريخ مثل النهر يمكن للإنسان أن يتتبع مساره ، ولذلك لا يجوز لأي إنسان في هذا الوطن العربي أن يقول انه لم يكن يتوقع ديكتاتورية نظام السادات وفساد نظام السادات وكامب ديفيد نظام السادات ، ولا يجوز لأي إنسان في هذا الوطن العربي أن يقول انه لم يكن يتوقع ديكتاتورية سلطة عرفات وفساد سلطة عرفات وأوسلو سلطة عرفات ، ولا يجوز لأي إنسان في هذا الوطن العربي أن يقول انه لم يكن يتوقع ديكتاتورية نظام الملك حسين وفساد نظام الملك حسين ووادي عربة نظام الملك حسين ، ولا يجوز لأي إنسان في الوطن العربي أن يقول أنه لم يكن يتوقع أن يسير الحكام العرب على نفس طريق نظام السادات وسلطة عرفات ونظام حسين ، لأنهم يعرفون أن وجودهم واستمرار وجودهم يتوقف على مدى توافقهم مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية ، وليس على مدى توافقهم مع شعوبهم العربية ، ولا يجوز لأي إنسان في هذا الوطن العربي أن يقول أنه كان يتوقع أن يتحقق شيء من نظام سياسي تتلاعب فيه الكلمات بالقضايا الوطنية ، ولذلك كان أزلام الحكام العرب من المروجين والمهرجين والوصوليين وبائعي الشعارات وحاملي المباخر يرسمون القوالب الجاهزة المصنوعة خصيصا لتكون سجنا للفكر ومقبرة للاجتهاد وتجهيلا لحركة التاريخ ، وكان بلطجية الحكام العرب في غزوة الحمير في ميدان التحرير وفي شوارع تونس وبنغازي وصنعاء والمنامة والجزائر وعمان والكويت يضعون حياة الأمة العربية على حافة الهاوية والانهيار، وعندما تقف حياة الأمة على حافة الهاوية والانهيار فإن أعادة تنظيمها لا يمكن أن يكون في هذه الحالة الا بأقصى درجات العنف والقوة ، ولذلك كانت ثورة الشباب في تونس ومصر واليمن والبحرين وليبيا ، وكانت تونس روح الثورة الملهمة ، وكانت مصر عقل الثورة المفكر ، وكانت ليبيا يد الثورة ، واليمن يد الثورة ، والبحرين يد الثورة ، وسوف تخرج من روح تونس الملهمة وعقل مصر المفكر عشرات الأيادي ، لأن مشروعية وشرعية هذه الروح القانونية والسياسية ، ومشروعية وشرعية هذا العقل القانونية والسياسية ، ومشروعية وشرعية هذه الأيادي القانونية والسياسية لم تكتسب من عمق التوافق مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية ، ولكن من عمق التعبير عن مشاعر الشعوب العربية ، ومن عمق كبح السلطة الشمولية الدكتاتورية بحيث تكون الحكومة مسؤولة أمام الشعب ومقيدة بالالتزامات والواجبات والتقاليد الدستورية والتعهدات التاريخية ، ومن عمق تكيف القانون الوضعي مع القانون الطبيعي ( قانون المكان والزمان – الجغرافية والتاريخ ) ومن عمق توسيع الحريات المدنية ، ومن عمق وضع حرية الحاكم في الإطار الذي لا يتجاوزه داخل النظام الكلي للدولة ، ومن عمق دماء الشهداء ، شهداء تونس ، وشهداء مصر ، وشهداء ليبيا واليمن والبحرين وفلسطين ولبنان والعراق ، وما سوف يخرج لاحقا من الشهداء في هذا الوطن العربي المنكوب بحكامه ، لأن الأمة الحية هي الأمة الذي يعيش فيها الشهداء أحياء ، ولأن وجود شهداء يعني وجود أمة حية ، ولأنه لا حق لأي عربي إن ضاعت في هذا الوطن العربي حقوق الشهداء ، ولكني أتمنى عليكم ومصير الوطن العربي في أيديكم أن تحترسوا من اللصوص الظرفاء ، وأن تحترسوا من الأنبياء الكذبة الذين سوف يأتون إليكم في ثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة كما قال السيد المسيح ، وعندما سئل السيد المسيح عليه السلام كيف نعرفهم ، قال المعلم ( من ثمراتهم تعرفونهم ، فلا تعطي ثمرة التين حسكا ) ، كما أتمنى عليكم أن تعرفوا أن السلطات العربية الشمولية الدكتاتورية سوف تحاول إعادة إنتاج نفسها باستعمال كل الوسائل وحتى الوسائل غير الأخلاقية .