كشفت الثورات العربية هشاشة الانظمة السياسية في المنطقة وعيوبها وثغراتها كما ان طبيعة المراحل الانتقالية فرضت عليها المزيد من الضغوط والتحديات الجديدة ،التي ادت الى ظهور بوادر ازمات سياسية عرقلت السير الحسن الانتقالي نحو الديمقراطية كما هو مأمول ،وما تتميز به هذه الازمات ان بعضها ذو طابع هيكلي ولم تكن نتيجة مباشرة لحالة التغيير السياسي الثوري الذي حدث لكن هذا الاخير عمل بشكل او اخر على زيادة تفاقمها وتعقيدها ،وبعضها الاخر تزامن مع الثورات وكان كنتيجة مباشرة لاستمرار الاوضاع الاستثنائية _التي يفترض ان تكون مؤقتة_ التي فرضها التغيير الشعبي المفاجئ وابرز هذه الازمات ما يلي: ازمة التغلغل : في ليبيا تبدو هذه الازمة بشكل واضح في قدرة الحكومة المركزية الضعيفة على بسط نفوذها ورقابتها على كامل الاقليم الليبي سواء من الناحية الامنية او القانونية ويرجع ذلك لضعف اجهزة الدولة ولتنامي نفوذ الجماعات المسلحة التي نشأت في وقت المطالبة بسقوط النظام دون ان يتم نزع اسلحتها او تنظيمها لاحقا ، ابرز مظاهر هذه الازمة هي بوادر الاستقلال في الاقليم الشرقي الذي حاول ان يؤسس فيدرالية وحكومة مستقلة بعدد من الوزراء ومطالبته بالعمل على توزيع عائدات النفط بشكل اكثر عدالة على كل الاقاليم ،هذا وقد تم اعلان منطقة فزان منطقة فيدرالية في وقت سابق ،وتعود جذور هذه الازمة في الواقع الى وقت سابق حيث بقيت المنطقة الشرقية معزولة في عهد القذافي لأنها كانت معقل رئيسيا لمعارضيه وقد زادت عزلة المناطق بسبب اختلاف الجماعات والمليشيات المسيطرة عليها . وفي مصر تظهر هذه الازمة بشكل اقل في قدرة الدولة المصرية على التواجد والسيطرة على اقليم سيناء ويعود ذلك الى بنود معاهدة السلام التي عقدتها مع اسرائيل وتفرض عليها تقليل تواجدها الامني والعسكري على حدودها مع اسرائيل ،اضافة الى نشاط الجماعات الجهادية الذي تزايد بعد 2011 وأصبح منافسا في بعض الاحيان لدور السيطرة الذي تلعبه بشكل تقليدي مؤسسات الدولة الامنية . ازمة عدم استقرار سياسي : تظهر هذه الازمة بشكل سافر في مصر على وقع التغيير الذي حدث خلال عامين من تعاقب 3 رؤساء للدولة وعدد من رؤساء الحكومة والوزراء بشكل غير مسبوق بحيث لم تستقر اجهزة الدولة على سياسات واضحة وكان يتم التسيير بشكل يومي للمصالح والوزارات لان الخطط الطويلة لن يكتب لاصطحابها البقاء والتطبيق وهو مااثر على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تردت بشكل مضطرد ، نفس الازمة تعاني منها تونس لكن بإيقاع بطيء وبوتيرة مختلفة . ازمة تنظيم السلطة : عانت منها كل تونس وليبيا ومصر و تجسدت من جانب في ازمة وضع دساتير توافقية تنظم السلطات في البلاد وتضمن بناء قانوني قوي يتم احترامه ويضمن التداول السلمي على السلطة ، ويدور الجدل حول المواد المنظمة لطبيعة النظام السياسي والحقوق والحريات العامة مثل حق التعبير والرأي وقضايا مثل العدالة الانتقالية . . والجانب الثاني يتمثل في عدم احترام الشرعية الدستورية و تعطيل العمل بالدستور وهو ما حدث مرتين بعد عام 2011 في مصر . هذا اضافة الى ملامح ازمة هوية وانتعاش مطالب الاقليات الثقافية والدينية في عدد من دول الربيع العربي اخرها مطالبات بدسترة اللغة الامازيغية في ليبيا وان كانت هذه المطالب لم ترتق الى درجة مطالب انفصالية او ظهور سلوك يتعامل مع هذه الهويات الفرعية كبديل للهوية الوطنية