هناك ظاهرة مستشرية في قطاع التعليم العربي وهي بمثابة مرض عضال يصيب جسد التعليم، يجب الوقوف عليه والاهتمام به ودراسته ومحاولة القضاء عليه وصولاً إلى تعليم جيد، ألا وهي ظاهرة التسرب من التعليم أو انقطاع المتعلم عن مواصلة تعليمه وتحصيله الدراسي بأي صورة كانت، مما يزيد من نسبة الأمية داخل مجتمعاتنا العربية ويسبب إزعاجاً للقائمين على أمر هذه المجتمعات. إن وجود مثل هؤلاء المتسربين والأميين في مجامعاتنا وتزايدهم يجعلنا عرضة للجهل والتخلف، ويعود بنا إلى عصور الظلام وتعطيل عجلة التنمية والتقدم، في الوقت الذي تتنامى فيه المجتمعات الأخرى بفضل اهتمامها بالتعليم وتطويره والوقوف على أحدث المستجدات المتعلقة به وتطبيقها. وتزداد نسبة المتسربين من التعليم في المرحلة الابتدائية عنها في المرحلة الإعدادية والثانوية وخصوصاً بالنسبة للفتيات حيث يقل الاهتمام بتعليم الفتاة في كثير من مجتمعاتنا لمعتقدات فكرية وثقافية قائمة نعلمها جميعاً. ويرجع السبب وراء هذه الظاهرة إلى أسباب عديدة يشارك فيها المجتمع والأسرة والمؤسسة التعليمية، إلا أن الدور الأكبر يقع على كاهل الأسرة في وجود مثل هذه الظاهرة، فالأسرة التي تعاني من اضطرابات وتفكك أسري بين الوالدين ينعكس بدوره على نفسية الطفل خصوصاً في المرحلة الأولى من التعليم مما يجعله يتهرب من التحصيل والاستذكار وأداء الواجبات المدرسية المكلف بها، وذلك في ظل وجود أسرة غارقة في مشكلاتها لا تلتفت إليه ولا تقوم بمتابعته وتوجيهه مما يضطره إلى التهرب والانقطاع عن المدرسة دون علم الأسرة ويؤدي به في النهاية إلى صفوف المتسربين والأميين. وللظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بالمتعلم دوراً في تفشي هذه الظاهرة، فنجد أن رب الأسرة يلهث وراء الحصول على الأموال الكافية له ولأسرته من أجل العيش ومواصلة الحياة مما ينعكس سلبا على نفوس الأبناء وشعورهم بالحرمان والإحباط مما يجعلهم يهملون في جانب التحصيل الدراسي، فظروف الأسرة الاقتصادية تجعلهم بعيدين عن متابعة مشكلات أبنائهم ومحاولة حلها وتيسيرها. وكذلك المؤسسة التعليمية لها دور في وجود مثل هذه الظاهرة خصوصاً من تفتقر إلى وجود كوادر تربوية مدربة وقادرة على التعرف على مشكلات طلابها والعمل على حلها وتذليلها، فالمؤسسة التي لا توجد بها كوادر تربوية تتعامل مع طلابها بطرق ووسائل تدفع المتعلم إلى الانقطاع عنها والانضمام إلى صفوف المتسربين والمؤسف أن يكون ذلك بيد المؤسسة التعليمية التي من المفترض أن تنمي قدراته العلمية والثقافية والتربوية. وهناك عامل أساسي يعمل أيضاً على تنامي هذه الظاهرة ألا وهو المناهج الدراسية التي تفرض على المتعلم ليقوم بتحصيلها دون مراعاة لميوله ورغباته تجاهها، حيث يخلو مضمون هذه المناهج من التحفيز والتشويق الذي يدفع المتعلم نحوها مما يتسبب في عزوفه عنها وتحصيلها وبالتالي الانقطاع والتسرب من المؤسسة التعليمية التي تقدم له هذه المناهج. لابد لأصحاب القرار من النظر إلى المسببات التي تعمل على تنامي وتفشي ظاهرة التسرب من التعليم، سواء ما يتعلق بالأسرة أو المجتمع أو المؤسسة التعليمية، والعمل على مقاومتها والقضاء عليها وكذلك حصر المتسربين من التعليم داخل المجتمع، والعمل على إعادتهم إلى حقل التعليم بالطرق المحفزة والمحببة لهم والتي تتناسب مع ميولهم وقدارتهم من أجل نهضة المجتمع وحتى لا يكونوا عائقاً في وجهة التنمية والتطوير الذي ننشده جميعاً لمجتمعاتنا.