كما أن هناك مثلث جدارة ائتمانية يقاس به ملاءة الهيكل التمويلي للمؤسسات على اختلاف أنواعها، يتكون من الإدارة ، الأداء العام، والأصول، فإنه يمكن وضع مثلث آخر تقاس به قوة الدولة، يتكون من هيكل الاقتصاد، القدرة العسكرية، والتناغم المجتمعي، هذا المثلث يعطينا مؤشرات نقيس بها القدرة العامة للدولة من حيث القوة أو الضعف. ولو تناولنا هذا المفهوم بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية فنحن أمام دولة عظمى قوية، بلا حضارة، ولا تاريخ، ولا ماضي، نشأت منذ نحو ثلاثمائة عام، هذا كل عمرها، سكانها من مطاريد البلاد الأخرى، ولكنهم استطاعوا أن ينظموا أنفسهم، ووضعوا معاييرهم وطبقوها، وأول ما طبقت كان تطبيقها على من وضعوها فكُتب لها النجاح، فصار لهم مقومات وأسس الدولة، بل الإمبراطورية "إن الله يقيم دولة العدل ولو كانت كافرة، ولا يقيم دولة الظلم ولو كانت مؤمنة"، فحق لها أن تكون القطب الأوحد، والقوة العسكرية الأولى فى العالم، ولن نخوض فى هذا الجانب، فهو ظاهر، وكما يقولون بياناً عياناً، وأيضا فهو بعيد عن تخصصنا أما المجتمع الأمريكي فهو مجتمع متناغم بحق، ولكى نفهم معنى هذه العبارة، لابد لنا أولاً أن ننسلخ تماما عن مفهومنا ومعتقداتنا الخاصة بالمفهوم المجتمعي، فالتناغم المجتمعي الأمريكي مبنى أساساً على الحقوق والواجبات، فكل مواطن أمريكي يعرف تماماً واجباته، يؤديها بمنتهى الدقة، لأنه ترسخ لديه يقين بأنه سوف يحصل على كافة حقوقه، يتساوى فى ذلك العامل الصغير قبل الرئيس الكبير، والضعيف قبل القوى. صحيح أن قدمي لم تطأ أرضهم حتى الآن ولا توجد لى رغبة فى ذلك فى ظل هذه الظروف ولكنى أحكم واستنتج من خلال المخرجات، فلا يمكن أن تكون مخرجات المجتمع الأمريكي بكافة أشكالها وجوانبها وأنواعها على هذا النحو من الجودة والدقة والانبهار، دونما أن تكون مدخلاتها مدققة ومجودة، ومتوفر لها كل السياسات والآليات والثقافات اللازمة لترسيخ مقومات مجتمع لا يرضى إلا بمثل هذه المخرجات، مجتمع يوفر لمواطنيه المأكل والمسكن، ويساوى فيما بينهم، فيحقق لهم العدل، ويهيئ لهم مناخ تعليمي مؤهل وملائم لتنمية كافة القدرات والمهارات، فيحققوا هم لمجتمعهم الانتماء، وتلك ببساطة هى منظومة الانتماء وهذا ما نقصد من تعبير التناغم المجتمعى، والتى أشرنا إليها بالتفصيل فى مقال سابق، أما الضلع الثالث من منظومة القوة الأمريكية فهو الاقتصاد، والتى تبنى على السلوك الاقتصادى للأفراد والمجتمعات كالانتاج والاستهلاك والادخار وتبادل السلع والخدمات، والاقتصاد ببساطة هو الاستخدامات المتعددة للموارد الاقتصادية وتوزيعها فى الحاضر والمستقبل. والاقتصاد شأنه شأن باقى الجوانب الأخرى، فهو يتأثر بالأوضاع السياسية والاجتماعية، والسياسة الأمريكية مبنية أساسا على تحقيق الأفضل لها داخليا وخارجيا فى كل جوانب الحياة فقد استطاعت أن توفر مناخ لنهوض وتقدم مجتمعي، فاستطاع بدوره أن يبنى اقتصاداً قوياً عالمياً ضخماً يتمتع بتعظيم القيمة النقدية لمدخلاته ومخرجاته ووفرة رأس المال المحلى، وتدفقات لرأس المال الأجنبي بلا حساب، وحجم متنوع ومهول للثروة القومية، هذا ما كان، ولنرى ما هو الآن، وما سيكون. يعتبر ميزان المدفوعات هو الميزان الذى يقاس به قدرة الاقتصاد القومى، وهو يمثل الحقوق والديون التى تنشأ بين الدول نتيجة للتعاملات الاقتصادية بينهم خلال فترة زمنية، ومن المستحيل أن يتحقق فائضاً فى موازين جميع الدول "فبالطبع أى فائض يقابله عجز" ومدخلاته ناتج حركة استيراد وتصدير السلع والخدمات، دخول استثمارات أو عوائد استثمارات خارجية، وتحويلات العاملين بالخارج، وحركة رؤوس الأموال مع مراعاة أن زيادة الصادرات فى دولة يعنى الزيادة بنفس قيمتها من النقد الأجنبي والذهب، أو يسجل الفارق ديناً لصالحها، أما زيادة الواردات فيقابله إنفاق من رصيد الدولة من الذهب أو النقد الأجنبى، أو استدانة، وهنا تكون بداية الهاوية إذا ما تخطت هذه الاستدانة الحدود الآمنة لها بالمقارنة بإجمالي الناتج المحلى، ومايحدث فى مصر قد قارب السقوط فى الهاوية، فحجم الناتج المحلى الاجمالى فى مصر المتوقع فى العام المالى 2013/2014 يقدر بنحو مبلغ 2 تريليون جنيه مصرى بالمقارنة بإجمالى حجم الدين الكلى والبالغ نحو 1.8 تريليون جنيه، وما نفعله لا يزيد عن الاعتماد الكلى على المنح والمعونات والهبات العربية، والتى لن تستمر الى الأبد. "......... إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق:3) وللحديث بقية إن شاء الله. [email protected]