يتخذ السياسيون في أحيان كثيرة الشعارات المثيرة للمشاعر لتحريك الجمهور لصالحهم الشخصي؛ ولكنهم لا يَصدقون مع جمهورهم ولا مع أنفسهم، والقاعدة عندهم ترتكز على مبدإ: الغاية تبرر الوسيلة. كلامي هنا لا يمس شخصا بعينه؛ ولكنه يمس مبدأ شائعا ومعمولا به؛ فالملاحظ من سلوك هؤلاء السياسيين أنهم لا يتحركون مادام الأمر لا يتعلق بشخص السياسي؛ فلا بأس من أن يتغاضى عن قضية ما مادامت لا تمسه شخصيا؛ ولو كان في التغاضي إضرار بمصلحة الوطن. لقد خرجنا إذن من دائرة السياسي الحق إلى دائرة الباحث عن الكرسي دون النظر إلى صالح المجتمع والوطن؛ فالسياسي الحقيقي لا يعنيه أن يحصل على الكرسي بقدر ما يعنيه أن يحقق مصلحة ما للوطن والمواطنين، وهناك سياسيون دفعوا حياتهم من أجل مصالح لوطنهم فتم دفع بعض الأغبياء والمتخلفين لاغتيالهم. لقد غضبنا جميعا من المادة 28 من الإعلان الدستوري، واعتزل بعض السياسيين الانتخابات الرئاسية بسبب هذه المادة (ولا بد أن أشير هنا إلى اسم الدكتور محمد البرادعي، الذي أعلن أنه لن يخوض الانتخابات ما دامت هذه المادة موجودة) ومع وجود هذه المادة وقبول مجلس الشعب إقرارها مع إجراء تعديل طفيف عليها، ولأسباب أخرى ذكرتها في مقال سابق خرجت من سباق الرئاسة قبل إغلاق باب الترشح بعشرين يوما تقريبا. في حين قبل جميع مرشحي الرئاسة أن يستمروا في السباق مع علمهم بوجود هذه المادة، ثم غضب بعضهم فجأة وبدأ يصب اللعنات على المادة وعلى اللجنة الانتخابية؟!! بدأ البرلمان جلساته في يناير وفبراير، واستمرت الجلسات في نقاشات وعبارات ساخنة، واستهتار بمسار الديمقراطية حتى استيقظ مجلس الشعب فجأة على رغبة في إصدار قانون العزل السياسي.. وتم إقرار قانون العزل السياسي، وتم التصديق عليه من المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائم بحكم البلاد. والسؤال المطروح الآن: ألم يكن مجلس الشعب على وعي بأنه يجب أن يناقش مثل هذا القانون في جلساته الأولى؟ أم إننا نتحرك عندما تصدمنا الأشياء؟ بصورة أخرى: هل كان مجلس الشعب نائما إلى أن أيقظه ترشح الفريق أحمد شفيق واللواء عمر سليمان، فقرر فجأة أن يناقش هذا القانون ثم يقوم بإقراره واستصدار تصديق عليه من المجلس العسكري؟ هل خشي مجلس الشعب على مرشحي حزب الأغلبية من وقوعهم في منافسة مع هذين المرشحين على أساس أنهما من الفلول وأنهما يمكن أن يجمعا عددا كبيرا من الأصوات؟ هل خشي حزب الأغلبية على ضياع الرئاسة التي أعلن وأكد أنه لن ينافس عليها؟ ثم لحس إعلانه مرة أخرى؟ ألم يتذكر الأخ حازم أبو إسماعيل ومؤيدوه وجود المادة 28 إلا بعد أن تم استبعاده من قائمة المرشحين للرئاسة؟! أسئلة تحتاج إلى صدق مع النفس، ولا نريد لها إجابة؛ فإجابتها عندنا معلومة. سؤال يحتاج إلى تفكر: إلى متى سيظل السياسيون ينظرون إلى الشعب على أنه لا يفهم ولا يدرك حقيقة ما يجري حوله؟ أ.د. حسن محمد عبد المقصود كلية التربية- جامعة عين شمس