الصيام عبادة قديمة، كتب الله تعالي علي الأمم المنصرمة من قبلنا، و انتقلت نسلا بعد نسل من أمة إلي هذه الأمة المحمدية، و لو كانت مختلفة في كيفيتها، و لهذا أشار عزوجل:(كما كتب علي الذين من قبلكم). و من غضون إستقرائنا للتاريخ الإنساني نري الحضارات السابقة جميعها عرفت الصوم ذريعة للتقرب إلي الآلة، أو عرفته و سيلة للتطهير و السمو بالنفس. تعالوا ! معنا نقوم برحلة تاريخية لنري الصوم عندالأمم السابقة. قد ورد خبرا عن صوم آدم عليه السلام ان الله تعالي لما تاب عليه أمره بصيام ثلاثين. و بهذا يتضح لنا أن الصيام كانت مكتوبة علي أبينا آدم عليه السلام، ولكن لم يأتي بشئ كاف عن كيفية صومه، و بعد ذالك ثبت عن صوم إدريس عليه السلام أنه كان يصوم الدهر، و لم يرد شئ كاف عن صومه أيضا. و بعد ذالك قد روي ابن جرير الطبري عن قتادة قال:(هبط نوح من السفينة يوم العاشر من المحرم، فقال من معه من كان منكم اليوم صائما فليتم صومه و من كان مفطرا فليصم). واستدل اهل العلم من هذه الرواية أن الصيام كانت مكتوبة و نافلة. و قد جاء في سنن ابن ماجه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:(صام نوح الدهر إلا يوم الفطر و يوم الأضحي). قال اهل العلم أن اليوم الذي كانوا يفطرون فيه يسمي عيدا للفطر و اليوم الثاني كان معروفا عندهم بيوم القربان، و هو أمر مقرر في الأديان السابقة من زمن آدم عليه السلام. و ثبت صيام موسي ليوم عاشوراء في السنة النبوية؛ و لأجل ذالك كان اليهود يصومونه شكرا لله تعالي. و قد ورد عن أهل الكتاب أن الله عزوجل لما نجي قوم يونس من العذاب، صاموا شكرا لله ثلاثة أيام، و أوجبوا ذالك علي الصغير و الكبير و البهائم، و عنهم أخذت الكنيسة السريانية هذه الصيام، ثم الأرثوذكية المصرية، و قررته واجبا. فرض الله عزوجل علي اليهود صوم اليوم العاشر من الشهر السابع من سنتهم، و هو المسمي(تسري) يبتدئ الصوم من غروب اليوم التاسع إلي غروب اليوم العاشر، و هو يوم كفارة الخطايا، و يسمونه(كبور). ثم إن أحبارهم تصومون صوم أربعة أيام أخري، و هي الأيام الأول من الأشهرالرابع والخامس والسابع و العاشر من سنتهم تذكارا لوقائع بيت المقدس. و صوم يوم (بوريم) تذكارا لنجاتهم من غضب ملك الأعاجم(احشويروش) في واقعة (استير). و قد جاء الحديث عن صوم اليهود لعاشوراء أن النبي عليه الصلوة والسلام لما قدم المدينة و اليهود تصوم عاشوراء، فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسي علي فرعون، فقال النبي عليه الصلوة والسلام لأصحابه :(أنتم أحق بموسي منهم، فصوموا). و من أنواع الصوم عند اليهود: الصوم عن الكلام، والصوم عن الطعام في شكل فردي و أحيانا في شكل جماعي، و من الصوم الفردي صيام الأفراد أو الأسر في حالة الحزن التي تنزل بهم أو عند التكفير في خطيئة التي إقترفها الواحد منهم. و أما الصوم الجماعي فهو لذكري الاضطهاد و التشريد التي تنزل بهم. و الصوم عند المسيحين الإمساك عن أكل لحوم الحيوان و عن كل ما يتولد منه أو يستخرج من أصله، و يقتصر الصائم عن أكل البقول. و لا ينعقد سر الزواج في غضون الصوم، و الصوم عندهم يكون يوم الأربعاء، و يوم الجمعة. و كذالك عرف الهنود الوثنين الصوم قبل الميلاد بعدة قرون، و هؤلاء كلهم يعذبون أنفسهم و أتباعهم بالصيام، و يبالغون في محاسبة أنفسهم، و إرهاق اجسادهم بالزهد و التقشف، حتي تميل أعناقهم عن أبدانهم من شدة الجوع. و كذالك الجينية: عمادها الزهد والرياضات الشاقة و التقشف و التشدد في العيش و ما إلي ذالك. و أما المشركون العرب: فكانوا يصومون يوم عاشوراء قبل البعثة كما ورد في السنة النبوية، و مما ذكر سبب ذالك أنهم أذنبوا ذنبا، فأشار اليهود عليهم بصوم عاشوراء لتكفيره. و أما في هذا العصر الراهن لكل أمة من الأمم صياما مخصوصا. و إعتقاداتهم مختلفة عن الصيام. أكتفي علي هذا القدر بخوف الإطالة التي تؤدي إلي الكأبة و الملال. أخوكم: محبوب رضا من جمهورية الهند، طالب بجامعة مركزالثقافة السنية، الهند.