قرأت اليوم ما كنت أخطط له من زمن ليس بالقريب لوضعه أمام المسئولين ليكون نافذة لتطوير التعليم فى مصر ، فقد وضعت عدة خطوط لذلك فى مختلف مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والفني بأنواعه الثلاث ، بل والجامعات وكلياتها المتعددة 000 كليات التربية والتجارة والهندسة والزراعة 00 وما يلحق بها من معاهد فوق المتوسطة والعليا. وأنا لا أعرف إن كانت لجنة التعليم بمجلس الشورى أخذت تصورى مما احتفظت به على جهازى الحاسوب ؛ أم أن أحد تلامذتى فضفض بما يشغلنى من أمر التعليم وتخلفه الحضاري والخلقي على السواء 00 ! وعموما ، فقد حفزنى ذلك وغيره إلى إبداء وجهة نظرى التى كنت أنتظر الفرصة لوضعها أما المسئولين ، ففضلت أن أضعها أمام ذوى الرأى والاستنارة العلمية من القراء ليشاركونى فيها ، فيضيفوا أو يحذفوا ما يعن لهم من أفكار ، فهم والحمد لله وإن كانوا قلة ، فليسوا قلة معدومة . قرأت أن بجريدة المساء اليوم الأحد 23 يناير 2011م أن د. هاني هلال وزير التعليم العالي كشف أن هناك اتجاهاً لإلغاء دبلوم التجارة وتطويره لنوع آخر من التعليم ، وذلك فى اجتماع لجنة التعليم بمجلس الشوري ومناقشتها مشاكل التعليم الفني. ويقول الخبر أن جريدة المساء ناقشت خبراء التعليم فرفضوا إلغاء الثانوي التجاري مؤكدين أنه يتيح حق التعليم للأسر الفقيرة وللطلبة الأقل في مستوي التحصيل.. أما رئيس لجنة التعليم بالشوري فقد أكد أن هناك اقتراحات عديدة لتطوير التعليم الفني منها إلغاء المدارس التجارية وضم التعليم التجاري للثانوي العام ليصبح إحدي شُعبه إلي جانب العلمي والأدبي. ولنا عدة ملاحظات على موقف الطرفين سواء من يطلقون عليهم بخبراء التعليم وبخاصة أنهم فى معظمهم ممن استفادوا بإمكانيات التعليم الفني سنوات عدة ، فهم الآن على المعاش ، فهنيئا لهم لا حسد ولا غيرة ، فالحمد الله الغني المغنى بالحلال ، فقد سمعت أن أحدهم ممن فارق دنياه غفر الله لنا وله قال لتلامذته يوما ما : ما معنى مدرسة تجارة ؟ يعنى احنا بنتاجروا فيكم 00 ، بل كان مما سمعته عنه وكان مديرا للمدرسة يترك تلامذته الذين يأتون إليهم فى منزلة للدرس الخصوصي وهم مجموعات كثيرة ، فيتركهم أمام التلفزيوم أيام كان التلفزيون نادرا فى بلادنا ، ثم يأتى دور المجموعة الأخرى ، فيقول لهم :يا لا يا ابن 00 الدرس خلص ( كان ظريفا ) 00 00 المهم ، فإننى أوافق الدكتور / فاروق إسماعيل رئيس لجنة التعليم بمجلس الشوري على تلك المناقشات والجلسات التى تعقد للاستماع في لجان التعليم بمجلسي الشعب والشوري لتطوير التعليم الفني بشُعبه الثلاث التجاري والزراعي والصناعي لتلبية حاجة سوق العمل 0000 وأوافق أكثر على ذلك الاتجاه الذى يقترح إلغاء الثانوي التجاري كمدارس مستقلة وضمه للتعليم الثانوي العام 00، بل إننى سررت بحق لهذا التوجه. ولكننى لا أوافق على من يشترط فى ضمه للتعليم الثانوي العام أن يصبح شُعبة ثالثة مع العلمي والأدبي 00 ! وكان لا بد من إثارة تساؤل هام : ولماذا شعبة ثالثة ؟ ، بل يدمج ضمن شعبة أدبى ، فيدرس طالب الأدبي المحاسبة وفن البيع والتسوق بدلا من الرياضيات والآلة الحاسبة التى صارت الآن فى كل مكان ، فلا حاجة للآلة الكاتبة التى اختفت تماما من كل مكان إلا مخازن التربية والتعليم 00 ! ولعل أعجب ما سمعته من الخبراء لتبرير بقاء التعليم التجاري أنه فى حالة إلغائه تقضي علي حق أبناء الفقراء والطالب ضعيف المستوي أو الذي يرغب في التعليم الفني والحصول علي مؤهل متوسط. وهذا فى تصورى هو بيت الداء ، فمتى كان الضعيف فى مستواه التحصيلي يكون مؤهلا للتعيين فى عمل ، ومتى كان أصحاب العمل من البلاهة حتى يقبلون هؤلاء المتدنية مستوياتهم التعليمية فى إدارة أعمالهم الاستثمارية ؟ وأي مجانية تلك التى ما زالت تبكى حظ أبناء الأسر الفقيرة ؟ أليس خريج الجامعات ومن لهم قدر على التحصيل عاطلين بلا عمل ؟ بل يعملون من حرف لم يكونوا قد أهلوا لها من قبل ، فلا أحد يعمل فى تخصصه ، فمن باب أولى أن يأخذها الطالب ذو المستوى المتدني والفقير ، فليأخذها من أولها ( من قصيرها ) ، فيعمل فى حرفة ويتعلم حرفة قبل فوات الأوان ، فيكسب صغيرا ، ويعتني كغيره ممن هربوا بإرادتهم من المدارس وشقوا طريقهم فى الحياة بأى وسيلة ، فمنهم من يتحكم بقبضة الحديد فى رقاب الناس ظلما واستعلاء ، بل يباهى بماله هذا ويتطاول على علماء الأمة وأصحاب التخصصات الدقيقة ممن يعملون ولا يطلبون أجرا لما يقدمونه لأمتهم ، فيبتغون وجه الله العلي الأعلى المعطى الوهاب سبحانه وتعالى 00 ! وأعجب منه تلك الخبرة التى تطالب بضرورة الاهتمام بتطوير طرق الدراسة والمناهج بتخفيف المواد الثقافية وزيادة جرعة المواد العلمية التي يحتاجها سوق العمل كالإدارة والسكرتارية والمحاسبة اللغة الانجليزية00 ؟ وكأن المواد الثقافية هي العقبة أمام هؤلاء الغشاشون المتدنية قدرتهم التحصيلية ، فلعل البعض لا يعرف ما هي المواد الثقافية التى يدرسها طلبة المدارس الفنية بعامة والتجارية بخاصة : إنها : اللغة العربية والتربية الدينية واللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية 00 وغيرها مثل علم النفس 00 ولعل البعض لا يعرف ما القصود بالمواد الثقافية ، فقد عملت مدرسا أولا للغة الإنجليزية بالتعليم التجاري لمدة ثمانية أعوام أثناء إعدادى لراسلتي الماجستير والدكتوراة ، فمما دهشت منه أن مدرسى المواد التجارية والمدرسين الأوائل ( المحاسبة والرياضة المالية وما شابه ) ذهلوا ، فلأول مرة يسمع عن مدرس أول للغات بمدارسهم العتيقة ، فجاؤنى بعد يوم واحد من إقامتى بالعمل بمفتاح حجرة للدروس الخصوصية ، فشكرتهم على اهتمامهم المثير للريبة والشك ، وقلت لهم لا أتعاطاها والحمد لله رب العالمين ، فيكفينى حصة أو أكثر من الحصص الإضافية 00 إن هذه المواد الثقافية التى يشيعون لتلامذتهم أنها غير هامة ولا تخشوا منها فى الامتحانات ، فنحن الذين نراقب عليكم فى شهادة الدبلوم ، فلا يهمكم شأنها ، بل ويقنعونهم أنها عالة عليهم وعبء سيتم إلغاؤه ، هذه المواد الثقافية دون سواها مما يقال له مواد تجارية هى أقصد المواد الثقافية المؤهلة اليوم فى سوق العمل ، فلا حاجة لكاتب آلة كاتبة ، فالكمبيوتر صار معمما فى جميع مراحل التعليم . أما مواد السكرتارية والتسويق وغيرها ، فلا حاجة لسوق العمل بها من المدارس المتوسطة ، فأصحاب العمل يدربون من يختارونه على هذه الأعمال تدريبا مفيدا يناسب حاجة مؤسساتهم وشركاتهم ، فليس تحصيل الكلام الإنشائي مفيد لأحد000 إننى إن كنت أوافق على عدم إلغاء التعليم الفني التجاري ، فمن باب واحد فقط هو إتاحة الفرصة لبعض خريجى الكليات التجارية وكليات التربية فى العمل فى حقل التعليم ، فتكون توسعة على العيال ، ولكنها فى ذات الوقت تضيقا على نهضة المجتمع ، فتعرقل تقدمه فى سبيل حفنة قروش وأكلة فول وطعمية . أما مسألة تحسين مستوى اللغات لمجرد أن يتمكن الطالب من الالتحاق بالمعاهد العليا والكليات ، ففيه تناقض من كل وجه ، فالأول أنهم يطالبون بتخفيف المواد الثقافية مع أن اللغة الإنجليزية محسوبة منها ، بل إنها تقدم فى التعليم التجاري بما لا يحقق ولو تعلم قراءة رسالة واردة . هذا ، وما جدوى اللغات الأجنبية فى الالتحاق بالمعاهد العليا والكليات وخريج الكليات من طلبة الثانوية العامة لا يجيدون لا لغة عربية ولا إنجليزية ولا أعمال تجارية وسكرتارية ؟ ، بل لا يجيدون حتى أعمال الكمبيوتر ؛ تلك اللعبة التى يتسلها بها أطفالنا الصغار دون أن يدرسوا فى مدارسنا الفنية والعامة وكلياتنا المختلفة ، هكذا بمجرد النظر يتعلم الطفل كيف يستخدم( الفارة ) التى أفصل بدلا منها مصطلح ( الشاغول أو المكوك )؛ وكيف يعزف على لوحة المفاتيح ، فيصل مباشرة لما يحب من البرامج دون عناء ، ناهيك فى عبثه أحيانا بملفات الآباء ، فليس بغرض الإفساد ،فحب الاستطلاع وطلب المعرفة فطرة فطر عليها الإنسان 00 أقول : فإن كان ولا بد من مواد معينة يحتاج إليها سوق العمل فى مجالات السياحة والتسوق خاصة ، فيكتفى بمدارس الفندقة فهي أرحب مجالا وأوسع انتشارا ، فقط بأن يتنزل فى قائمة المعاهد فوق المتوسطة بعد التعليم الثانوي العام ، وتكون شعبة أدبي بالتعليم الثانوي العام حاضنة تلك المواد المؤهلة لهذه المعاهد مثل : 1- المحاسبة 2- والرياضة المالية 3- والسكرتارية 4- وأعمال الفندقة وذلك بديلا عن الرياضيات التى لا يستفيد منها خريج شعبة أدبي ذات بال ، على أن توزع مواد شعبة أدبي على السنوات الثلاث كما يلى : 1- السنة الأولى : المواد العامة المعروفة بالتعليم الثانوي + تمهيد فى المحاسبة العامة وما يتصل بها من مبادئ كالقيد المزدوج واليومية العامة ، وحسابات الأستاذ . 2- السنة الثانية : المواد المعروفة بالثنوى العام + الحسابات الختامية. 3- السنة الثالثة : مواد الثانوية العامة المعروفة + الميزانية العامة + بعض أعمل السكرتارية والبنوك والشيكات وما يتصل بها من العيوب والإلغاء. ولكن – لا يستقيم ذلك إلا بعد تقليص بعض المواد كالفلسفة والمنطق وعلم النفس والاجتماع والتربية الوطنية كل فى كتاب واحد يعطى الطالب فكرة عامة عن موضوعات كل منها دون الدخول فى عمقها البحثي ، يعنى ثقافة عامة ، فقط ننبه أن لا تحتوى هذه المواد على أسماء بالية من الشرق والغرب يتسب لها الفضل على النهضة الثقافية فى مصر من أولئك العلمانيين والشيوغيين والإلحاديين ، فلترحموا أبناءنا من تلك الأسماء المقززة ولو كانت هدى شعراوى من المتبرجات وقاسم أمين وشبل وأحمد زغلول وأضربهما ، فمن أراد أن يعرف أكثر ، فليلتحق بكليات الآداب وأقسامها المختلفة. أما مدارس مبارك كول ؛ فلا يضرب بها المثل ، لأن كول قد رحل من زمن ، هذا من وجه ، ومن وجه آخر أننا لم نلمس اهتمام رجال الأعمال بخريجى هذه المدارس ، بل لم نلحظ فائدة ترتجى لما تقدمه هذه المدارس فى خدمة التنمية والاستثمار – إن كانت ما زالت على قيد الحياة –، فما بالنا ننشغل بما ليس مجديا ، مع العلم أن المستثمرون يعطلون مصانعهم ويوقفون تقدمها رغبة فى التخلص من عمالها أصحاب خبرة السنين بغرض بيعها كأراضى للبناء ؟ ويبقى لنا بعض الملاحظات على المدارس الفنية الأخرى وبعض الكليات لا يتسع المجال لذكر ما اقترحناه منذ أكثر من عشرين عاما. ( وعلى الله قصد السبيل ) ***** [email protected]