نعيش حالة من الالهاء والترقب لبعضنا البعض غير عابئين بالمخاطر التى تُحاك لنا، وقد نكون بأنفسنا و بأيدينا أحد الأدوات التى تُستخدم ضدنا، تلك المخاطر والأفخاخ التى وقعنا فيها بغفلتنا وغياب النظرة الموضوعية للأحداث، علاوة على عدم خبرة وكفاءة من ُيولوا علينا، ولا بأس فالشعوب تستحق حكامها، وكما تكونوا يُولىً عليكم، هذا بالطبع الى جانب الجهل التام بمفاهيم العمل المنظومى، وكذلك فقداننا لأهم المقومات المتمثلة فى عدم وجود مؤسسات حقيقية بالدولة، وسط هذا الخٍضًم الهائل من الصخب الاعلامى والخطابات الهشة والاجتماعات المكوكية والمناقشات والتحركات هنا وهناك فى الداخل والخارج والتنصل من المسئولية نجد أن سد النهضة الحبشى أو سد النكبة المصرية قد فضح واقع العلاقات المصرية الأفريقية والتراجع الذي أصابها طوال العقود الأربعة الأخيرة وكيف كانت تتعامل أجهزتنا التنفيذية مع ملفات السياسة الخارجية، وإذا كانت تداعيات السد مفاجأة للشعب المصرى الذى يتم الهاءه بإفتعال الموضوعات عن طريق الهرتلة الاعلامية، فهل هو كذلك بالنسبة للأجهزة التنفيذية المصرية "أعطاها الله على قدر نيتها" – نجد أن كل من السعودية وقطر والإمارات يعرضون زراعة 5 ملايين فدان بجوار سد النهضة، وسط التطبيل بمساعدة الأشقاء العرب، والقرارات الحماسية بمعاملة الشركات السعودية والكويتية والاماراتية بنفس معاملة الشركات المصرية، ليس هذا فقط ولكن هناك الطامة الكبرى وهى، تعديل بعض مواد القانون رقم 89 لسنة 1998 الخاص بالمزايدات والمناقصات بما يسمح بتخصيص الأراضى بالأمر المباشر عن طريق الجهات المعنية بدلاً من نظام المفاضلة تحت ذريعة جذب الاستثمار فاتحين بذلك أبواب فساد جديدة على مصراعيها! - حصة مصر من مياه النيل تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً ولا تكفي استهلاكها – هناك عجزاً يقدره بنحو 12.5 مليار متر مكعب، يتم تغطيته بنحو 2.5 مليار من المياه الجوفية، ونحو 10 مليار متر مكعب عن طريق إعادة تكرير لمياه المصارف ثم التخلص منها في البحر المتوسط مسببة تلوثاً كبيراً على شواطئ مصر الشمالية – والتضليل الذى يتردَّد عن إمكانية أن تشتري السودان ومصر احتياجاتهما الكهربائية من الطاقة الكهرومائية المتولدة من سد النهضة غير منطقى حيث أن اجمالى الطاقة المتولدة من السد لن تتجاوز 2000 ميجاوات وهو ما لا يكفي متطلبات الشعب الإثيوبي البالغ تعداده 90 مليون نسمة من الكهرباء – وسوف تقوم إثيوبيا بملئ السد بمقدار 25 مليار متر مكعب تُمثِّل “التخزين الميت” أو الكمية التي يتطلب ملئ جسم السد بها مرة واحدة ثابتة في مدة وجيزة وهي ثلاث سنوات، وهو ما يعني انخفاضاً مؤكداً من حصة مصر من النيل – وقد تم تقييم السد من قبل لجنة دولية وفق 3 درجات لتصنيف السدود قررت أن السد من الدرجة الثالثة شديدة الخطورة - عمر السد الافتراضي 60 عاما فقط ومعامل الأمان 1.5 وهو عامل متدني واحتمالات الانهيار كبيرة - المنطقة المُنشأ عليها السد هي من أعلى المناطق النشطة بركانياً في العالم بما يعني إمكانية انهيار السد واندفاع 74 مليار متر مكعب من المياه بانحدار متجهة إلى جنوب السودان ثم السودان فمصر وتدمير كل ما تقابله – ليس هذا فقط بل تعتزم إثيوبيا بناء مجموعة جديدة من السدود أبرزها “كارادوبي”، و”مندايا”، و”بيكو آبو” وهو ما يمثل خطراً اضافيا كارثى على مصر وتقليل حصتها من المياه أكثر وذلك في فترات امتلاء تلك السدود بالمياه بالتخزين الميت - تتمسك مصر بحقوقها التاريخية "وخلينا مسكين قوى" في نهر النيل التى تكفلها معاهدتا 1929 و1959 التى تمنحاها حق الفيتو على أي مشروع تراه القاهرة مُضراً بمصالحها، إلا أن هاتين المعاهدتين تلقيان معارضة غالبية دول حوض النيل، والتي أبرمت معاهدة مختلفة في 2010 عُرفت بمعاهدة عنتيبى تتيح لهم تطوير مشاريع على النهر من دون طلب موافقة القاهرة، وتشمل دول منابع النيل (إثيوبيا، ورواندا، وبوروندي، وكينيا، وتنزانيا، والكونغو الديمقراطية) وتشمل دول المصب (مصر، وجنوب السودان، والسودان) - قال المتحدث باسم رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريم ديسالين "سنواصل مشروعنا وبناء السد لا يتوقف على إرادة السياسيين المصريين ويمكن بحث موضوع السد، لكن "التفاوض" بشأن وقف المشروع غير وارد – ومصر بين التردد وعدم القدرة تدرس مدى الضرر وتُقيم الموقف، وتنظر كل الخيارات - الى متى؟ – الى أن ينتهى تشييد سد النكبة – ويُصبح أمر واقع، متى نُفيق من تخاذلنا واحتياجنا الدائم للغير، متى تتحقق الارادة الحرة الحقيقية ونستطيع ادارة مواردنا برشد ونأخذ بالأسباب ثم نتوكل على الله ونتخذ القرار المناسب، فى الوقت المناسب. " محمد فاروق يسً" عضو المجلس المصرى للشئون الاقتصادية [email protected]