"متى يأتي الغد" ، "متى يأتي الأسبوع القادم" ، "متى يأتي العام القادم" . مقولات مألوفة على الآذان دارجة على الشفاه، لطالما رددتها أنا وأنت وأنتي، متقيدين بسلطان الظروف، ربما للخروج من أزمة محدقة أو ربما لاستعجال قدوم حدث مفرح. تتعدد الأسباب ويختلف الأشخاص ويبقى السبب واحد، دفع عجلة الزمن للأمام. والغريب أن جميع ما سبق ذكره يتعارض والأماني الكامنة في خليقة البشر، والتي تنطوي على حب الحياة والخوف من الكبر والشيخوخة و قدوم الأجل، والرغبة في العيش على امتداد الدهر كله. هذا التناقض العفوي والمبرر، ناتج عن صعوبة الحياة وتداخل الأحداث وتعارضها إلى حد جعل الإنسان لا يملك نفسه ووقته. ولو أجرينا دراسة توضيحية للأحداث التي تمر بها حياة شخص طبيعي على مدار حياته، سنجدها على النحو الأتي:. *على مدار اليوم، يتمنى المرء أن "ينتهي اليوم" سواء أكان في عمل منهك أو يقوم بتخليص أوراق رسمية من الجهات الحكومية إلخ، كي ينتهي من هذا التعب ويقضي مصلحته، ثم يعود لبيته لرؤية أهله وأولاده وزوجته، أو يخلد إلى الفراش للراحة وهكذا. *أما على مدار الشهر فنجد أن الشخص سواء كان موظفاً أو عاملاً يتمنى أن ينتهي الشهر كي يتقاضى راتبه الشهري، فكلما شارفت النقود على الفناء تزداد معها الأماني بانتهاء الشهر. وهناك حالات فردية كثيرة، منها على سبيل المثال المريض الذي يريد أن ينهي فترة العلاج ليتعافى من المرض، أو الطالب الذي ينتظر التخرج بفارغ الصبر، أو الفتاة التي تتطلع لقدوم فارس الأحلام ليتزوجها، أو استعجال يوم الفرح والزواج ...الخ. ولو وسعنا دائرة البحث لنتناول الحياة على مدار السنين، فاسمحوا لي أن أتناول وظيفة "ضابط الشرطة" كدراسة حالة على سبيل المثال وليس الحصر. فضابط الشرطة برتبة ملازم "نجمة واحدة" ينتظر قدوم العام الجديد بفارغ الصبر كي يصبح ملازم أول "نجمتان" ومن ثم ينتظر مرور الأربع أعوام القادمة كي يصبح برتبة نقيب " ثلاثة نجوم" وهكذا ....الخ، يبقى في هذه الدائرة الغير مجدية يسارع الزمن حتى يصل إلى رتبة لواء أعلى درجات الشرطة، ليجد نفسه في عمرٍ يناهز الخامسة والخمسين، بعدما كان في ريعان شبابه في سن العشرين، لكن الوضع برتبة ملازم "نجمة" لم ينل إعجابه ولم يحقق طموحه، فبادر في دفع عجلة الزمن إلى الأمام كالذي يحرث في الماء، لأن الزمن يسير بوتيرة منتظمة يملك نظامها الخالق وحده، وبالتالي لا جدوى من ذلك لأنه وبكل بساطة لن يغير من الواقع شيئا، بل سيوهم نفسه بعدم الإحساس بمرور الزمن وليس أكثر من ذلك. والأمثلة كثيرة على أناسٌ أخرى تستعجل الزمن مثل المدرس أيضا الذي ينتظر انتهاء العام الدراسي على أحر من الجمر كي يستمتع بالعطلة الصيفية، ثم يطغى عليه وقت الفراغ ويرجع في سباق مع الزمن في انتظار بداية العام الجديد. وكذلك فالمدرس أيضا يريد أن يصبح ناظر مدرسة ثم مفتش حتى يصل إلى مرتبة وزير التربية والتعليم، وبالطبع ليست المطالب بالتمني، فقد يستعجل المرء نفاذ مخزون عمره دون جدوه ودون الوصول إلى المبتغى. لم تسل قطرات الحبر هذه على الورق الفارغ من فراغ، أو كي أملئ أوقات فراغ، أو لأن شكل الورقة ناصعة البياض عذراء اللون أغواني كي أشوه هذا المظهر الجميل، ولم اصبوا من الكتابة لسرد حياة الناس على طريقة الروائيين، وإنما العجلة والتسرع وفقدان الصبر الذي وجدته في نفسي قبل الآخرين دفعني لأتناول هذا الموضوع بطريقة مختلفة عن المألوف من الطرق التي باتت أقلام الكتاب تستسيغها. فكما يقول الله عز وجل في كتابه الكريم "فاصبر صبراً جميلا" وكما هو شائع "فإن الصبر مفتاح الفرج" وهذه حقيقة ودعوة لكل الناس للتحلي بالصبر، ومحاولة الاستمتاع بكل لحظة في هذه الحياة قدر المستطاع في ما لا يغضب الله، وأعود بالتذكير أنه مهما حاولنا فلن نستطع تقديم أو تأخير الزمن قيد أنملة . [email protected]