لمَّا كانت هناك سياستان للإدارة - أية إدارة – بقصد ضمان إستمرارها أطول فترةٍ ممكنة على صهوة منصبها كقيادة .. الأولى تمارسها الإدارة الناجحة من تفعيل دور التناغم مابين الرأس والقاعدة ليتم خلق نوع من التفاعل مابين الرؤساء والمرؤوسين يضمن وجود الجودة فى العمل الإدارى وخلق مناخ من الحب للمؤسسة الادارية يستجلب الإبداع والإرتقاء والتناغم والعدالة فى الحقوق والواجبات بل فى الإثابة والمجازاة .. هنا تكون الادارة القانونية أداة بيد الادارة لتحقيق عدالة حقيقية لايشعر فيها الموظف المرؤوس بقسوة رؤسائه ولا بتعنتهم ولابإضطهادهم له لمجرد إبدائه فكرة أو رأى أو تقييم عبر أية قناة يمكن بها إيصال الفكرة أو الرأى أو التقييم .. لذا فلايمكن ومن بعد ثورة اعتمدت فى أمر نجاحها على تقنيات العصر لتحقيق التواصل بل وتحقيق التلاقى بين المرؤوسين والقيادات أن نتخذ من هذه الوسيلة فزَّاعة بيد أداة الادارة المستوجب العدل من خلالها وهى الشؤون القانونية بقصد ترويع أصحاب الرأى والتشهير بهم واضطهادهم والتنكيل بهم على نحو مارأينا بالهيئة العامة لقصور الثقافة ومن بعد ثورة يناير العظيم ولازالت .. بينما فتستخدم تلك القيادات ذات التقنية الحديثة وهى الصفحات الاليكترونية فى اظهار نجاحاتهم الزائفة .. فيُحلِّلونها لهم إن أ{ادوا ويحرمونها على غيرهم متى أرادوا كذلك .. وكأنها ماجُعِلت الا لنقل الزيف .. هكذا ترى الإدارة الناجحة فى سياستها الحكيمة إعلاءاً لدور الرأى الآخر بالنقد الكاشف لمساعدتها فى الارتقاء بدورها وسياستها القيادية .. هناك نوعٌ آخر من السياسة يضمن استمرار القيادات فى موقعها – لكنه عتيق بعض الشىء – اذ يرجع الى عصور الظلام حيث كانت القيادات تعمد لخرس الألسنة لتفادى النقد لتستقوى قبضتها .. وتتخذ من القانون اللذى هو بالأساس اختراع بشرى موازى للشرائع ومستقى منها فزَّاعة لكل اصحاب الرأى ولكل أصحاب الفكر .. فيتم التنكيل بكل من يُبدى رؤاه .. أو انتقاداته رغم أنها كاشفة لبصيرة الادارة الناجحة .. فتتصاعد الجزاءات إلى أقصى حدودها فيحدث الترويع لدى الجميع خاصةً لو نجحت القيادات ذاتها فى احتواء الادارات القانونية التابعة لها من باب الترغيب والترهيب والإستقطاب والإقصاء .. هنا تبات الادارات القانونية والتى جعلها القانون محافظةً على العدالة كفكرة يشعر فى ظل وجودها الموظف العام بحقوقه وصوناً لآرائه وردعاً لجسامة أخطائه وحفظاً له من بطش الادارات به ان أرادت تخويفهُ او التنكيل به .. هنا تنجح الادارات وبهذه الوسيلة فى إحكام القبضة واستمرار الوجود فى القيادة.. هذا بالضبط ماحدث بالعديد من الهيئات والمؤسسات العامة ومن بعد الثورة حيث عمدت القيادات فى إسترضاء بعض الأصوات الثائرة من الضعفاء من غير ذوات العقيدة والمبدأ فتنعَّموا عليهم ببعض المناصب الهامة رغم حداثة تعيينهم وبالمخالفة للقانون فخفتت أصوات القيادات الثائرة فضمنوا هدوء الحال بينما فلايعلمون أن الثوَّار كُثرُ ولاينضب معينهم ولاينقرضون .. كما وعمدوا إلى استثمار أجواء محاربة الفساد ليس لإستجلاء بؤر الفساد الحقيقية – والدليل أننا لم نسمع عن حالةٍ واحدة قد ظهر من خلالها محاربة حقيقية للفساد أوكبار الفاسدين- فهؤلاء تحديداً باتوا قماشةً عريضة يتم الانتقاء منهم والاستقطاب لهم كوسيلة اضافية لضمان عدم المناوءة لهم من أهل النظام البائد من كبار الفاسدين فى مقاعدهم من الباطن .. فإستمر الفاسدون فى أماكنهم بل وارتقوا أعظم المناصب وكأن ثورةً لم تقُم .. وتصاعدت الاحتجاجات ليصلون هؤلاء لمواقع الصدارة ولاتأبه القيادات بالاحتجاجات .. لتعود سياسة فرض الواقع وتكميم الأفواه من جديد بينما فالموظفون يرون سواداً ظنوا أنهم قد انتهوا منه بنجاح ثورتهم الا أنهم وجدوا أنهم لم يفعلوا شىء .. باتت محاربة الفساد ليست فى طريقها الصحيح وظهر على السطح الفاسدون ليقوموا هم بالتنكيل بالشرفاء وبإسم ادارة الهيئة .. وتم اغتيال بها كافة أصحاب الرؤى الحقيقة بإحتسابهم على أهل ماقبل الثورة .. وبات هذا هو المعيار الحاكم .. وليس محاربة الفساد فى ذاتها .. ليتم غض الطرف عن وقائع الفساد العديدة بينما فتتقدم الشكايات الكاذبة والكيدية ضد الشرفاء ليتم إتخاذها سنداً لاستصدار قرارات الجزاءات الرهيبة وقرارات الايقاف المخالفة للقانون لمحاربة الموظفين الشرفاء فى أرزاق أسرهم البسيطة بقصد تكميم أفواههم .. بل وصل الأمر لفصل العديد من الموظفين من أهل العقود لمجرد أن رفعوا صوتهم بالإحتجاج على الظلم .. وماأرخصها من وسيلة وماأحقرها من طريقة ادارة يتم بها تكميم الأفواه .. ليأتى الموظف مغلوباً على أمره ليلتمس من الادارة أمام ضغوطه الأسرية أن تعود عن قرارها بإيقافه فيتَّخذونها دليلاً كاذباً على صدق مواقفهم ورحمة قلوبهم الكاذبة .. هنا فى تلك الهيئات والمؤسسات العامة والتى باتت غامضةً من دون كافة المؤسسات والهيئات وكأنها جمهوريات مستقلَّة داخل الدولة لايعرف أحد عنها ثمة شىء من إعلام أو صحافة أو حتى جهات رقابية حقيقية .. فبات الظلم فى أبشع صوره .. وبات الاستعباد متحلياً بمذاق القانون .. وبات أهل القانون أنفسهم أداة فى تكميم الأفواه وهم لايشعرون .. بل وهم للقانون ذاته ربما وفى بعض الحالات يخالفونه مجاملةًً للادارات او تلاشياً لبطشها بهم أنفسهم .. هذه السياسة طالت العديد من الشرفاء حتى رجال القانون ومن أهل الادارات القانونية أنفسهم.. ليجد الموظفون كم هائل من المخالفات والتى لاحصر لها من وراء طريقة الادارة تلك .. وقد وجدوا حتى شكاياتهم للوزير نفسه والتى يحيلها بدوره الى ذات الادارات لتتولى استخدام أدواتها من شؤون قانونية وتفتيش مالى وادارى لطمس الحقائق واعداد تقارير لاتتسم بالشفافية للتكتيم على المخالفات وكان أحرى بالوزير ان يحيل تلك المخالفات للجهات الرقابية.. لكنها سياسة لم تتغير من بعد الثورة وكأننا لم نفعل شىء .. كانت تلك قراءة فى ثقافة تكميم الأفواه فى هيئات وزارة الثقافة !!