نزهة قصيرة إلى بيت العائلة ،الذى يجمع شمل الأسرة فى مساء كل خميس من نهاية الأسبوع . تبدأ الجلسة مع تناول العشاء كلفرد يأتى بأسرته الكاملة العدد، هذه الأسرة تتكون من خمسة أولا وبنات أخوات كلا يأتى بزوجه وأولاده بالأضافة إلى أصحاب المائدة نفسها الوالد والوالدة . فالوالد بحالة صحية ضعيفة ؛ لأن أصابه مؤخراً مرض فى العظام ، فهو لا يستطيع الحركة أو المشى على رجليه ، بالأضافة إلى مرض العصر ألا وهو( الزهايمر) الذى يكاد ينسيه اسمه وأولاده وأحفادهولا يستطيع أن يميز الأسماء من بعضها ، ولا يعرف الولد من البنت ؛ ولا الصغير من الكبير ، ولا أولاده من بناته هكذا حال الأب . أما الأم فهى بحالة مرضية متردية وخطيرة ؛ ولكن لا يشعربها أحد ، فهى تجلس على كرسى متحرك ، ولا تستطيع السير أو الوقوف على الأرض لوحدها ؛ وإنما تحتاج إلى من يساندها على هذا الوقوف ، ويحرك بها هذا الكرسى ، ويعطيها الدواء، ويحضر لها الطعام ، ويطعمها ؛ لأنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً لوحدها ؛ وإنما لا تطلب المساعدة من أحد ، بل تؤثر صمتها على كلامها ، وهدوءها على صراخها ، وتعبها على راحتها ، وحزنها على سعادتها ، فحينما يأتون لا تظهر هذا التعب والألم ؛ وإنما تندمج فى سهرة عائلية مع أولادها وأحفادها وتتناسى ما بها من ألم وأنين . لأن وجودهم وتجمعهم وحبهم يشعرها بالسعادة، ويشعرها بنبض الحياة ،ودقات القلب ، ونبض الشرايين ، وكان كل ما يحدث حولها يترجمه جسدها إلى علامات رضا وقبول بهذا الواقع الأليم . ولكنه يترجم صمتها وأنينها إلى آهات ودموع عندما تنفرد بنفسها ، ويتفرق الجميع ، ويذهب كلا منهم إلى بيته . هكذا تشعر بالأسى والحزن والضياع ، وتصمت ولا تعبر عن حزنها أو ضعفها أو احتياجها لهم إلا بأنين صامت وبكاء موجع لا يكاد يشعر به أحد ، حتى زوجها الذى يشاركها الحياة ولا يشعر هو بذلك ، فهو على حد احساسها فى عالم آخر لا يفكر إلا فى نفسه ، فى آلامه هو ، فى حياته هو الذى كاد أن ينساها هى الأخرى من شدة اتقانه لدروره الجديد ، لأنه يشعر بارتياح عظيم بهذا المرض العصرى أو بما يسمى ( الزهايمر) أو مرض النسيان التى تصفه بأنه مرض الهروب من الماضى والتهرب من الواقع والمستقبل ، فهى تشعر إنه لا ينسى بل يتناسى ؛ لكى يريح نفسه وأعصابه وأحلامه ؛ وخيالاته ، وكلما مر عليه أمر لا يعجبه تداعى النسيان مثلما تداعى نسيانها عندما أصابتها هذه الأزمة وأدت بها إلى جلوسها بهذا الشكل على كرسى متحرك ؛ لذلك تؤثركل يوم صمتها وحزنها ووجعها إلى أنين صامت هامس تترجمه على هيئة دموع على خديها تجرى مثل السيول فى خطين محفورين فى وجهها إلى أن تجد مكانها أسفل الذقن وتدحرج على الرقبة و تستقران عند نقطة الملتقى (القلب ). دائرة حزن هى تلف وتدور من نفس المنبع القلب مخزن الأوجاع والهموم والمآسى والآهات والأنين لتصب فى نفس المصب وكلاهما قلبها الموجع المسكين الصامت .