نلاحظ جميعا الصمت الروسي تجاه مجريات الأمور في مصر وتداعياتها علي الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي ونلحظ هذا الصمت خاصة منذ ثورة الثلاثين من يونيو وحتي الآن، ولكن هذا الصمت لا يعني أن روسيا بعيدة عن المشهد المصري أو أن الأمر المصري لا يعنيها حيث أن روسيا تعلم علم اليقين أن خروج الشعب المصري بالملايين الغفيرة التي تعدت الثلاثة والثلاثين مليونا في ثورة الثلاثين من يونيو الماضي والتي شهدها العالم باعتبارها أول حشد شعبي عظيم في تاريخ البشرية ورفضهم لحكم الإسلام السياسي ورفضهم خاصة لحكم الإخوان المسلمين له أثره الكبير علي المنطقة بأكملها لاسيما علي سوريا وما يحدث فيها وأن موقف الشعب المصري الرافض لحكم الإسلام السياسي سوف يغير من ملامح الأوضاع علي الساحة الإقليمية خاصة في دول الربيع العربي وبالأخص سوريا. كما أن الصمت الروسي عما يحدث في مصر له دلالاته ومداه بشكل منقطع النظير لدي الدول الغربية خاصة أمريكا حيث أن البيت الأبيض يعلم أن صمت موسكو ليس مجرد موقف سلبي أو تجاهل للأمور من قبل روسيا تجاه الموقف في مصر، بل أن البيت الأبيض ودول أوروبا علي يقين من أن موسكو تراقب عن كثب واهتمام شديد ما يحدث في مصر وتداعياته ليس فقط علي الساحة المصرية الداخلية وإنما علي المنطقة لاسيما علي العالم بأسره، ويعلمون أيضا أن روسيا لن تقحم نفسها في صدامات مع واشنطن وأوروبا ولا تريد أن تستنزف جهودها مبكرا لأنها تريد أن تتدخل في الوقت المناسب وبحنكة شديدة وخصوصا بعد الترحيب الشعبي المصري لزيارة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتن" المرتقبة لمصر في الفترة المقبلة وأيضا صفقات إمداد روسيا الجيش المصري شحنات عسكرية كبيرة بوساطة سعودية وهذا له دلالات كبيرة لدي الغرب حول موقف روسي تجاه ما يحدث في مصر. روسيا تعي جيدا أهمية مصر بالنسبة لواشنطن التي بذلت جهودا غير عادية علي مدار أكثر من أربعة عقود مضت منذ رحيل الزعيم "جمال عبد الناصر" من أجل فرض نفوذها وهيمنتها علي مصر ومن ثم علي المنطقة، كما تعي موسكو جيدا مدي صدمة إدارة "أوباما" بسبب سقوط تنظيم الأخوان المسلمين حليف واشنطن الأهم في المنطقة والبوابة التي من خلالها تستطيع واشنطن التحكم في مصر والمنطقة بأسرها وصولا لفرض هيمنتها لما لمصر من ريادة ومكانة كبيرة في المنطقة وبالأخص دول الجوار، وصدمة إدارة "أوباما" لم تنحصر علي ذلك بل أيضا صدمتها في الجيش المصري التي كانت واشنطن تمده علي مدي ثلاثة عقود مضت بالمساعدات المالية السنوية التي بلغت في جملتها حتي الآن خمسين مليار دولار.وشعورها المحبط أن الجيش المصري لم يعد يبالي بهذه المساعدات ملوحا باستغنائه عن مساعدات أمريكا لاسيما في الفترة الحالية وخصوصا بعد الحديث عن صفقة الأسلحة الروسية للجيش المصري حيث تقوم السعودية فيها بدور الوسيط مما يعكس الدور الهام الذي تلعبه روسيا بعيدا عن الأنظار وفي صمت دون أن تستنزف دورها في صراعات مبكرة مع واشنطن والغرب تجاه الشأن المصري. لا شك أن تصاعد الأحداث في مصر يثير قلقا شديدا لدي موسكو خاصة ما يحدث في شبه جزيرة سيناء والظهور القوي للجماعات المتطرفة المسلحة التي يواجهها الجيش المصري بقوة الردع ومن ثم تشكل هذه الجماعات المسلحة خطورة في سيناء مما يهدد الأمن القومي المصري وربما يكون هذا هو الدافع وراء تصريح موسكو الرسمي الوحيد حتي الآن الذي أصدره الرئيس الروسي "بوتن" والخاص بالشأن المصري علي مدار الشهر الماضي والذي قال فيه أنه يخشي من أن تنجر مصر لحرب أهلية علي غرار السيناريو السوري وذلك علي خلفية المحاولات الأخوانية لجر البلاد نحو مستنقع السيناريو السوري. وليس هناك أدني شك في أن أمريكا ودول أوروبا الداعمين لحليفهم التنظيم الأخواني بمصر يعلمون علم اليقين أن الجيش المصري لديه من الإمكانات والقوة والقدرة والخطط ما يمكنه من مواجهة هذه البؤر الإرهابية المتطرفة التتي تتعمد إثارة الفوضي والقلاقل في سيناء والقاهرة، ولكن الشاهد هنا هو زيادة وكثافة الضغوط الخارجية علي الإدارة المصرية وعلي قيادات الجيش المصري الأمر الذي استدعي من وزير الدفاع المصري الفريق أول "عبد الفتاح السيسي" أن يطلب من الملايين من المصريين النزول للشوارع والميادين لتأييده في حربه علي الإرهاب في إشارة منه للغرب بأنه مدعوم من الشعب المصري وأن جموع الشعب قد خرجت عن بكرة أبيها فيما يزيد علي الأربعين مليون مصري حسب الجهات التي رصدت الأعداد في السادس والعشرين من يوليو الماضي تلبيه لندائه لمنحه تفويضا لمقاومة الإرهاب في مصر ليرسل رسالة إلي العالم مفادها أن الشعب المصري يؤيد الجيش وأنه لا تعارض بينهما وأن الشعب رافض للإرهاب ومن يؤيده من جماعات الإسلام السياسي التي تهدد باستخدامه لضمان وصولها لسدة الحكم وبذلك فان "السيسي" يري أن الدعم الشعبي المصري له ضد الإرهاب بمثابة قوة مضادة للضغوط الخارجية علي الإرادة المصرية والشعبية. وهنا يجب أن نطرح سؤالا له من الأهمية بمكان، وهو ماذا لو تصاعدت حدة التوتر وزادت الصراعات في مصر إلي الوجه الذي قد تتحول معه الضغوط الخارجية إلي التهديد بالتدخل في الشأن المصري ؟ في اعتقادي الشخصي أن هذا السيناريو غير مستبعد ووارد في حالة تصاعد الأحداث خاصة في سيناء ما قد يشكل تهديدا للأمن الإسرائيلي وربما يكون هذا هو هدف جماعة الأخوان المسلمين للاستقواء بالغرب ودفهعم للتدخل بقوة في الشأن المصري وهذا ما شاهدناه بالفعل من مطالبات قيادات الأخوان المسلمين مثل "محمد البلتاجي" من منصة رابعة العدوية حيث طالب بالتدخل الغربي والأمريكي في مصر لنصرة جماعة الأخوان المسلمين ولتمكينهم من الرجوع للحكم رغم أنف الإرادة الشعبية التي عزلتهم وكما شاهدناه من مطالبات الشيخ "القرضاوي" الدول الغربية والمنظمات الدولية للتدخل السافر في الشأن المصري كما طالب الشعوب الأخري بما أسماه "الجهاد في مصر لنصرة الشريعة والشرعية"، وفي هذه الحالة أعتقد أن موسكو لن تلتزم الصمت بل ربما تفاجئنا روسيا بتدخلها بشكل قوي لدعم إرادة الشعب المصري دعما لمكتسبات ثورة الثلاثين من يونيو من العام الحالي، وعلي رأس المكتسبات مقاومة الإرهاب الذي تمارسه جماعات الأخوان وتيار الإسلام السياسي والجماعات التكفيرية والجهادية في سيناء وربوع مصر. وتدخل روسيا في هذه الحالة سوف يكون بشكل أقوى من تدخلها في الأزمة السورية نظرا لأن الموقف في مصر أشد خطرا ومن ثم فإن حسم الموقف المصري سيكون له أكبر التداعيات علي الأزمة السورية، ناهيك عن أن روسيا من أكبر المتضررين من سياسات تيارات الإسلام السياسي وأنها وضعت جماعة الإخوان المسلمين في مصر علي قائمة منظمات الإرهاب إمتثالا لحكم المحكمة العليا في روسيا. وأنا أعتقد وبشكل كبير أن روسيا لن تسمح بانهيار مصرلأنه سوف يكون له نتائج وخيمة علي المنطقة بأسرها وخاصة دول الربيع العربي وما يعقبه من تضاربات وصراعات في سياسات دولية داعمة ورافضة لانهيار مصر، وصمتها الآن يعني قلقها إزاء مراقبتها الحذرة للأوضاع في مصر، حيث يذكرنا موقفها الحالي بالصمت الذي اتبعته روسيا إبان العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956، والذي تحول بشكل مفاجئ للإنذار السوفيتي الذي حسم الحرب والأوضاع لصالح مصر. وأخيرا أقول كلمتي الشهيرة التي أمسيت وأصبحت أقولها منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 منذ بداية الفوضى "لكي الله يا مصر" فيما يحاك لكي من ألاعيب وتآمرات دولية ومكر صهيوني لإضعافك وتقسيمك وتفتيت جيشك لتصبح إسرائيل هي القوة العظمي في المنطقة دون منازع، ولكن التاريخ أثبت أن إرادة الله سبحانه وتعالي هي الحامية لمصر من كل مكيدة - وعشمنا في الله يفوق الحدود - لأن الله أراد لمصر الخير واختصها بشعب أصيل وصفه الرسول صلي الله عليه وسلم بأنه "في رباط إلي يوم القيامة" لم ولن ينقسم أو يتناحر، كما أثبت التاريخ أن مصر بالفعل هي مقبرة الغزاه وأن كل من جاء مصر معاديا يدفن في أرضها وترتوي رمالها بدمه، ومن يقرأ كتب التاريخ يعرف كم المعارك التي خاضتها مصر وأيدها الله بنصره دون أن أحول مقالتي لكتاب تاريخ لأن مقالتي لن تتسع سطورها لسرد ملاحم العسكرية المصرية المشرفة منذ عهد مينا موحد القطرين مرورا بانتصارنا علي الهكسوس والتتار وغيرهم وانتهاءا بأعظم ملحمة حربية عرفها التاريخ وهي حرب 1973 الذي نصرنا الله فيها علي إسرائيل واسترددنا آخر حبة رمال من أرضنا ببأس جيشنا العظيم وبنصر الله فوق كل شيء وقبل كل شيء وبعده. وأطمئن أيضا لما سمعته عن سيدي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن جند مصر هم "خير أجناد الأرض" والشاهد علي ذلك أن كل الحروب التي خاضتها مصر وأخرها حرب السادس من اكتوبر العظيم من عام 1973 دائما كانت تكلل بالنصر بأمر الله فهي بإذن الله منصورة دائما وعين الله ترعاها وتحمي شعبها وجيشها من كيد المتآمرين.